(الصفحة 110)
فيها «انه لم يلبث بعد الإفاضة من عرفات بالمشعر أصلا بل مضى إلى منى» ومن المعلوم انّ مجرد الكون في المشعر مقداراً من الزمان في حال السير والحركة لا يكفي في الووف الذي تعتبر فيه النيّة وغيرها. وعليه فمورد هذه الرواية هو ترك الوقوف بالمشعر رأساً مع العلم والعمد. ومن الواضح انه يوجب بطلان الحج في هذا الحال، بعد كون الوقوف بالمشعر ركناً ـ كالوقوف بعرفه ـ.
وبالجملة ظاهر رواية مسمع ثبوت كفارة الشاة مع عدم بطلان الحج. وأمّا هذه الرواية فالحكم بثبوت كفارة البدنة إنّما هو لأجل البطلان. فيكون الموردان مختلفين ولأجل ما ذكرنا ترى أن صاحب الوسائل ذكر في عنوان الباب الذي لم يورد فيه إلاّ هذه الرواية باب ان من ترك الوقوف بالمشعر عمداً بطل حجّه ولزمه بدنة فالتأييد في غير محلّه.
الجهة الثانية: في أن الوقوف الواجب بين الطلوعين يجب أن يكون شروعه من حين طلوع الفجر ومنتهاه طلوع الشمس. فيجب الإستيعاب بالإضافة إلى أجزاء هذا الزمان ـ كما هو المشهور ـ أم لا يجب الإستيعاب ـ كما يظهر من جماعة منهم صاحب الجواهر (قدس سره) ـ وقد استدل لعدم الوجوب من طلوع الفجر، بقوله (عليه السلام) في صدر رواية معاوية بن عمار المتقدمة: إصبح على طهر بعدما تصلّى الفجر، قف إن شئت قريباً من الجبل وإن شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد الله واثن عليه...(1) نظراً إلى ظهوره في عدم وجوب النيّة عند طلوع الفجر.
والظاهر ابتنائه على كون الظرف في قوله بعدما تصلّى الفجر متعلّقاً بالإصباح.
- (1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر ح1.
(الصفحة 111)
وعليه فالوقوف واقع عقيب الإصباح المتأخر عن طلوع الفجر، فيكون الوقوف متأخراً عن الطلوع مع أنّ الظاهر إن الإصباح الذي يكون معناه هو الدخول في الصبح والورود فيه لا يلتئم مع البعدية عن صلاة الفجر، وان كانت واقعة في أوّل وقتها ـ كما هو المتعارف خصوصاً في المشاعر والمواضع المعدة للعبادة ـ فإنّ الإصباح قد تحقق قبلها لا محالة. فاللازم أن يقال بتعلق الظرف بالطهر ومرجعه إلى إدامة الكون على حالة الطهارة بعد صلاة الفجر المقارنة مع هذه الحالة لا محالة. وعليه فالوقوف واقع عقيب الإصباح المتحقق بطلوع الفجر. فالإستدلال في غير المحلّ.
كما انه قد استدل لعدم الوجوب في ناحية المنتهى، وهو طلوع الشمس بعدّة من الروايات:
منها: ذيل الصحيحة المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) ثم أفض حيث يشرق لك بثير وترى الإبل مواضع اخفافها.(1) وقد رواه في الوسائل بالفاء بقوله «حيث يشرف» مع ان الظاهر كونه بالقاف لشهرة هذا التعبير، مع كونه في المصدر أيضاً كذلك. قال في الجواهر: «إن الأمر بالإضافة حين يشرق له بثير وحين ترى الإبل مواضع اخفافها» أعم من ذلك ـ أي من طلوع الشمس ـ والظاهر إرادة الأسفار من الإشراف فيه بقرينة قوله: «وترى الإبل» إلى أخره الذي لا يعبر به عن بعد طلوع الشمس. ومنه يعلم رجحان ما قلنا على صوره العكس.
- (1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر ح1.
(الصفحة 112)
ويرد عليه أوّلا:
ان قوله «يشرق لك بثير» الذي معناه الحقيقي هو إشراق بثير الذي هو جبل بمكة. والظاهر ان خصوصيته إنما هي بلحاظ كونه أوّل جبل يطلع الشمس عليه من ناحية المشرق له معنى كنائي وهو طلوع الشمس. ومن الواضح إن الإستعمالات الكنائية يكون المقصود الأصلي ماهو الملزوم، لا المعنى الحقيقي الذي هو لازم لذلك المعنى. والملاك في الصدق والكذب فيها هي مطابقة المقصود الأصلى للواقع وعدم مطابقته لا مطابقة المدلول المطابقي ومخالفته. فقوله: زيد كثير الرماد يكون الملاك في صدقه وكذبه هو كونه ذا جود وسخاء وعدم كونه كذلك، لا كونه كثير الرّماد واقعاً وعدمه.
