(الصفحة 106)
أبطح، لأن آدم (عليه السلام) أمر أن يتبطح في بطحاء جمع، فتبطح حتى انفجر الصّبح، ثم أمر أن يصعد جبل جمع، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك، فأرسل الله ناراً من السماء فقبضت قربان آدم.(1)
ويرد عليه أوّلا: ضعف سند الرواية بمحمد بن سنان الواقع في سند الرواية وبعبد الحميد، فلا مجال للاستدلال بها.
وثانياً: عدم انطباقها على المدّعى. لأنّ التبطّح المأمور به بالإضافة إلى آدم (عليه السلام) لايتوقف على المبيت، بل يتحقق بالمكث قبل الفجر ولو بقليل.
فانقدح من جميع ما ذكرنا إنه لم ينهض شيء مما استدل به صاحب الجواهر (قدس سره) لإثبات مدعاه الذي قواه ونسبه إلى ظاهر الأكثر. نعم حكي عن العلامة في التذكرة إنه إستدل للقول بعدم الوجوب مضافاً إلى الأصل صحيحة هشام بن سالم وغيره عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال: في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، والتقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس.(2) نظراً إلى أن الظاهر كون وقوع صلاة الفجر في أوّل وقتها، وهو يستلزم الإفاضة من المشعر قبل الفجر بساعتين أو ساعات. فنفي البأس به ظاهر في عدم وجوب المبيت. وصحيحة مسمع عن أبي إبراهيم «عبدالله خ ل» (عليه السلام) في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: ان كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاه.(3) بناء على كون المراد من الشرطية
- (1) وسائل: أبوب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح6.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح8.
- (3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثامن عشر، ح1.
(الصفحة 107)
الثانية صورة العلم والعمد على ما تقتضيه قرينة المقابلة مع الشرطية الأولى.
هذا ولكن الظاهر ان الرّواية الأولى تختص بالمعذور بقرينة الروايات الأخرى، والرواية الثانية على فرض كون المراد منها ذلك ـ كما فهمه المشهور ـ يكون الحكم فيها بثبوت دم شاة كاشفاً عن ثبوت الإثم وتحقق العصيان الموجب للكفارة نوعاً. لكن سيجيء التحقيق في معنى الرّواية إن شاء الله تعالى، كما أنه لا حاجة لإثبات عدم الوجوب إلى إقامة الدليل عليه، بل القائل بالوجوب لابدّ له من إقامته.
ثم إنه قال المحقق (قدس سره) في الشرايع في عدد واجبات الوقوف: وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر. فلو أفاض قبله عامداً بعد أن كان به ليلا ـ ولو قليلا ـ لم يبطل حجّه، إن كان وقف بعرفات وجبره بشاة، وتجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من غير جبران، ولو أفاض ناسياً لم يكن عليه شيء.
والبحث معه في أمرين:
الأمر الأوّل: صحة التفريع الذي تفيده كلمة «الفاء» وعدمها. ووجّهه صاحب الجواهر (قدس سره) بأن المراد من الجبر بيان الإثم المترتب على ترك الواجب المزبور.
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ التفريع بلحاظ المدلول الإلتزامي الذي يدل عليه كلمة الجبر في غير المحل، إن الظاهر كون الجملة التفريعية مسوقة لإفادة عدم بطلان الحج ـ كما وقع التصريح به فيها ـ ومن الواضح انّ تفريع عدم البطلان بترك الواجب على بيان الواجب لايخلو من التهافت. فإنّ مايناسب أن يفرّع على بيان الواجب، هو البطلان بتركه، لاعدم البطلان بسبب الترك. نعم تجوز اضافة الحكم بالعدم عليه، لكن الإضافة غيرالتفريع. ومما ذكرنا ظهر انّه لاوجه للتفريع المذكور في كلام
(الصفحة 108)
المحقق (قدس سره) .
