(الصفحة 159)
لا أجد فيه خلافاً محقّقاً إلاَّ ما سمعته من الخلاف، ومراده منه تجويزه الرمي بمثل البرام والجواهر مع بُعد حرمتيهما. ويدل على اعتبار هذا الأمر أيضاً بعض النصوص الآتية وفي بعضها استثناء المسجدين: المسجد الحرام ومسجد الخيف. كما عن الأكثر وعن القواعد. والجامع استثناء جميع المساجد.
الثالث: أن يكون بكراً لم يرم به الجمار رمياً صحيحاً، ولو في الأزمنة السابقة والسنين الماضية. وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر بل حكى عن الخلاف والغنية والجواهر الإجماع عليه، ويدل عليه بعض الروايات الآتية:
وامّا النصوص، فمنها:
صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: حصى الجمال إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال وقال: لا ترم الجمار إلاَّ بالحصى.(1)فإن ذيلها ظاهر بل صريح في عدم جواز رمي الجمار إلاَّ بالحصى. وقد عرفت اعتبار امرين في صدق عنوانه. وصدرها دالّ أيضاً على اعتبار أن يكون من الحرم. وأنه لا يجزي الحصى المأخوذ من غير الحرم بوجه. والتعبير بالجمار بصيغة الجمع شامل للجمرة العقبة ومقتضى الإطلاق أنه لا فرق بين ما إذا انفردت بالرمي ـ كما في يوم النحر ـ وبين ما إذا كانت مع الجمرتين الآخرتين ـ كما في اليومين أو الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ـ وعليه فلا إشكال في دلالة الرواية في المقام.
ومنها: رواية حنّان التي رواها الكليني والصدوق مع اختلاف يسير في المتن. ولأجله جعلها في الوسائل روايتين. والظاهر اتحادهما. فقد روى عن أبي
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح 1 .
(الصفحة 160)
عبدالله (عليه السلام) أنه قال: يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلاَّ من المسجد الحرام، ومسجد الخيف.(1) والظاهر أنه لا يجوز التعدي من المسجدين إلى جميع ما في الحرم من المساجد، وإن كان ربما يستدل عليه بأنّ إخراج الحصى من المسجد منهي عنه، وهو يقتضي الفساد.
ولكنه يمنع أوّلاً بأن من أحكام المساجد كراهة الإخراج لا الحرمة، وثانياً أن حرمة الإخراج لا تقتضي حرمة الرمّي إلاَّ بناء على مسألة الضد إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود المنافي له.
ومنها: مرسلة حريز عمن اخبره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال: لاتأخذ من موضعين من خارج الحرم ومن حصى الجمار، ولابأس بأخذه من سائر الحرم.(2) وهي تدل على أن أخذ حصى الجمار من حصى الجمار ومعناه الأخذ من الحصى الذي لا يكون بكراً، بل مستعملاً قبلاً في الرمي غير جايز، وإرسالها منجبر باستناد المشهور إليها.
ثم أن الظاهر استحباب التقاط الحصى من المشعر، لدلالة روايات متعددة عليه وفي بعضها استحباب أخذها من منى بعد المشعر، ولم يوجد من نص عليه.
الرابع: أن تكون الحصيات مباحة، فلا يجوز الرمي بما لا يجوز التصرف فيه، لعدم إذن صاحبه. والوجه فيه أنه حيث يكون الرمّي عبادة ويعتبر فيها قصد القربة. فلا يجتمع ذلك مع المبغوضية المتحققة في الحرام، وهو التصرف في مال الغير، إلاَّ بناءً
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح2.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح3.
(الصفحة 161)في وقت الرّمي
مسألة 1 ـ وقت الرّمي من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبه، ولو نسى جاز إلى يوم الثالث عشر، ولو لم يتذكر إلى بعده، فالأحوط الرمي من قابل ولو بالاستنابة. [1]
على صحة الصلاة في الدار المغصوبة ـ كما اخترناه في محلّه ـ .
