(الصفحة 132)
المحقق انه لا يجب عليه الإتيان بالحج في القابل، إذا كان الحج واجباً عليه في هذا العام أو مستحبّاً ولم تستمرّ الإستطاعة إلى العام القابل.
وعن الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب: إنّ من اشترط في حال الإحرام يسقط عنه القضاء، ومع عدم الإشتراط يجب عليه الحج من قابل.
وعن ابني حمزة والبرّاج: إن فائدة الإشتراط جواز التحلّل، فيكون المراد حينئذ ان عليه البقاء على إحرامه إلى أن يأتى بالحج من قابل إن لم يشترط، ومع الإشتراط يجوز له التحلل.
وفي المتن التفصيل بين ما إذا كان عدم الإدراك من غير تقصير. فلا يجب عليه الحج، إلاّ مع حصول شرايط الإستطاعة في القابل; وإن كان عن تقصير يستقر عليه الحج ويجب من قابل، ولو لم يحصل شرائطها.
ثم إنّ مستند الصدوق والشيخ ظاهراً صحيحة ضريس المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله (عليه السلام) بعد الحكم بلزوم الاتيان بأعمال العمرة المفردة بعد فوات الحج، وجواز الإنصراف إلى الأهل الظاهر في تمامية المسألة ودم لزوم الحج من قابل: «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن إشترط، فإن عليه الحج من قابل».(1)وهي خالية عن المناقشة في السند والدلالة، بل لو كان في مقابلها ما يدل على لزوم الحج من قابل مطلقاً أو عدم لزومه كذلك، أو الطائفتان معاً، تصلح هذه الرواية للتقييد في الأوليين وشاهده للجميع بينهما في الصورة الثالثة.
ولكنه ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في مقام الجواب قوله: «ويشكل بعد الإعراض
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح2.
(الصفحة 133)
عن الصحيح المزبور ومنافاته، لما هو المعلوم من غير نصّاً وفتوى بأنه إن كان مستحباً لم يجب القضاء، وإن لم يشترط، وكذا إن لم يستقرّ ولا استمر وجوبه، وإن كان واجباً وجوباً مستقرّاً أو مستمرّاً وجب. وإن اشترط. فالوجه حمله على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط وكان مندوباً أو غير مستقر الوجوب ولا مستمرّه».
قلت: مع ان تأثير الأمر الإستحبابي وهو الإشتراط وجوداً وعدماً في ثبوت تكليف إلزامي مثل الحج المشتمل على مشتقات كثيرة وعدمه في غاية الإستبعاد. فهذا القول غير قابل للقبول.
نعم يرد على تفصيل المحقق في الشرايع، انه لا مستند له ظاهراً سواء فسّرنا الوجوب في كلامه بما فسّره به صاحب الجواهر فيما تقدم، أم قلنا بأن المراد بالوجوب فيه أعم من المستقر والمستمرّ، بل هو شام للوجوب في هذا العام، بمعنى كون إحرامه بنيّة حجة الإسلام، وإن لم يستقر عليه سابقاً ولم يستمرّ لاحقاً.
كما ان تفصيل المتن لا شاهد له، بل شواهد من الروايات على خلافه. ففي صحيحة الحلبي المتقدمة، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلة فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإن الله تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، وعليه الحج من قابل.(1)
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح2.
(الصفحة 134)
فإنّ الرواية ظاهرة في مورد العذر في جميع الصور الثلاثة، ومع ذلك تدل على لزوم الحج من قابل ومقتضى إطلاقها أنه لا فرق في لزومه بين وجود الإستطاعة في العام القابل وعدمها فيه. كما أن مقتضى اطلاق السؤال فيها وترك الإستفصال في الجواب، انه لا فرق بين كون الحج الذي أحرم له وفاته الموقفان واجباً أو مستحبّاً، وفي صورة الوجوب بين كونه مستقراً أو حاصلا في عام الحج. وبهذه الرواية تجاب عن تفصيل المحقق بكلا تفسيريه.
