(الصفحة 174)
لسهولته خصوصاً مع ملاحظة الزحام الكثير وحرارة الهواء نوعاً، فعدم التوسل إلى الأسهل قرينة على عدم كفايته وعدم الإجتزاء به.
وأمّا الاستدلال عليه بالروايات الدالة على استحباب التكبير عند رمي كل واحدة من الحصيات نظراً إلى أنه لو جاز الرمى مرة واحدة كفى تكبيرة واحدة، فتعدد التكبيرة يكشف عن تعدد الرمي.
فغريب جدّاً لأن غاية ما يستفاد من ذلك استحباب تعدّد الرمي لتتحقق التكبيرات السبعة. وأمّا الوجوب فلا دلالة له عليه، كما أن الإستدلال عليه باستحباب الرّمي خذفاً، كما في بعض الروايات. وهو أن يضع الحصى على الابهام ويدفعه بظفر السبّابة حيث أنه لا يجتمع ذلك إلاَّ مع تعدد الرّمي كما هو ظاهر، غير تام لأن مقتضاه استحباب التعدد الذي هو الموضوع للكيفية المزبورة ولا دلالة له على الوجوب فالعمدة في الدليل ما ذكرنا.
(الصفحة 175)في موارد الشك في الرمي
مسألة 3 ـ لو شك في أنّها مستعملة أم لا، جاز الرّمي بها، ولو احتمل انّها من غير الحرم وحملت من خارجه لا يعتني به، ولو شك في صدق الحصاة لم يجز الاكتفاء به، ولو شك في عدد الرمي يجب الرّمى حتى يتيقن كونه سبعاً، وكذا لو شك في وصول الحصاة إلى المرّمى يجب الرّمي إلى أن يتيقن به، والظنّ فيما ذكر بحكم الشك، ولو شك بعد الذبح أو الحلق في رمي الجمرة أو عدده لا يعتني به، ولو شك قبلهما بعد الانصرافه في عدد الرّمي فإن كان في النقيصة فالأحوط الرجوع والإتمام ولا يعتني بالشك في الزيادة، ولو شك بعد الفراغ في الصحة بنى عليها بعد حفظ العدد. [1]
[1]
في هذه المسألة فروع كثيرة:
1 ـ الشك في أن الحصاة التي يريد الرمي بها هل تكون مستعملة قبل هذا الرمي في رمي صحيح أم لا؟ والحكم فيه جواز الرّمي بها لجريان استصحاب عدم الاستعمال فيها بعد كون معنى البكارة المعتبرة فيها مجرد عدم الاستعمال في الرّمي الصحيح. فلا يكون الاستصحاب بمثبت اصلاً.
2 ـ الشك في كونها من الحرم أو من خارجه. وقد حملت إليه وفي المتن انّه لا يعتني بهذا الاحتمال. والوجه فيه إن كان هو استصحاب عدم الحمل وعدم الإنتقال، فهو لا يثبت كونها من الحرم وإن كان هو الظاهر فيرد عليه مضافاً إلى منع الصغرى أنه لا دليل عليه حجيّته. فالاحوط الاعتناء ورفع اليد عن الرّمي بها.
3 ـ الشك في صدق عنوان الحصى الذي قد عرفت أنه يعتبر فيه أمران: كونه من
(الصفحة 176)
جنس الحجر وعدم كونه كبيراً أو صغيراً جدّاً. ولا يجوز الإكتفاء به بعد لزوم إحراز العنوان المأخوذ في متعلّق الأمر، وهو عنوان الحصى.
4 ـ الشك في عدد الرمي واحتمال النقص فيه. كما إذا دار الأمر بين الستة والسبعة ومقتضى اصالة عدم الإتيان بالعدد المشكوك، وجوب الرمي حتى يتيقن كونه سبعاً.
5 ـ الشك في وصول الحصى وإصابته الى المرمىّ وعدم إصابته. ومقتضى استصحاب عدم الإصابة وجوب الرمي إلى أن يتيقن بها.
6 ـ لو شك بعد الذبح أو الحلق بعد ملاحظة ترتبهما على رمي جمرة العقبة في أصل رمي الجمرة وجوداً و عدماً أو العدد المعتبر في الرّمي. فلا يعتني بهذا الشك بعد كون الشك بعد التجاوز عن المحلّ والدخول في الغير، لفرض ترتب الذبح والحلق على الرّمي وحدوث الشك بعدهما أو بعد أحديهما.