والدليل على كون المعنى الكنائي في المقام هو طلوع الشمس، مضافاً إلى دلالة اللغة عليه تفسيره بذلك في بعض الروايات المعتبرة. ففي رواية معاوية بن عمار ـ التي يحتمل قويّاً أن تكون هي الرواية المتقدمة، غاية الأمر إشتمالها على اضافة في الذيل ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ قال «ثم أفض حيث يشرق لك بثير وترى الإبل مواضع اخفافها» قال ابو عبدالله (عليه السلام) كان أهل الجاهلية يقولون أشرق بثير يعنون الشمس كما يغير (نغير) وإنّما أفاض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلاف أهل الجاهلية كانوا يفيضون بإيجاف الحيل وإيضاح الإبل، فأفاض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة، فأفض بذكر الله والإستغفار وحرّك به لسانك.(1)
والعجب انّ صاحب الوسائل نقل قوله: حيث يشرق أيضاً بالفاء مكان القاف، ولم ينقل قوله: يعنون الشمس مع وجوده في المصدر الذي هو التهذيب على ما
- (1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر ح5.
(الصفحة 113)
راجعت. وعليه فالرواية دالة على التفسير بطلوع الشمس. وأمّا قوله: «كيما نغير» ففي محكي النهاية: «أشرق بثير كيما نغير» أي نذهب سريعاً. يقال: أغار إذا أسرع في العدو. وقيل: أراد نغير على لحوم الأضاحي من الإغارة والنهب. وفي القاموس: غار أسرع ومنه أشرق بثير كيما نغير، أي: نسرع إلى النحر. وأمّا قوله: إيضاع الإبل ففي الصحاح: وضع البعير أو غيره. أي: أسرع في سيره. وعليه فلا يبقى مجال لتفسيره بالأسفار ـ كما في الجواهر ـ.
ومنها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تجاوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس.(1) بناء على كون المراد من التجاوز المنهي عنه هو العبور والمجاوزة المتحققة بالعبور عن جميع أجزاء الوادي. ومن الواضح ان وادي محسّر من حدود المشع الخارجة عنه، وهو الواقع بين المشعر ومنى. ولا يكون جزء من شيء منهما. فتدل الرواية على جواز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس بشرط عدم التجاوز عن الوادي المذكور.
هذا ولكن الظّاهر أن المراد من التجاوز المنهي عنه هو الدخول. ومعناه النهي عن الدخول في الوادي الملازم للخروج عن المشعر قبل الطلوع، كما أن المراد من التجاوز المنهي عنه في ليلة المزدلفة بالإضافة إلى الحياض الذي أو أيضاً من حدود المشعر، قد عرفت انّه الدخول فيه، لا العبور عنها. ويؤيده بل يدل عليه إنه لو كان المراد منه ذلك لكان المناسب التعبير بالدخول في منى، لأن التجاوز عن وادي محسّر يلازم الدخول والورود فيها. فالتعبير بالتجاوز دونه قرينة على كون المراد منه هو
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح2.
(الصفحة 114)
الدخول. والعجب من صاحب الجواهر (قدس سره) حيث جعل الصحيحة دالة على مرامه، وان جعل التجاوز المنهي عنه بمعنى الدخول، نظراً إلى أنه أعم من لاأسفار المتحقق قبل طلوع الشمس مع أنه على هذا التقدير لا يبقى للأسفار موقع أصلا.
ومنها: مرسلة ابن مهزيار عمّن حدثه عن حماد بن عثمان عن جميل بن دراج عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، وسائر النّاس إن شاؤوا عجّلوا، وإن شاؤوا أخّروا.(1) والمراد بالإمام هو أمير الحاج. والرواية ظاهرة في جواز تعجيل سائر الناس عنه، ولازمه الخروج عن الموقف قبل طلوع الشمس.
ولكن الرواية مضافاً إلى كونها غير معتبرة بسبب الإرسال، فلا ينبغي الإتكال عيها تجري المناشقة في دلالتها أيضاً، نظراً إلى أن المناسبة تقتضى أن يكون المراد بوقوف الإمام بالمشعر هو الوقوف في خصوص الموضع الذي اختاره للوقوف من المشعر وكان الناس يرجعون إليه في مقاصدهم ومشاكلهم، لا الوقوف الشامل للخروج عن ذلك الموضع والحركة عنه بطرف منى، وإن كان محل سيره وحركته هو المشعر بعد. وعليه فالمراد من تعجيل الناس هو تعجيلهم في الحركة عن الموضع الذي قد اختاروه للوقوف بجمع أثاثهم ولوازمهم. ومن الواضح ان الحركة عنه لا تستلزم الورود في وادي محسّر، بل يحتاج إلى زمان معتد به وحركة معتد بها. فلا دلالة للرواية على مرام صاحب الجواهر (قدس سره) .
ومنها: موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) أيّ ساعة أحبّ إليك
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح4.