(الصفحة 404)في ما لو نسي رمي الجمار
مسألة 6 ـ لو نسي الرمي من يوم، قضاه في اليوم الآخر، ولو نسي من يومين، قضاهما في اليوم الثالث. وكذا لو ترك عمداً. ويجب تقديم القضاء على الأداء وتقديم الأقدم قضاء، فلو ترك إلى يوم العيد وبعده، أتى يوم الثاني عشر أولا بوظيفة العيد ثم بوظيفة الحادي عشر ثم الثاني عشر.
وبالجملة يعتبر الترتيب في القضاء ـ كما في الأداء ـ في تمام الجمار وفي بعضها. فلو ترك بعضها كجمرة الاُولى ـ مثلا ـ وتذكر في اليوم الآخر، أتى بوظيفة اليوم السابق مرتبة، ثم بوظيفة اليوم. بل الأحوط فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات فتذكر في اليوم الآخر، أن يقدم القضاء على الأداء وأقدم قضاءاً على غيره . [1]
يجتمع مع ذلك الاحتياط الوجوبي أصلا. ولذا أوردنا عليه في الحاشية: أن مقتضاه الصحة مع العمد. وهو لا يجتمع مع الاحتياط الوجوبي بالإعادة على العامد، فتدبر.
[1]
يدل على أصل وجوب قضاء الرمي المنسي في اليوم الآخر، وكذا لزوم مراعاة الترتيب في الرمي القضائي أيضاً روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: قلت الرجل ينكس في رمي الجمار، فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة، وإن كان من الغد.(1)
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 4 .
(الصفحة 405)
فإن مورد السؤال إما صورة النسيان أو الجهل وقوله «وإن كان من الغد» ظاهر في وجوب القضاء ولزوم الترتيب في الرمي القضائي. ويستفاد منه حكم صورة نسيان أصل الرمي في يوم، وإطلاق قوله «من الغد» يشمل اليوم الثالث عشر بالإضافة إلى اليوم الذي بعده وإن كان هو اليوم الرابع عشر، ويحتمل قوياً أن تكون الرواية قطعة من رواية معاوية بن عمار المفصلة ـ كما عرفت نظيرها ـ .
ثم إن المشهور قد التزموا بتقديم القضاء على الأداء، بل ادعى الإجماع على ذلك، وحكموا بأن الإتيان بالقضاء بكرة وبالأداء عند الزوال مستحب. واستدلوا عليه بصحيحة ابن سنان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين: مرة لما فاته والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه، وليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة وهي للأمس والاُخرى عند زوال الشمس(1).
وبملاحظة الروايات الدالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى الغروب، يستفاد أن الحكم بالتفريق في الرمي القضائي، وكذا كون القضائي أول النهار والأدائي عند زوال الشمس حكم استحبابي، ولا يلازم استحباب أصل القضاء مع أن التفريق المستحب بالنحو المذكور استحبابي إجماعاً.
نعم يرد على الاستدلال بها: أنها واردة في رمي جمرة العقبة الذي هو من أعمال منى ومناسكه وجزء من أجزاء الحج، بخلاف رمي الجمار الذي عرفت أنه خارج عن أجزاء الحج، والتقديم في جزء الحج على ما ليس جزء له هو مقتضى القاعدة،
- (1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح1.
(الصفحة 406)في مالو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة
مسألة 7 ـ لو رمى على خلاف الترتيب وتذكر في يوم آخر، أعاد حتى يحصل الترتيب، ثم يأتي بوظيفة اليوم الحاضر . [1]
ولا حاجة فيه إلى الرواية، بخلاف المقام. فكيف يمكن التعدي من ذلك إلى رمي الجمار، والحكم بأن قضاء اليوم الحادي عشر مع نسيان الرمي فيه مقدم على الأداء في اليوم الثاني عشر، مع كونهما بنحو واحد في الخروج عن أعمال الحج وعدم كونه جزءاً من أجزائه؟ اللهم إلاّ مع إلغاء الخصوصية من هذه الجهة. ويؤيده اشتراك الرميين في الشرائط والخصوصيات الاُخرى.
نعم فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات وتذكر في اليوم الآخر، يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي ـ كما في المتن ـ تقديم القضاء على الأداء، وتقديم الأقدم قضاءاً على غيره. فالحكم في مثله بل في أصله مبني على الاحتياط، من دون أن يكون عليه دليل واضح; فتدبر.
[1]
قد تقدم البحث عن خلاف الترتيب نسياناً، وكذا الترتيب بين القضاء والأداء في المباحث السابقة، ولا حاجة إلى الإعادة، فراجع.
(الصفحة 407)مسألة 8 ـ لو نسي رمي الجمار الثلاث ودخل مكة، فإن دخل في أيام التشريق يجب الرجوع مع التمكن، والاستنابة مع عدمه، ولو تذكر بعدها أو أخّر عمداً إلى بعدها، فالأحوط الجمع بين ما ذكر والقضاء في العام القابل، في الأيام التي فات منه إما بنفسه أو بنائبه. ولو نسي رمي الجمار الثلاث حتى خرج من مكة، فالأحوط القضاء في العام القابل ولو بالاستنابة. وحكم نسيان البعض في جميع ما تقدم كنسيان الكل; بل حكم من أتى بأقل من سبع حصيات في الجمرات الثلاث أو بعضها حكم نسيان الكل على الأحوط . [1]
[1]
قال المحقق (قدس سره) في الشرايع: ولو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع ورمى، وإن خرج من مكة لم يكن عليه شيء إذا انقضى زمان الرمي. والظاهر أن قوله: «إذا انقضى زمان الرمي» ـ مع ملاحظة أن زمان الرمي هي أيام التشريق على ما عرفت ـ متعلق بالجملة الأخيرة. وقيد صاحب الجواهر (قدس سره) الجملة الاُولى بقوله: «مع بقاء أيام التشريق التي هي زمان الرمي».
وكيف كان، فيدل على وجوب الرجوع من مكة مع بقاء أيام التشريق ـ سواء كان المنشأ للترك هو الجهل أو النسيان ـ روايات متعددة، ويستفاد منها صورة العمد بطريق أولى، لكن التقييد بأيام التشريق وقع في رواية واحدة فقط، وهي:
رواية عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه (و خ) فإنه لا يكون رمي الجمار
(الصفحة 408)
إلاّ أيام التشريق(1).
لكن في طريقها محمد بن عمر بن يزيد، ولم يرد فيه توثيق ولا مدح يعتدّ به. ولكن ضعف السند منجبر بفتوى المشهور على طبقها واستنادهم إليه، وبه يقيد إطلاق قوله (عليه السلام) «وإن كان من الغد» في صحيحة معاوية بن عمار في المسألة السابقة، وإن قلنا بأن مقتضى إطلاقه القضاء في اليوم الرابع عشر أيضاً، إذا فاته الرمي من اليوم الثالث عشر.
وكيف كان فاحتاط وجوباً في المتن في القضاء بعد هذه الأيام لو تذكر بعدها أو أخّر عمداً، والإتيان به من قابل في الأيام التي فات منه، إمّا بنفسه وإمّا بالاستعانة والاستنابة.
كما أنه احتاط فيما إذا تذكر بعد الخروج من مكة ويكون نوعاً بعد أيام التشريق، لأن الخروج من مكة مع قصد الرجوع إلى الأهل والوطن يكون بعدها نوعاً.
ومنشأ الاحتياط سكوت بعض الروايات من هذه الجهة، وظاهرها عدم وجوب الإعادة والإتيان من القابل مطلقاً، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرمي، قلت: فإنه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقاً، يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد(2).
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح4.
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح3.