7 ـ الشك قبل الذبح والحلق بعد الإنصراف عن الرّمي. كما إذا كان في طريق الرجوع وشك في عدد الرمي وإن العدد هل كان ستة أو سبعة ـ مثلاً ـ وقد احتاط في المتن وجوباً بالرجوع إلى الجمرة والاتمام ومنشأه الشك في جريان قاعدة التجاوز هنا. وإن كان الشك بعد الإنصراف لعدم كون الإنصراف مانعاً عن إتمام الرمي ولحوق المشكوك، ومقتضى الإستصحاب عدم الإتيان به.
وفي هذا الفرض لو كان الشك في الزيادة لا يعتني به بعد كون الإستصحاب مقتضياً لعدم الإتيان بالزائد المشكوك. وبعبارة أخرى لا اختلاف بين مفاد الاستصحاب ومقتضى قاعدة التجاوز، بخلاف احتمال النقيصة.
8 ـ الشك بعد الفراغ في الصحة بعد كون العدد محفوظاً. والحكم فيه البناء على
(الصفحة 177)في عدم اعتبار الطهارة في الرمي
مسألة 4 ـ لا يعتبر في الحصى الطهّارة، ولا في الرّامي الطهارة من الحدث أو الخبث. [1]
الصحّة لإصالة الصحة في العمل الصادر قطعاً وشك في صحته وفساده.
[1]
أمّا عدم اعتبار الطهارة في الحصى فلعدم الدّليل عليه، ومقتضى القاعدة العدم ومثله عدم اعتبار الطهارة من الخبث في الرامي وامّا عدم اعتبار الطهارة من الحدث في الرّامي فهو المشهور، وإن اعتبارها إنّما هو على سبيل الإستحباب لكن حكي عن السيّد والمفيد وأبي علي التعبير بعدم الجواز وظاهره عدم الجواز الوضعي الذي يرجع إلى الإعتبار.
والرّوايات الواردة في هذا المجال على طائفتين، بمقتضى ظاهرها:
الطائفة الأولى ما هو دليل للمشهور، مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: ويستحبّ أن ترمى الجمار على طهر.(1)
ورواية أبي غسان حميد بن مسعود، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رمي الجمار على غير طهور، قال: الجمار عندنا مثل الصّفا والمروة حيطان أن طفت بينهما على غير طهور لم يضركّ، والطهّر احبّ إليّ، فلا تدعه وانت قادر عليه.(2)
الطائفة الثانية ما ظاهره الاعتبار، مثل:
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 3 .
- (2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 5 .
(الصفحة 178)
صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجمار، فقال: لا ترم الجمار إلاَّ وأنت على طهر.(1)
ومثلها رواية علي بن الفضل الواسطي المروية في قرب الإسناد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: لا ترم الجمار إلاَّ وأنت طاهر.(2) والظاهر أن المراد من إسناد الطهارة إلى الانسان لا إلى اعضاء جسده هي الطهارة عن الحدث، كما لا يخفى.
هذا والظاهر أن مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين هو حمل الطائفة الثانية على النهي التنزيهي الذي لا يجتمع مع الإعتبار، والحكم بالإستحباب الذي ذهب إليه المشهور، ويجري هذا الاحتمال في كلام المخالفين للمشهور.
ثم أن صاحب الجواهر حكي عن بعض الأصحاب استحباب الغسل عند إرادة الرّمي. وقد ورد في هذا المجال رواية صحيحة، جعلها فيها في الوسائل روايتين مع وضوح عدم التعدد، وإن كان بينهما اختلاف يسير في الذيل.
أحديهما: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الغسل إذا رمى الجمار، فقال: ربما فعلت فأمّا السنّة فلا ولكن من الحرّ والعرق.(3)
ثانيتهما: صحيحة عنه (عليه السلام) قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الغسل إذا أراد أن يرمي، فقال: ربما اغتسلت فأمّا من السنّة فلا.(4)
وصاحب الجواهر بعد المناقشة في الإستحباب لإجل الروايتين، قال: اللهمّ إلا
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 1 .
- (2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 6 .
- (3) وسائل: ابواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 2 .
- (4) وسائل: ابواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 4 .