(الصفحة 139)
يدل عليها الروايات الخاصّة الواردة في فرض المسألة، مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال في رجل أدرك الإمام وهو بجمع، فقال: (إن ظنّ ظ) انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها، وإن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع، فقد تمّ حجّه.(1)
وصحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى أيأتي عرفات، الحديث.(2)
ورواية إدريس بن عبد الله، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى عرفات يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: ان ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمع، ثم ليفض مع الناس فقد تم حجّه.(3) وغير ذلك من الروايات الدالة على الصحة في هذا الفرض.
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح1.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح2.
- (3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح3.
(الصفحة 140)5- في درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي
الخامس: درك اختياري عرفة مع إضطراري المشعر الليلي، فإن ترك اختياري المشعر بعذر صحّ، وإلاّ بطل على الأحوط. [1]
[1] الوجه في الصحة في صورة ترك اختياري المشعر بعذر واضح، لأن المفروض إنه أدرك اختياري عرفة وكون ترك اختياري المشعر مستنداً إلى العذر المجوّز له كالطوائف المتقدمة اللاّتي رخّص لهن النفر من المشعر قبل طلوع الفجر ـ كالنساء والخائف والمريض ـ فإنّ الترخيص مرجعه إلى الصحة والتماميّة ـ كما هو ظاهر ـ.
وأمّا إذا كان ترك اختياري المشعر لغير عذر ـ كما إذا نفر من المشعر قبل طلوع الفجر عالماً عامداً ـ فهو مورد المسألة الثانية المتقدمة التي ذكرنا فيها ان المشهور حكموا فيه بالصحة نظراً إلى ما فهموا من رواية مسمع من كون ذيلها ناظراً إلى العالم العامد. وقد مرّ ان مقتضى التحقيق في مفاد الرواية ما استفاد منها صاحب الحدائق من عدم تعريض الرواية لحكم العالم العامد. بوجه وان اللازم فيه الرجوع إلى القاعدة المستفادة من سائر الروايات، من أنّ الركن من الوقوف بالمشعر هو المسمى ممّا بين الطلوعين وان الاخلال العمدي به موجب للبطلان، فالأقوى في هذا
(الصفحة 141)6- في درك اضطراري عرفة و الاضطراري المشعر الليلي
السادس: درك اضطراري عرفة واضطراري المشعر الليلي، فإن كان صاحب عذر وترك اختياري عرفة عن غير عمد، صحّ على الاقوى، وغير المعذور إن ترك اختياري عرفة عمداً بطل حجّه، وإن ترك اختياري المشعر عمداً فكذلك على الأحوط، كما ان الأحوط ذلك في غير العمد أيضاً. [2]
الفرض هو البطلان ـ كما تقدّم ـ.
[2] الوجه في الصحّة في صورة وجود العذر، بالإضافة إلى ترك اختياري عرفة ودرك اضطراريها، وكذا بالإضافة إلى الخروج من المشعر بعد الوقوف فيه في اللّيل والنفر فيه قبل طلوع الفجر هو الترخيس بالنسبة إلى كليهما. فإن مقتضى قيام اضطراري عرفة مقام الاختياري والترخيص في النفر عن المشعر قبل طلوع الفجر بالنسبة إلى المعذورين، الصحّة مع رعاية كلا الامرين. إلاّ أن يناقش بعدم معلومية شمول دائرة الترخيص للمعذورين لمن لم يدرك اختياري عرفة بل أدرك اضطراريهما. فإن القدر المتيقن منها خصوص من أدرك الاختياري من عرفة. ولكن المناقشة مدفوعة بثبوت الإطلاق في أدلة الترخيص وعدم الإختصاص بمن ذكر حتى الصحيحة الحاكية لحجّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع المشتملة على قوله (عليه السلام) «وعجّل ضعفاء بنى هاشم بالليل» فإن العمل وإن كان لا اطلاق له، إلاّ انّه إذا كان الحاكي له هو الإمام (عليه السلام) وكان الغرض من حكايته بيان الحكم يستفاد من الإطلاق وعدم التقييد ثبوته بنحو الإطلاق. وعليه فلا مجال للمناقشة المزبورة بوجه.