الأمر الثاني: صحة الفرع الذي ذكره وعدمها. والمنشأ له صحيحة مسمع المتقدمة آنفاً، بناء على كون المراد من الجملة الشرطية الثانية بيان حكم العالم في مقابل الجاهل الواقع في الشرطية الأولى. وعلى هذا التفسير تدل الصحيحة على أن الرّكن من الوقوف بالمشعر الذي يوجب الإحلال به عمداً البطلان، أعم ما بين الطلوعين، فيكون الركن مسمى الوقوف بالمشعر من الليل إلى طلوع الشمس. وعليه فلو أفاض قبل الفجر عامداً بعد أن وقف به ليلا ـ ولو كان قليلا ـ لا يتحقق ترك الركن بوجه; لأن مقتضى لزوم الجبر بالشاة عدم البطلان. ولكنه ذكر صاحب الحدائق (قدس سره) ان معنى الرواية أمر آخر غير ما ذكر. قال: إن الرواية غير ناظرة إلى حكم العامد، وإنما نظرها إلى حكم الجاهل من حيث الإفاضة قبل الفجر وبعده. فموضوع السؤال في الرّواية إنه وقف مع الناس الوقوف المتعارف. وهو الوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، خصوصاً ان قوله: «وقف مع الناس» ظاهر جدّاً في أنه وقف معهم في هذا الوقت. فإن الناس يقفون ويجمعون في هذا الوقت. ولكن أفاض قبل أن يفيض الناس. أي: قبل طلوع الشمس. فقال: لا شيء عليه، ثم إنّ الإمام (عليه السلام) تدارك وذكر انه إنما لا شيء عليه إذا أفاض بعد الفجر وإن لم يصبر إلى طلوع الشمس. ولكن لو أفاض الجاهل قبل الفجر، فعليه دم شاة. فالرواية في الحكمين ناظرة إلى حكم الجاهل. وأمّا العالم العامد فالرواية ساكتة عنه، ولا دليل عليه بخصوصه. فإذاً تشمله الروايات الدالة على أن من لم يدرك المشعر مع الناس، فقد فاته الحج. ولا أقلّ من إجمال رواية مسمع، فالمرجع أيضاً تلك العمومات الدالة
(الصفحة 109)
على بطلان الحج بترك الوقوف في المشعر، فحاصل المعنى من الروايه بعد فرض االإفاضة في كلام السائل بعد الفجر وقبل طلوع الشمس هكذا: إن كان جاهلا فلا شيء عليه في إفاضته في ذلك الوقت، وإن كانت إفاضته قبل طلوع الفجر، فعليه شاة.
والإنصاف إن ما أفاده في معنى الرواية مما تقتضيه الدقة فيه. وقد أيّده بعض الأعلام (قدس سره) بصحيحة علىّ بن رئاب، ان الصّادق (عليه السلام) قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمّداً أو مستخفّاً فعليه بدنة.(1) نظراً إلى أن وجوب البدنة على المتعمد يكشف عن أنّ وجوب الشاة عليه ـ كما في رواية مسمع في مورد الجاهل ـ وإلاّ فكيف يحكم في مورد واحد تارة بأنه عليه شاة، وأخرى بأنّه عليه بدنة.
هذا ولا يخفى جريان المناقشة في التأييد. وإن كان أصل ما أفاده صاحب الحدائق حقّاً. فإنه لو قلنا بأن الشرطية الثانية في رواية مسمع واردة في مورد العالم المتعمد ـ كما فهمه الأكثر ومنهم المحقق في الشرايع على ما عرفت في عبارته المتقدمة وصاحب الجواهر في الشرح ـ يكون موردها مختلفاً مع مورد هذه الرواية. ولا يستلزم الحكم في مورد واحد تارة بثبوت الشاة وأخرى بثبوت البدنة، ضرورة أنّ مورد رواية مسمع من وقف بالمشعر وأحدث الوقوف فيه مع النية وسائر الشرائط المعتبرة فيها. غاية الأمر إنه أفاض قبل طلوع الفجر مع انه لم يكن له الإفاضة حينئذ وأمّا مورد هذه الرواية فهو «من ترك الوقوف بالمشعر رأساً» لأن التعبير الوارد
- (1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب السادس والعشرون، ح1.
(الصفحة 110)
فيها «انه لم يلبث بعد الإفاضة من عرفات بالمشعر أصلا بل مضى إلى منى» ومن المعلوم انّ مجرد الكون في المشعر مقداراً من الزمان في حال السير والحركة لا يكفي في الووف الذي تعتبر فيه النيّة وغيرها. وعليه فمورد هذه الرواية هو ترك الوقوف بالمشعر رأساً مع العلم والعمد. ومن الواضح انه يوجب بطلان الحج في هذا الحال، بعد كون الوقوف بالمشعر ركناً ـ كالوقوف بعرفه ـ.
وبالجملة ظاهر رواية مسمع ثبوت كفارة الشاة مع عدم بطلان الحج. وأمّا هذه الرواية فالحكم بثبوت كفارة البدنة إنّما هو لأجل البطلان. فيكون الموردان مختلفين ولأجل ما ذكرنا ترى أن صاحب الوسائل ذكر في عنوان الباب الذي لم يورد فيه إلاّ هذه الرواية باب ان من ترك الوقوف بالمشعر عمداً بطل حجّه ولزمه بدنة فالتأييد في غير محلّه.
الجهة الثانية: في أن الوقوف الواجب بين الطلوعين يجب أن يكون شروعه من حين طلوع الفجر ومنتهاه طلوع الشمس. فيجب الإستيعاب بالإضافة إلى أجزاء هذا الزمان ـ كما هو المشهور ـ أم لا يجب الإستيعاب ـ كما يظهر من جماعة منهم صاحب الجواهر (قدس سره) ـ وقد استدل لعدم الوجوب من طلوع الفجر، بقوله (عليه السلام) في صدر رواية معاوية بن عمار المتقدمة: إصبح على طهر بعدما تصلّى الفجر، قف إن شئت قريباً من الجبل وإن شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد الله واثن عليه...(1) نظراً إلى ظهوره في عدم وجوب النيّة عند طلوع الفجر.
والظاهر ابتنائه على كون الظرف في قوله بعدما تصلّى الفجر متعلّقاً بالإصباح.
- (1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر ح1.