(الصفحة 104)
الفجر.
ويرد عليه إن الفعل أعم من الوجوب، ومن المحتمل انه كان الوجه فيه هو استحبابه أو تأكد إستحبابه من دون أن يكون هناك وجوب.
الثاني: صحيحة الحلبي التي رواها عنه معاوية بن عمّار وحمّاد، قال: قال لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً فصلّ بها المغرب والعشاء الآخر بأذان وإقامتين، ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، وتقول اللّهم هذه جمع، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير ـ إلى آخر الدعاء ـ الحديث(1). نظراً إلى أن الحياض من حدود المشعر الخارجة عنه كخروج حدود عرفات عنها على ما مرّ. فالنهي عن تجاوزها في الليلة المزبورة التي تكون تماميتها بطلوع الفجر دليل على وجوب الوقوف قبل الطلوع أيضاً.
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ قرينة السّياق تقتضي كون النّهي للكراهة لا للحرمة وإلى أنّها أخصّ من المدّعى. لأن عدم تجاوز الحياض يجتمع مع تأخير الإفاضة من عرفات وعدم الوود في المشعر ليلة العيد، إلاَّ في الأجزاء الآخرة ومع التوقف بين عرفات والمشعر.
انّ الظاهر كون النهي عن تجاوز الحياض بلحاظ التحفظ على إمكان الوقوف بالمشعر نظراً إلى أنه يحتمل مع التجاوز أن لا يدرك المشعر بين الطلوعين ويفوت عنه كذلك، كالنهي عن الخروج عن مكة، بعد الفراغ عن عمرة التمتع. على ما مرّ
- (1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، أورد صدرها في الباب السادس، ح1، ووسطها في الباب الثامن، ح3، وذيلها في الباب العاشر، ح1.
(الصفحة 105)
التحقيق فيه سابقاً من أنّه إنما هو بلحاظ خوف عدم إمكان الرجوع إلى مكة والإحرام منها لأجل الحج، فلا يكون هناك نهي، بالإضافة إلى من يعلم بإمكان الرجوع وعدم كون الخروج مورد الخوف بالنسبة إليه. وعليه فلا دلالة للصحيحة على ما رامه صاحب الجواهر (قدس سره) .
ثم إنه جعل فيها هذه الرواية صحيحة معاوية بن عمّار مع أنك عرفت أنه قد رواها هو وحمّاد عن الحلبي.
الثالث: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إصبح على طهر بعدما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريباً من الجبل، وإن شئت حيث شئت. فإذا وقفت فاحمد الله عزّوجلّ وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه، وصلّ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ... الحديث(1) وفي الجواهر: بل ربما ظهر منه المفروغية عن ذلك.
ويرد عليه منع المفروغية، بل غاية مفادها لزوم تحقق الإصباح في المشعر. ومن المعلوم انه لا يتوقف الإصباح على المبيت فيه ـ الذي هو مدعى صاحب الجواهر (قدس سره) ـ ضرورة أن الإصباح يتحقق بالكون فيه قبل الطلوع دقائق فقط ولا محيص عنه حتى على القول بعدم الوجوب. لأن العلم بتحقق الوقوف من اوّل طلوع الفجر لا يتحقق نوعاً إلا بالوقوف فيه قبله الدقائق، كما أن الوقوف في عرفات من أول الزوال بناء على اعتباره لا يتحقق العلم به، إلاَّ بالوقوف فيها قبل الزوال بالمقدار المذكور فالرواية اجنبية عن الدلالة على مرامه.
الرّابع: رواية عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمى الأبطح
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح1.
(الصفحة 106)
أبطح، لأن آدم (عليه السلام) أمر أن يتبطح في بطحاء جمع، فتبطح حتى انفجر الصّبح، ثم أمر أن يصعد جبل جمع، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك، فأرسل الله ناراً من السماء فقبضت قربان آدم.(1)
ويرد عليه أوّلا: ضعف سند الرواية بمحمد بن سنان الواقع في سند الرواية وبعبد الحميد، فلا مجال للاستدلال بها.
وثانياً: عدم انطباقها على المدّعى. لأنّ التبطّح المأمور به بالإضافة إلى آدم (عليه السلام) لايتوقف على المبيت، بل يتحقق بالمكث قبل الفجر ولو بقليل.
فانقدح من جميع ما ذكرنا إنه لم ينهض شيء مما استدل به صاحب الجواهر (قدس سره) لإثبات مدعاه الذي قواه ونسبه إلى ظاهر الأكثر. نعم حكي عن العلامة في التذكرة إنه إستدل للقول بعدم الوجوب مضافاً إلى الأصل صحيحة هشام بن سالم وغيره عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال: في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، والتقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس.(2) نظراً إلى أن الظاهر كون وقوع صلاة الفجر في أوّل وقتها، وهو يستلزم الإفاضة من المشعر قبل الفجر بساعتين أو ساعات. فنفي البأس به ظاهر في عدم وجوب المبيت. وصحيحة مسمع عن أبي إبراهيم «عبدالله خ ل» (عليه السلام) في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: ان كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاه.(3) بناء على كون المراد من الشرطية
- (1) وسائل: أبوب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح6.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح8.