ومثلها رواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعاً والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له، وإن لم يأت جمعاً حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له، فإن شاء أقام بمكّة وإن شاء رجع، وعليه الحج من قابل.(1)
وصحيحة حريز، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل مفرد للحج، فاته الموقفان جميعاً، فقال له إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجّ ويجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل.(2)
وأظهر منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج، قال: وقال أبو عبدالله (عليه السلام) أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل.(3)
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل جاء حاجّاً
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث والعشرون، ح3.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثالث والعشرون، ح1.
- (3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح1.
(الصفحة 135)
ففاته الحجّ ولم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراماً أيام التشريق ولا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ، وعليه الحجّ من قابل، يحرم من حيث أحرم.(1)
وفي هذه الروايات، مضافاً إلى ما استظهرنا منها من الإطلاق بالنسبة الى الحج الذي أحرم له، والتعبير بالفوت في أكثرها الذي يكون القدر المتيقن منه صورة الترك لعذر، نكتة أخرى. وهي انّ الظاهر منها بملاحظة عطف لزوم الحج من قابل على جعل الإحرام عمرة مفردة ثبوت الأوّل في جميع موارد ثبوت الثاني. فكما انه لا يختص التبديل بالعمرة المفردة بصورة وجوب الحج أو كون الترك عن تقصير، كذلك لا يختص لزوم الحج من قابل بإحدى الصورتين، بل يكون مورده جميع موارد التبديل.
نعم هنا رواية رواها داود بن كثير الرّقي، قال: كنت مع أبي عبدالله (عليه السلام) بمنى، إذ دخل عليه رجل، فقال: قدم اليوم قد فاتهم الحج، فقال: نسئل الله العافية، قال: أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلّون «يحلق» وعليهم الحج من قابل إن اصرفوا إلى بلادهم، وإن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكّة، ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه واعتمروا، فليس عليهم الحج من قابل.(2)
والرواية مخدوشة من حيث السند والدلالة معاً.
أمّا من جهة السند، فلوقوع الإختلاف في داود، حيث إنه ضعفه النجاشي وابن
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح3.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب السابع والعشرون، ح5.
(الصفحة 136)
الغضائري. ولكن يظهر من المفيد والعلاّمة قبول روايته ووثاقته.
وأمّا من جهة الدلالة، فلأنّ مفادها لزوم اراقة دم شاة في مورد فوت الحج، وهو موافق لمذهب الشافعي وأكثر العامّة، نعم قال في الدروس: أو جب علي بن بابويه وابنه على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان، العمرة ودم شاة ولاشيء على المفرد سوى العمرة، وقال صاحب الجواهر: لا ريب في ضعفه وإن كان أحوط.
ولانّ مفادها جواز الإحلال بل وجوبه بمجرد فوت الموقفين، وهو مخالف لجميع الروايات المتقدمة والفتاوى، كما انّه لو كان الصادر «يحلق» يكون مفادها لزوم الحلق بمجرده وحصول الإحلال بعده من دون لزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة وهو أيضاً كذلك، كما إن التخيير بين الإتيان بالعمرة المفردة مع إحرام جديد بعد مضيّ أيام التشريق، وبين الحج من قابل مخالف للنص والفتوى. وعليه فاللازم طرح الرواية، وإن حملت على محامل متعددة من القدماء والمتأخرين.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا إنّه لو كنّا نحن والقواعد ولم يكن في البين شيء من الروايات المتقدمة الواردة في المسألة، لكان مقتضى القاعدة عدم لزوم الحج من قابل فيما إذا كان الحج مستحبّاً، أو كان وجوبه في نفس العام الذي وقع فيه فوت الموقفين في الحج ولم يكن وجوبه مستقراً ولا الاستطاعة باقية إلى العام القابل. لأنّ غاية الأمر بطلان الحج بسبب فوت الموقفين، وهو يستلزم التبدل إلى العمرة المفردة، لأنه لا طريق إلى الإحلال غيره. وأمّا لزوم الحج من قابل فلا وجه له، وإن كان الفوت لا لعذر، لأن ابطال العمل الاستحبابي لا يكون موجباً لقضائه والإتيان به ثانياً، وإن كان الإبطال عمداً. نعم لو كان الحج مستقراً عليه، وجب عليه الحج من