(الصفحة 12)
بدأ بالمروة قبل الصفا لامجال لدعوى أن المراد بطرح ما سعى هو طرح ما بعده من الأشواط، و إلاّ فالشوط الأوّل ملغى و مطروح بنفسه; لأنه على خلاف المأمور به، و ذلك لأنه بعد فرض كون المورد غير صورة العلم و العمد يكون الدليل على البطلان نفس هذه الروايات الدالة على الطرح. و إلاّ فمن المحتمل اختصاص اعتبار البدأة بالصفا بخصوص الصورة المذكورة، فهذه الروايات دليل على البطلان في صورة الجهل أو النسيان و لانضايق من كون مقتضى القاعدة أيضاً ذلك. لأن موافقة الرواية للقاعدة لاتقدح في الأخذ بظهورها.
كما أن ظاهر الجواب لزوم طرح جميع ماتحقق من أجزاء السعي، سواء كان في الشوط الأوّل أو فيما بعده من الاشواط. فالروايات تدل بإطلاقها على بطلان جميع أجزاء السعي في كلا الفرضين و لزوم الاستيناف من رأس و الإبتداء من الصفا.
الطائفة الثانية: ماتكون مشتملة على التعليل و التشبيه المزبور. و هما روايتان:
إحديهما: رواية عليّ بن أبي حمزة، قال: سألت اباعبدالله (عليه السلام) عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألاترى أنه لوبدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء.(1) ولكنها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائنى المعروف.
ثانيتهما: رواية عليّ الصائغ، قال: سئل ابوعبدالله (عليه السلام) ـ واناحاضر ـ عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لوبدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله.(2) و في السند اسماعيل بن مراد الذى يكون موثقاً بالتوثيق
- (1) وسائل: ابواب السّعى، الباب العاشر، ح 4.
- (2) وسائل: أبواب السّعى، الباب العاشر، ح 5.
(الصفحة 13)
العام.
وحيث إنه في باب الوضوء لو بدأ بغسل اليد اليسرى قبل اليمنى لايلغى غسل اليمنى لو تحقق منه، بل يكتفى به ويجب غسل اليسرى بعده ثانياً فقد وقع الإشكال في أن مفاد هذه الطائفة بلحاظ التشبيه المذكور هو طرح خصوص الشوط الأوّل الذي ابتدأ به من المروة دون ما بعده من الأشواط. و لذا ذكر صاحب الجواهر بعد نقل الرّوايتين: مقتضى التشبيه المزبور الاجزاء باحتساب من الصّفا اذا كان قد بدأ بالمروة ثم بالصّفا و لايحتاج إلى إعادة السّعي بالصّفا جديداً، كما صرّح به بعض الناس و إن كان هو أحوط، بل ربما أمكن دعوى ظهور النصوص السّابقة فيه.
أقول: بعد ظهور قوله (عليه السلام) يعيد قبل التشبيه في لزوم إعادة جميع الأجزاء والأشواط لاخصوص ما وقع من الشوط الاول، كظهور قوله (عليه السلام) «فليطرح» في صحاح معاوية بن عمار في لزوم طرح الجميع و وجوب الاستيناف المذكور لابد لصرف هذا الظهور من استظهار كون التشبيه في الذيل تنزيلاً وتشبيهاً في جميع الأحكام والخصوصيات. فانه مع احتمال كون التشبيه في خصوص بطلان الجزء الذي ابتدأ به فقط لايكون في مقابل ظهور قوله «يعيد» ما يدل على الخلاف. و أن المراد هو لزوم اعادة ما وقع باطلاً و هو خصوص ما ابتدأ فعدم لزوم اعادة غسل اليمنى في الوضوء لايستلزم عدم لزوم الإعادة في المقام. فالإنصاف دلالة الروايات باجمعها على لزوم استيناف السعي من رأس في كلا الفرضين.
