(الصفحة 136)
الغضائري. ولكن يظهر من المفيد والعلاّمة قبول روايته ووثاقته.
وأمّا من جهة الدلالة، فلأنّ مفادها لزوم اراقة دم شاة في مورد فوت الحج، وهو موافق لمذهب الشافعي وأكثر العامّة، نعم قال في الدروس: أو جب علي بن بابويه وابنه على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان، العمرة ودم شاة ولاشيء على المفرد سوى العمرة، وقال صاحب الجواهر: لا ريب في ضعفه وإن كان أحوط.
ولانّ مفادها جواز الإحلال بل وجوبه بمجرد فوت الموقفين، وهو مخالف لجميع الروايات المتقدمة والفتاوى، كما انّه لو كان الصادر «يحلق» يكون مفادها لزوم الحلق بمجرده وحصول الإحلال بعده من دون لزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة وهو أيضاً كذلك، كما إن التخيير بين الإتيان بالعمرة المفردة مع إحرام جديد بعد مضيّ أيام التشريق، وبين الحج من قابل مخالف للنص والفتوى. وعليه فاللازم طرح الرواية، وإن حملت على محامل متعددة من القدماء والمتأخرين.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا إنّه لو كنّا نحن والقواعد ولم يكن في البين شيء من الروايات المتقدمة الواردة في المسألة، لكان مقتضى القاعدة عدم لزوم الحج من قابل فيما إذا كان الحج مستحبّاً، أو كان وجوبه في نفس العام الذي وقع فيه فوت الموقفين في الحج ولم يكن وجوبه مستقراً ولا الاستطاعة باقية إلى العام القابل. لأنّ غاية الأمر بطلان الحج بسبب فوت الموقفين، وهو يستلزم التبدل إلى العمرة المفردة، لأنه لا طريق إلى الإحلال غيره. وأمّا لزوم الحج من قابل فلا وجه له، وإن كان الفوت لا لعذر، لأن ابطال العمل الاستحبابي لا يكون موجباً لقضائه والإتيان به ثانياً، وإن كان الإبطال عمداً. نعم لو كان الحج مستقراً عليه، وجب عليه الحج من
(الصفحة 137)3- في اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري
الثالث: درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النّهاري، فإن ترك اختياري المشعر عمداً بطل، وإلاّ صحّ. [1]
قابل. وكذا لو بقيت الإستطاعة إليه ولا يكفي حصولها في هذا العام، لأنّ الفوت يكشف عن عدم الإستطاعة، إلاّ إذا كان الإطال عمداً.
ومنه يظهر وجه التفصيل المذكور في المتن. وإن كان يرد عليه انّ اللازم استثناء صورة الإستقراء أيضاً من مورد عدم وجوب الحج من قابل، بل الإستثناء هذه الصورة أولى من استثناء صورة حصول الإستطاعة في العام القابل ـ كما لا يخفى ـ.
هذا كلّه مع قطع النظر عن الروايات الواردة. وأمّا مع ملاحظتها فاللازم أن يقال ـ بمقتضى الدقة في مفادها والتأمل في مدلولها ـ بلزوم الحج من قابل، في جميع موارد التبدل إلى العمرة المفردة في مورد بطلان الحج. ولا يكون في البين ما يقتضي التقييد والإختصاص. فالأحوط لو لم يكن أقوى ذلك. والإستبعاد في مورد الحج الإستحبابي خصوصاً مع فرض كون الفوت لعذر لا وجه له مع وجود الدليل.
[1]
أمّا البطلان في صورة ترك اختياري المشعر الذي هو الوقوف بين الطلوعين من يوم العيد عمداً، فلأنه مقتضى الركنيّة التي عرفت البحث فيها، وعرفت ان الركن هو المسمى من الوقوف بين الطلوعين، والإخلال به عمداً يوجب البطلان.