- (3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثامن عشر، ح1.
(الصفحة 107)
الثانية صورة العلم والعمد على ما تقتضيه قرينة المقابلة مع الشرطية الأولى.
هذا ولكن الظاهر ان الرّواية الأولى تختص بالمعذور بقرينة الروايات الأخرى، والرواية الثانية على فرض كون المراد منها ذلك ـ كما فهمه المشهور ـ يكون الحكم فيها بثبوت دم شاة كاشفاً عن ثبوت الإثم وتحقق العصيان الموجب للكفارة نوعاً. لكن سيجيء التحقيق في معنى الرّواية إن شاء الله تعالى، كما أنه لا حاجة لإثبات عدم الوجوب إلى إقامة الدليل عليه، بل القائل بالوجوب لابدّ له من إقامته.
ثم إنه قال المحقق (قدس سره) في الشرايع في عدد واجبات الوقوف: وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر. فلو أفاض قبله عامداً بعد أن كان به ليلا ـ ولو قليلا ـ لم يبطل حجّه، إن كان وقف بعرفات وجبره بشاة، وتجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من غير جبران، ولو أفاض ناسياً لم يكن عليه شيء.
والبحث معه في أمرين:
الأمر الأوّل: صحة التفريع الذي تفيده كلمة «الفاء» وعدمها. ووجّهه صاحب الجواهر (قدس سره) بأن المراد من الجبر بيان الإثم المترتب على ترك الواجب المزبور.
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ التفريع بلحاظ المدلول الإلتزامي الذي يدل عليه كلمة الجبر في غير المحل، إن الظاهر كون الجملة التفريعية مسوقة لإفادة عدم بطلان الحج ـ كما وقع التصريح به فيها ـ ومن الواضح انّ تفريع عدم البطلان بترك الواجب على بيان الواجب لايخلو من التهافت. فإنّ مايناسب أن يفرّع على بيان الواجب، هو البطلان بتركه، لاعدم البطلان بسبب الترك. نعم تجوز اضافة الحكم بالعدم عليه، لكن الإضافة غيرالتفريع. ومما ذكرنا ظهر انّه لاوجه للتفريع المذكور في كلام
(الصفحة 108)
المحقق (قدس سره) .
الأمر الثاني: صحة الفرع الذي ذكره وعدمها. والمنشأ له صحيحة مسمع المتقدمة آنفاً، بناء على كون المراد من الجملة الشرطية الثانية بيان حكم العالم في مقابل الجاهل الواقع في الشرطية الأولى. وعلى هذا التفسير تدل الصحيحة على أن الرّكن من الوقوف بالمشعر الذي يوجب الإحلال به عمداً البطلان، أعم ما بين الطلوعين، فيكون الركن مسمى الوقوف بالمشعر من الليل إلى طلوع الشمس. وعليه فلو أفاض قبل الفجر عامداً بعد أن وقف به ليلا ـ ولو كان قليلا ـ لا يتحقق ترك الركن بوجه; لأن مقتضى لزوم الجبر بالشاة عدم البطلان. ولكنه ذكر صاحب الحدائق (قدس سره) ان معنى الرواية أمر آخر غير ما ذكر. قال: إن الرواية غير ناظرة إلى حكم العامد، وإنما نظرها إلى حكم الجاهل من حيث الإفاضة قبل الفجر وبعده. فموضوع السؤال في الرّواية إنه وقف مع الناس الوقوف المتعارف. وهو الوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، خصوصاً ان قوله: «وقف مع الناس» ظاهر جدّاً في أنه وقف معهم في هذا الوقت. فإن الناس يقفون ويجمعون في هذا الوقت. ولكن أفاض قبل أن يفيض الناس. أي: قبل طلوع الشمس. فقال: لا شيء عليه، ثم إنّ الإمام (عليه السلام) تدارك وذكر انه إنما لا شيء عليه إذا أفاض بعد الفجر وإن لم يصبر إلى طلوع الشمس. ولكن لو أفاض الجاهل قبل الفجر، فعليه دم شاة. فالرواية في الحكمين ناظرة إلى حكم الجاهل. وأمّا العالم العامد فالرواية ساكتة عنه، ولا دليل عليه بخصوصه. فإذاً تشمله الروايات الدالة على أن من لم يدرك المشعر مع الناس، فقد فاته الحج. ولا أقلّ من إجمال رواية مسمع، فالمرجع أيضاً تلك العمومات الدالة