(الصفحة 125)
ورواية عبدالله بن المغيرة، قال: جائنا رجل بمنى، فقال: إنّي لم أدرك الناس بالموقفين جميعاً ـ إلى أن قال ـ فدخل إسحاق بن عمّار على أبي الحسن (عليه السلام) فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر، فقد أدرك الحج.(1)
ورواية يونس ان عبدالله بن مسكان لم يسمع من أبي عبدالله (عليه السلام) إلاّ حديث «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» قال: وكان أصحابنا يقولون من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج. فحدثني محمد بن عمير وأحسبه رواه: إن من أدركه قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحجّ.(2)
ورواية الحسن العطّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى، ولا شيء عليه.(3)
وغير ذلك من الروايات الدالة عليه.
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح6.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح13.
- (3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الرابع والعشرون، ح1.
(الصفحة 126)في أقسام إدراك الوقوفين :
1- ادراك اختياريهما
2- عدم ادراك الاختياري والاضطراري منهما
مسألة 4 ـ قد ظهر ممّا مرّ انّ لوقوف المشعر ثلاثة أوقات: وقتاً إحتياريّاً وهو بين الطلوعين، ووقتين اضطراريين: أحدهما ليلة العيد لمن له عذر، والثاني من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال كذلك. وانّ لوقوف عرفات وقتاً إختياريّاً هو من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي، اضطرارياً هو ليلة العيد للمعذور. فحينئذ بملاحظة إراك أحد الموقفين أو كليهما إختيارياً أو اضطرارياً، فرداً وتركيباً، عمداً أو جهلا أو نسياناً أقسام كثيرة. نذكر ماهو مورد الإبتلاء:
الاوّل: إدراك إختياريهما. فلا إشكال في صحة حجّه من هذه الناحية.
الثاني: عدم إدراك الإختياري والإضطرارى منهما، فلا إشكال في بطلانه عمداً كان أو جهلا أو نسياناً، فيجب عليه الإتيان بعمرة مفردة مع إحرامه الذي للحج ، والأوى قصد العدول إليها، والأحوط لمن كان معه الهدي أن يذبحه، ولو كان عدم الإدراك من غير تقصير لا يجب عليه الحج إلاّ مع حصول شرائط الإستطاعة في القابل، وإن كان عن تقصير يستقر عليه الحج ويجب من قابل، ولو لم يحصل شرائطها. [1]
[1] أشار في المتن إلى أنّ منشأ الأقسام الكثيرة تعدّد الموقف وثبوت الإختياري والإضطراري لكل منهما، بل ثبوت اضطراريين للثاني من جهة وكون الإدراك فرداً وممتزجاً تركيبيّاً من جهة ثانية. وكون المنشأ لعدم الإدراك، التعمد أو الجهل أو
(الصفحة 127)
النسيان من جهة الثالثة، فاللازم التعرض لما وقع التعرض له في المتن مما هو مورد الإبتلاء; فنقول:
أمّا القسم الأوّل: وهو فرض إدراك الإختياري من الوقوفين، فلا إشكال في صحة الحج فيه من هذه الجهة; وإن كان يمكن عروض البطلان له من ناحية ـ مثل الجماع على ما مرّ تفصيله ـ.
وأمّا القسم الثاني: الذي يكون مقابلا للقسم الأوّل وهو ما إذا لم يتحقق إدراك شيء من الوقوفين لا الإختياري ولا الإضطراري. فالكلام فيه يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في بطلان الحجّ والذي يحتاج إلى إقامة الدليل صورة عدم التعمد، لأنّ مقتضى الركنية البطلان مع الإخلال بواحد منهما عمداً، فضلا عن كليهما. والدليل عليه الروايات الكثيرة الدالة عليه، مثل:
صحيحة الحلبي: قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلة فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات، فليقف بالمشعر الحرام; فانّ الله تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، وعليه الحج من قابل.(1)
فإنّ قوله (عليه السلام) في الذيل: «فإن لم يدرك المشعر الحرام» إن كان المراد منه هو عدم
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الثاني والعشرون، ح2.
(الصفحة 128)
إدراكه بكلا وقتيه الإختياري والإضطراري ـ أي: النهاري الذي يكون شروعه من طلوع الشمس ومنتهاه الزوال ـ فيدلّ على البطلان بالمطابقة في المقام وهو عدم الإدراك لعذر. وإن كان المراد منه هو عدم إدراكه بوقته الإختياري الذي وقع التعرض له قبله، فدلالته على البطلان في المقام إنما هي بالأولوية ـ كما لا يخفى ـ وعلى أيّ تدل الرواية على البطلان مع عدم الإدراك لعذر.
وصحيحة عبيدالله وعمران ابني عليّ الحلبيّين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا فاتك المزدلفة، فقد فاتك الحج.(1) والرواية الة بالمنطوق على أن فوت المزدلفة سبب لفوت الحج وعدم إمكان إدراكه. والقدر المتيقن من موردها هو المقام من جهة كون المفروض فيه فوت الوقوف بعرفات أيضاً، ومن جهة كون فوت المزدلفة شاملا لفوت أوقاته الثلاثة بأجمعها، ومن جهة كون الفوت لو لم يكن منحصراً بالفوت لعذر فلا أقل من شموله له وعدم الإختصاص بخصوص الترك عن عمد ـ كما لا يخفى ـ.
وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج. الحديث.(2) فإن المتفاهم العرفي منها انه مع عدم إدراك الجمع والمشعر الحرام لا يكاد يتحقق إدراك الحج بوجه.
وصحيحة ضريس بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج متمتّعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلاّ يوم النحر، فقال: يقيم على إحرامه ويقطع التلبية
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الخامس والعشرون، ح1.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الخامس والعشرون، ح2.
(الصفحة 129)
حتى يدخل مكة، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء. وقال: هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل.(1) قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ: ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب، إلاّ انه قال: يقيم بمكة على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل الحرم، فيطوف بالبيت ويسعى يحلق رأسه ويذبح شاته ـ إلى أن قال: ـ عند إحرامه ان يحلّه حيث حبسه. فإن لم يشترط. فإن عليه الحج والعمرة من قابل.
والظاهر بقرينة تعين الحلق، كون المراد من الأعمال التي يجب عليه الإتيان بها هي أعمال العمرة المفردة، مع أن عمرة التمتع لا تتخلف عن الحج.
وصحيحة حريز، قال: سئل ابو عبدالله (عليه السلام) عن مفرد الحج، فاته الموقفان جميعاً، فقال له إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإن طلعت الشمس يوم النحر، فليس له حجّ ويجعلها عمرة، وعليه الحجّ من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال: يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن شاء أقام بمكّة، وإن شاء أقام بمنى مع النّاس، وإن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شيء.(2)
وصحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس، فقد أدرك الحجّ.(3) وغير ذلك من الروايات الدالة عليه. ومعها لا يبقى مجال للإشكال في البطلان، مع أنه لم ينقل الخلاف فيه عن أحد.
المقام الثاني: في أنه بعد طلان الحج فيما هو المفروض من فوت الموقفين مطلقاً،
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح2 .
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع والعشرون، ح4.
- (3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح9.