وأمّا الصحة في صورة الترك لعذر، ودرك اضطراري المشعر النهاري الذي هو مسمّى الوقوف من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال ـ على ما مرّ ـ فهو المشهور ويدل عليه روايتان، وإن جعلهما في الوسائل ثلاث روايات:
(الصفحة 138)4- في درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة
الرّابع: درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة، فإن ترك اختياري عرفة عمداً بطل، وإلاّ صحّ. [1]
إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ما تقول في رجل افاض من عرفات فأتى منى؟ قال: فليرجع فيأتي جمعاً فيقف بها وإن كان الناس قد أفاضوا من جمع.(1) والظاهر إنّ مورد الترك العمدي خارج عن محطّ السؤال.
ثانيتهما: رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى، فرمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع إلى المشعر فيقف به، ثم يرجع ويرمى الجمرة.(2)
فالحكم في هذا القسم ظاهر.
[1]
أمّا البطلان في صورة ترك اختياري عرفة عمداً، فلأنه مقتضى ركنيّة الوقوف بعرفة ـ على ما مرّ ـ فإن لازمها كون الإخلال العمدي به موجباً للبطلان.
وأمّا الصحة في صورة كون الترك مستنداً إلى العذر فمضافاً إلى أنّها مقتضى القاعدة. لأن المفروض درك اختياري المشعر، وكون ترك الوقوف الاختياري بعرفة ناشئاً عن العذر، وهو يوجب الإنتقال إلى الإضطراري منه. وقد فرض دركه وعدم فوته منه. فلا يكون في البين ما يوجب البطلان، وإلى الروايات الدالة على أنّ من أدرك المشعر أدرك الحج ـ كما مرّ نقل بعضها وسيأتي أيضاً ـ.
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الواحد والعشرون، ح2.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الواحد والعشرون، ح3.
(الصفحة 139)
يدل عليها الروايات الخاصّة الواردة في فرض المسألة، مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال في رجل أدرك الإمام وهو بجمع، فقال: (إن ظنّ ظ) انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها، وإن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع، فقد تمّ حجّه.(1)
وصحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى أيأتي عرفات، الحديث.(2)
ورواية إدريس بن عبد الله، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى عرفات يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: ان ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمع، ثم ليفض مع الناس فقد تم حجّه.(3) وغير ذلك من الروايات الدالة على الصحة في هذا الفرض.
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح1.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح2.
- (3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح3.
(الصفحة 140)5- في درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي
الخامس: درك اختياري عرفة مع إضطراري المشعر الليلي، فإن ترك اختياري المشعر بعذر صحّ، وإلاّ بطل على الأحوط. [1]
[1] الوجه في الصحة في صورة ترك اختياري المشعر بعذر واضح، لأن المفروض إنه أدرك اختياري عرفة وكون ترك اختياري المشعر مستنداً إلى العذر المجوّز له كالطوائف المتقدمة اللاّتي رخّص لهن النفر من المشعر قبل طلوع الفجر ـ كالنساء والخائف والمريض ـ فإنّ الترخيص مرجعه إلى الصحة والتماميّة ـ كما هو ظاهر ـ.
وأمّا إذا كان ترك اختياري المشعر لغير عذر ـ كما إذا نفر من المشعر قبل طلوع الفجر عالماً عامداً ـ فهو مورد المسألة الثانية المتقدمة التي ذكرنا فيها ان المشهور حكموا فيه بالصحة نظراً إلى ما فهموا من رواية مسمع من كون ذيلها ناظراً إلى العالم العامد. وقد مرّ ان مقتضى التحقيق في مفاد الرواية ما استفاد منها صاحب الحدائق من عدم تعريض الرواية لحكم العالم العامد. بوجه وان اللازم فيه الرجوع إلى القاعدة المستفادة من سائر الروايات، من أنّ الركن من الوقوف بالمشعر هو المسمى ممّا بين الطلوعين وان الاخلال العمدي به موجب للبطلان، فالأقوى في هذا