وأمّا ترك اختياري المشعر بالنفر منه قبل طلوع الفجر عامداً، فقد عرفت انّ الحكم فيه هو البطلان. خلافاً للمشهور الذي حكموا فيه بالصحّة ـ على ما مرّ ـ ومما ذكرنا ظهر وجه الإحتياط في الحكم بالبطلان في صورة غير العمد أيضاً.
(الصفحة 142)7- في من أدرك الاضطراريين
السابع: درك اضطراري عرفة واضطراري المشعر اليومي. فإن ترك أحد الإختياريين متعمّداً بطل، وإلاّ فلا يبعد الصحة، وإن كان الأحوط الحج من قابل، لو استطاع فيه. [1]
[1]
الفتوى بالبطلان فيما إذا كان ترك أحد الإختياريين مستنداً إلى التعمد مع أنه قد احتاط بالبطلان في ترك اختياري المشعر كذلك، إنّما هو لأجل الفرق بين الموردين، لأنّ مورد الإحتياط المتقدم ما إذا كان المتعمد مدركاً للوقوف بالمشعر بالليل، غاية الأمر النفر منه إلى منى قبل طلوع الفجر كذلك ومورد الفتوى هنا ما إذا كان ترك الوقوف بالمشعر في مجموع الليل وفيما بين الطلوعين عامداً، فإنه في هذا الفرض لا محيص عن الحكم بالبطلان، سواء قلنا بأن الركن هو المسمى مما بين الطلوعين ـ كما اخترناه ـ أو قلنا بأن الركن هو المسمّى منه ومن الوقوف بالليل.
وأمّا إذا لم يكن ترك شيء من الإختياريين عمداً بل كان مستنداً إلى العذر، فقد ورد فيه نص خاص ظاهر في الصحّة والتمامية، وهي صحيحة الحسن العطّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولا شيء عليه.(1)
ثم إنه لو قلنا في القسم الحادي عشر الآتي وهو ما إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري فقط بالصحة وعدم البطلان، فاللازم الحكم بالصحة في هذا القسم بطريق
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الرابع والعشرون، ح1.
(الصفحة 143)
أولى. لأنّ المفروض فيه درك اضطراري عرفة أيضاً. وهذا بخلاف مالو قلنا هناك بالبطلان، فإنه لا يستلزم الحكم بالبطلان هنا بعد ورود رواية خاصة دالة على الصحة ـ كما مرّ ـ فاللازم البحث في ذلك القسم هنا، فنقول:
المشهور هو البطلان بل عن المنتى والمختلف والتنقيح انه موضع وفاق، لكن المحكّي عن ابن الجنيد والصدوق والسيّد والحلبيين وجماعة من المتأخرين كالشهيد الثاني وصاحب المدارك هو العدم. ومنشأ الخلاف وجود الروايات المختلفة في هذا المجال. وهي على طوائف ثلاث:
الطائفة الأولى: ما تدل بظاهرها على انّ عدم إدراك المشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر يوجب البطلان. وهي كثيرة، مثل: ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة وهو قوله (عليه السلام) : وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات ـ يعني الاختياري والاضطراري منه ـ فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ الله تعالى أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل.(1) والظاهر ان المراد من قوله في الذيل «إن لم يدرك المشعر الحرام» هو عدم إدراك المشعر قبل طلوع الشمس بقرينة الجملة السابقة والتفريع، فتدلّ على ان عدم درك الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس يوجب البطلان. والمفروض فيها صورة فوت الوقوف بعرفة مطلقاً.
وصحيحة حريز، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل مفرد للحج، فاته الموقفان جميعاً، فقال له: إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر،
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب الثاني والعشرون، ح2.