(الصفحة 14)في وجوب البداة بالصفا والختم بالمروة
مسألة 2 ـ يجب على الأحوط أن يكون الإبتداء بالسّعي من أوّل جزء من الصّفا، فلو صعد إلى بعض الدّرج في الجبل وشرع كفى، ويجب الختم باوّل جزء من المروة، وكفى الصعود إلى بعض الدّرج. ويجوز السّعي ماشياً وراكباً، والأفضل المشي. [1]
[1] فرض هذه المسألة إنّما هو بلحاظ الأزمنة السّابقة التي كان الجبلان ـ الصّفا والمروة ـ مشتملين على الدّرج وكان أصلهما الواقع على الارض متميزاً عنها. وأمّا بالإضافة إلى الزمان الحاضر الذي لا تكون الدرج باقية وكان جزء مهمّ منهما واقعاً في المسعى. والدليل عليه ارتفاع الموجود في الجانبين قبل الوصول إلى الجبلين. فلا مجال لفرض هذه المسألة. فإن الشروع من أيّ جزء من ذلك المكان المرتفع يكون شروعاً من وسط الجبل وهكذا الختم بالموضع المرتفع من المروة. ولأجل ما ذكرنا لا مجال للإشكال في السعي من المراكب النقية المتداولة في هذا اليوم، وإن كان بين المبدأ والمنتهى في محلّها وبين الجبلين أزيد من عشرة أذرع. والوجه فيه دخول جزء من المكان المرتفع في مسيرهما بدأ وختماً. وعلى ما ذكرنا فلا يبقى موقع للاحتياط في زماننا بالإضافة إلى أوّل جزء من الجبل المشاهد والختم به وعلى الروحانيين المتصدين لارشاد الحاج والمعتمر إلى مناسكهما التوجه إلى هذه النكتة وعدم ايقاع المسترشدين في الضيق والكلفة متكيّاً على عنوان الاحتياط والأخذ به.
وكيف كان فبالاضافة إلى تلك الأزمنة المتصفة بما ذكرنا، وقع الإشكال في السعي من جهة الإبتداء والختم. وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في صدر كلامه انه يكفي ان يجعل عقبه ملاصقاً للصفا لوجوب استيعاب المسافة التي بينه وبين المروة والأحوط الجمع في ذلك بين القدمين ثم إذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب حتى
(الصفحة 15)
يحصل الإستيعاب المزبور الذي عليه المدار في الظاهر. قال: وإلاّ فلا دليل على وجوب السّعي منتهياً إلى خصوص قدم الابتداء، بل لعلّ اطلاق الأدلّة يقضي بخلافه. فإنه ليس فيها إلا السعي بينهما الذي يتحقق بذلك والانتهاء إلى ما يحاذي الابتداء وحكي عن الرياض، قوله: لولا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا والأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة والاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصّفا والمروة عرفاً وعادة، لا يخلو عن قوة. كما ذكره بعض المعاصرين ... واختار في ذيل كلامه هذا الذي ذكره البعض.
ثانياً: لظهور كلام الأصحاب في ذلك بل هو أمر ذكر بعض متأخري المتأخرين. قال: بل للّ اطلاق الفتاوى بخلافه.
أقول: إن هنا أموراً لابد من ملاحظتها ورعاية الجمع بينها:
الأوّل: فاللازم رعاية هذا الواجب لعدم وجود واجب آخر.
الثاني: إن السعي بينهما وإن كان يتحقق بالسّعي الخالي عن الإستيعاب، إلاّ ان الظاهر ـ كما في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) ان المدار على الاستيعاب كما في غسل الوجه واليدين من المرفق في الوضوء فإن اللازم إحاطة الغسل لجميع أجزاء الوجه واليدين وفي مثل هذه الموارد لا يكون تسامح من ناحية العرف بوجه بل العرف يراعي لزوم المقدمة العلمية.
الثالث: إنّه لا إشكال في جواز السّعي راكباً وثبت ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان سعى على ناقته. ومن الواضح انه ليس في الضيق من جهة إلصاق العقب أو الأصابع.
الرّابع: إن الصعود على الجبل لا يكون واجباً وإن حكي احتمال وجوبه عن
(الصفحة 16)
الفقيه والهداية والمقنع والمراسم والمقنعة، وعن الدروس إن الأحوط الترقي إلى الدرج وتكفي الرابعة.
وعن التذكرة والمنتهى: إن من أوجب الصعود أوجبه من باب المقدمة، لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا به كغسل جزء من الرأس في الوضوء وصيام جزء من الليل.
ثم قال: وهذا ليس بصحيح لأن الواجبات هنا لا يتفضل بمفضل حسّي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه فلهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس وصيام جزء من الليل، بخلاف المقام، فإنه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقاً للصفا، واستدل للقائل بالوجوب أيضاً بالأمر بصعوده في بعض النصوص وبما روى من أنه (صلى الله عليه وآله) صعده في حجة الوداع التي قال فيها: خذوا عني مناسككم.
والجواب، انّ الأمر للاستحباب وصعوده (صلى الله عليه وآله) لا دلالة له على وجوبه بعد عدم صعوده في غير حجة الوداع وقيامى الدليل على عدم وجوبه وملاحظة هذه الأمور الأربعة رعاية الاستيعاب العرفي الّذي لا محالة يفترق فيه الركوب عن غيره وانّ في الراكب والراجل كلاّ بحسب حاله. وعليه فاللازم الابتداء من الصفا والختم بالمروة ورعاية الاستيعاب لا تقتضي الإلصاق المزبور بوجه. ولكن الأمر سهل بعدما عرفت من عدم تحقق فرض هذه المسألة بالنسبة إلى هذه الأزمنة.