(الصفحة 275)في ما لو لم يصم يوم الثامن أيضاً
مسألة 20 ـ لو لم يصم يوم الثامن أيضاً أخّر الصيام إلى بعد الرجوع من منى فصام ثلاثة متوالية، ويجوز لمن لم يصم الثامن، الصوم في ذي الحجة وهو موسع له إلى آخره، وإن كان الأحوط المبادرة إليه بعد أيام التشريق . [1]
[1]
في هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: ما لو لم يصم يوم الثامن أيضاً كالسابع، سواء كان المنشأ هو عدم التمكن، أو كان هو العمد والاختيار. فلا يجزيه الشروع من يوم عرفة وتأخير اليومين إلى بعد أيام التشريق، بل يتعين تأخير الثلاثة بأجمعها. والوجه فيه انك عرفت أن القاعدة الأولية هي لزوم رعاية التوالي والتتابع في جميع الأيام الثلاثة خرج من هذه القاعدة مورد واحد، وهو ما لو صام الثامن والتاسع في خصوص صورة عدم التمكن من صوم السابع.
ومن المحتمل قوياً أن يكون للمورد خصوصية من جهة اليومين المخصوصين أولا، ومن جهة التتابع بين اليومين ثانياً، وكلتا الجهتين مفقودتان في المقام، فلا يمكن أن يصار إليه إلاّ مع الدليل، وهو غير موجود. وعليه فالظاهر لزوم التأخير أولا ورعاية التتابع في جميع الأيام ثانياً.
الفرع الثاني: أنه مع ترك الصيام قبل الأضحى يجوز التأخير بنحو الواجب الموسع إلى آخر ذي الحجة.
والوجه فيه ان ظاهر الروايات الدالة على أن من فاته صيام الثلاثة قبل
(الصفحة 276)في جواز صوم الثلاثة في السفر
مسألة 21 ـ يجوز صوم الثلاثة في السفر. ولا يجب قصد الإقامة في مكة للصيام، بل مع عدم المهلة للبقاء في مكة جاز الصوم في الطريق، ولو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجة يجب الهدي يذبحه بنفسه أو نائبه في منى ولا يفيده الصوم . [1]
الأضحى يصوم يوم الحصبة ويومين بعده، وإن كان لزوم المبادرة بعد الرجوع من منى، إلاّ أن هناك رواية صحيحة دالة على جواز التأخير في صورة المشية. وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال: من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر، فلا بأس بذلك(1).
والجمع بينها وبين روايات الحصبة يقتضي الحمل على الاستحباب. كالجمع بين الروايات الظاهرة في تعين يوم قبل التروية ويومها ويوم عرفة، وبين ما دل على الجواز عند شروع ذي الحجة على ما عرفت. ومنه يظهر أن الاحتياط في المتن استحبابي لا وجوبي لمسبوقيته بالفتوى بالتوسعة.
[1]
تشتمل هذه المسألة على بيان حكمين:
الأول: جواز صوم الثلاثة في السفر، وعدم وجوب قصد الإقامة في مكة للصيّام. ويدل عليه صحيحة رفاعة المشتملة على سؤاله عن أبي عبدالله (عليه السلام) بقول: قلت يصوم وهو مسافر؟ قال: نعم أليس هو يوم عرفة مسافراً؟ إنّا أهل بيت نقول
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون، ح13.
(الصفحة 277)في وجوب صيام سبعة أيام
مسألة 23 ـ يجب صوم سبعة أيام بعد الرجوع من سفر الحج، والأحوط كونها متوالية، ولا يجوز صيامها في مكة ولا في الطريق، نعم لو كان بناءه الإقامة في مكة جاز صيامها فيها بعد شهر من يوم القصد للجوار والاقامة، بل جاز صيامها إذا مضى من يوم القصد مدة لو رجع وصل إلى وطنه، ولو أقام في غير مكة من سائر البلاد أو في الطريق لا يجوز صيامها ولو مضى المقدار المتقدم، نعم لا يجب أن يكون الصيام في بلده، فلو رجع إلى بلده جاز له قصد الإقامة في مكان آخر لصيامها . [1]
ذلك لقول الله ـ عزوجل ـ فصيام ثلاثة أيام في الحج يقول في ذي الحجة(1). بل قد عرفت بعض الروايات الدالة على أنه إن لم يقم عليه جماله في مكة يجوز إيقاعها في الطريق. فلا إشكال في هذا الحكم.