[1]
في هذه المسألة أحكام:
الأوّل: وقت الرّمي وهو للمختار وفاقاً للمشهور من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبها ويدل عليه روايات متعددة، مثل:
صحيحة صفوان بن مهران، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: ارم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.(1) ودلالتها على توقيت رمي جمرة العقبة يوم العيد انّما هي بالإطلاق لشمولها لكلتا حالتي رمي جمرة العقبة حالة الإنضمام مع رمي الجمرتين الآخرتين كما في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، بل والثالث عشر في بعض الموارد; وحالة الاستقلال وعدم الانضام وهو رمي يوم النّحر واظهر منه ما رواه الشيخ بالسند المذكور أيضاً عنه (عليه السلام) أنه قال: الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.(2) فانّ الرمي مطلق ومقتضاه الشمول للرمي يوم العيد.
وصحيحة منصوب بن حازم، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.(3)
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 3.
- (2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح3.
- (3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 4.
(الصفحة 162)
وصحيحة زرارة وابن اذنية عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؟ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : يا حكم أرأيت لو أنّهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه: احفظ علينا متاعنا حتى ارجع، أكان يفوته الرّمي؟ هو والله ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.(1)
وصحيحة جميل بن دّراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قلت: له إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس.(2) والمراد من ارتفاع النهار ولو بقرينة الروايات السّابقة هو طلوع الشمس.
لكن يعارض ما ذكر صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس، وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة.(3) ولو لم تحمل هذه الصحيحة على الإستحباب كما عن الشيخ (قدس سره) لكان اللازم طرحها بعد كون الشهرة الفتوائية على وفق المستفيضة المتقدمة، فلا مجال للإشكال في انّ وقت الرمي مطلقاً هو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.
الثاني: حكم ما لو نسى رمي جمرة العقبة يوم النحر إلى غروب الشمس. وفي المتن: جاز إلى يوم الثالث عشر، وذكر المحقق في الشرايع: ولو نسى رمي يوم قضاه من الغد مرتباً يبدأ بالفائت ويعقب الحاضر. وهو يشمل نسيان الرمي في المقام أيضاً. وقد نفى وجدان الخلاف في الجواهر في اصل وجوب القضاء وفي لزوم رعاية الترتيب المزبور. بل الإجماع أو حكايته عليه.
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح1.
- (2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح5.
- (3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني عشر، ح1.
(الصفحة 163)
والدليل الوحيد من الروايات في خصوص المقام، ما رواه الشيخ بإسناده عن عبدالله بن سنان في الصحيح، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى من فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس قال: يرمي إذا اصبح مرّتين: مرّة لما فاته والاخرى ليومه الذي يصبح فيه، وليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة وهي للأمس والاخرى عند زوال الشمس.(1)
ورواه الكليني عن عبدالله بن سنان مثله، إلاّ أنه قال: فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرّتين أحدهما بكرة وهي للأمس والأخرى عند زوال الشمس وهي ليومه. ورواه الصّدوق باسناده عن عبدالله بن سنان مثل رواية الكليني. والعجب انّ صاحب الجواهر (قدس سره) ذكر أن الصدوق والشيخ رويا هذه الرواية في الصحيح عن معاوية بن عمار مع أن صاحب الوسائل نقل عن المشايخ الثلاثة انهم رووها بأسانيدهم عن عبدالله بن سنان ـ كما نقلناه ـ .
وكيف كان فقوله (عليه السلام) في الجواب: يرمي إذا أصبح مرّتين، ظاهر في أصل وجوب القضاء وأن الفائت من رمى جمرة العقبة يوم العيد يجب تداركه في خارج وقته، كما أن ظاهره عدم جواز تقديم القضاء على الغد، بالإتيان به في ليلة اليوم الحادي عشر، وعدم جواز التأخير عن الغد على ما هو المتفاهم منه عرفاً. وأمّا قوله (عليه السلام) : «وليفرّق بينهما...» فهو بظاهره يدل على لزوم أمرين: أحدهما التفريق والإتيان بأحدهما بكرة والآخر عند زوال الشمس والآخر الترتيب بتقديم القضاء على الاداء. وحيث انّ ظاهرهم عدم الخلاف في استحباب الأوّل وعدم وجوبه وإن أشعر بوجود
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح1.