الثاني: أنه لو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجة ماذا حكمه؟ وسيأتي في المسألة الخامسة والعشرين، إن شاء الله تعالى.
[1]
لا شبهة في أصل وجوب صوم سبعة أيام بعد الثلاثة لمن كان عاجزاً عن الهدي وغير واجد له. والظاهر بمقتضى الآية الدالة على أن الوجوب بعد الرجوع، إنّ قيد الرجوع لا يكون قيداً ترخيصياً راجعاً إلى جواز تأخير صيام السبعة إلى بعد الرجوع. بل يكون قيداً دخيلا في الصحة ـ كظرفية الحج ـ بالإضافة إلى الثلاثة،
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون، ح1.
(الصفحة 278)
وظاهر الآية الوقوع في سياقه وكون كلا القيدين دخيلين بنحو واحد.
كما ان الظاهر ان المراد من الرجوع في قوله تعالى:
(... إذا رَجَعْتُمْ...) (1) هو الرجوع إلى الأهل والوطن لا الفراغ من أعمال الحج ولا الخروج من مكة سائراً في الطريق ولا بعد أيام التشريق ـ كما هو المحكي عن غيرنا ـ .
ويدل على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى ظهور الآية فيه في نفسها ـ روايات متعددة، مثل:
صحيحة سليمان بن خالد المروية بطريقين، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تمتع ولم يجد هدياً، قال يصوم ثلاثة أيام بمكة وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله(2).
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن متمتع لم يجد هدياً، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، قال: قلت: فإن فاته ذلك؟ قال: يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده، قلت: فإن لم يقم عليه جماله أيصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق وإن شاء إذا رجع إلى أهله(3). وغير ذلك من الروايات الدالة على هذا المعنى؟.
إذا ظهر لك ذلك، فالكلام يقع في اُمور:
الأمر الأول: اعتبار التوالي في السبعة كالثلاثة على ما تقدم وعدمه. والمشهور هو العدم. بل عن المنتهى والتذكرة لا نعرف فيه خلافاً، لكن المحكي عن ابن أبي
- (1) سورة البقرة (2): 196 .
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون ح7.
- (3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون، ح4.
(الصفحة 279)
عقيل وأبي الصلاح هو الوجوب.
ويدل للمشهور مضافاً إلى أن مقتضى إطلاق الآية هو العدم، موثقة إسحاق بن عمار، قال :قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) اني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى فزعت (نزعت) في حاجة إلى بغداد، :قال صمها ببغداد، قلت: أفرقها؟ قال: نعم(1). وفي السند محمد بن أسلم وليس له توثيق خاص بل توثيق عام في كتابي «كامل الزيارات» و«تفسير علي بن إبراهيم».
والظاهر ان محط السؤال الأول ومورد نظر السائل هو كونه من أهل الكوفة، ولكنه اضطر الحاجة إلى الذهاب إلى بغداد، فأراد أن يصوم في بغداد مع كونه غير وطنه. فالجواب يرجع إلى الجواز وأنه لا مانع من الصوم ببغداد بعد تحقق الرجوع إلى الاهل بقدوم الكوفة.
والسؤال الثاني سؤال مستقل مرجعه إلى جواز التفريق في السبعة وعدمه كالثلاثة، فالجواب أيضاً يرجع إلى الجواز وثبوت الفرق بين الثلاثة والسبعة، واحتمال كون المراد هو التفريق في البلاد والأمكنة، وأن السؤال إنما هو عن التفريق بالنسبة إلى مثل بغداد والكوفة، وعليه فالحكم بالجواز لا يرتبط بالمقام خلاف الظاهر جداً. خصوصاً بعد وضوح الفرق بين التفريق الزماني والتفريق المكاني في مثل المقام لاحتياج الثاني إلى التعرض للظرف المكاني دون الأول، فتدبر. وعليه فالرواية ظاهرة الدلالة على جواز التفريق هنا.
واستدل للوجوب برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال:
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس والخمسون، ح1.