(الصفحة 18)
يقضى شيئاً من المناسك وهو على غير وضوء؟ قال: لا يصلح إلاّ على وضوء.(1)وظهورها في أنه لا يصلح أن يقضي شيئاً من المناسك على غير وضوء مع وضوح عدم اعتباره في غير الطواف والسعي يقتضى أن لا يؤخذ به وأن لا يكون هو المراد. فلا محالة يكون المراد هو الاستحباب.
ثالثتها: موثقة ابن فضّال. قال: قال ابو الحسن (عليه السلام) لا تطوف ولاتسعى إلاّ بضوء.(2) وهي تامة من حيث الدلالة وظاهرة في النهي عن السعي بدون الوضوء كالطواف بدونه والحمل كما عن الشيخ (قدس سره) على النهي عن مجموع الأمرين لا عن كل واحد بانفراده خلاف الظاهر جدّاً.
وأمّا الطائفة الأخرى، فهي كثيرة جدّاً. مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لابأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف. فإنّ فيه صلاة والوضوء أفضل. وفي نقل آخر والوضوء أفضل على كلّ حال.(3) والتعليل يشعر بأن اعتبار الوضوء في الطواف إنّما هو لأجل لزوم الإتيان بالصلاة بعده وكونها مرتبطة ومتصلة به ويحتمل بعيداً أن يكون المراد هو أن الطواف صلاة كما فيما روي من أن الطواف بالبيت صلاة.
وصحيحة رفاعة بن موسى. قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) اشهد شيئاً من المناسك وأنا على غير وضوء؟ قال: نعم، إلا الطواف بالبيت، فإن فيه صلاة.(4)
- (1) وسائل: ابواب السّعى، الباب الخامس عشر، ح8.
- (2) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح7 .
- (3) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح1 .
- (4) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح2.
(الصفحة 19)
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار، إنه سئل ابا عبدالله (عليه السلام) عن امرأه طافت بين الصفا والمروة وحاضت بينهما. قال: تتم سعيها، وسأله عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى. قال: تسعى.(1)
ورواية يحيى الأزرق. قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام) رجل سعى بين الصفا والمروة فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة، ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء. فقال: لابأس، ولو أتم مناسكه بوضوء لكان أحبّ إلي.(2) والظاهر اعتبار سند الرواية وأن يحيى الأزرق هو يحيى بن عبدالرحمن الأزرق وهو ثقة. وغير ذلك من بعض الروايات الظاهرة في عدم اعتبار الطهارة من الحدث في السعي.
وهذه الطائفة قرينة على أن المراد بقوله: ولا تسعى في الموثقة هي الكراهة بدون الطهارة أو استحبابها.
ولو اغمض عن الجمع الدلالي وفرض ثبوت التعارض يكون الترجيح مع الطائفة اثانية لموافقتها للشهرة الفتوائية المحققة، وهي أوّل المرجحات في باب التعارض ـ على ما ذكرنا غير مرة ـ .
هذا وربما يقال كما قيل بأنّ الأحوط مانعية خصوص الجنابة عن السعي، الرواية عبيد بن زرارة. قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت أسبوعاً طواف الفريضة، ثم سعى بين الصفا والمروة أربعة أشواط، ثم غمزه بطنه فخرج فقضى حاجته ثم غشى أهله. قال: يغتسل ثم يعود ويطوف ثلاثة أشواط ويستغفر ربّه
- (1) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح5.
- (2) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح6.
(الصفحة 20)
ولاشيء عليه.(1) الحديث.
نظراً إلى إن الأمر باغتسال مع عدم كونه واجباً نفسيّاً ظاهر في شرطية الطهارة عن حدث الجنابة في السعي، هذا ولكن الرواية مضافاً إلى خلو نقل التهذيب عن قوله: يغتسل، وإلى معارضتها ببعض الروايات الظاهرة في عدم اعتبار الطهور مطلقاً في السعي تشبيهاً للصفا والمروة بالجماد يكون معرضاً عنها لدى المشهور شهرة عظيمة ـ كما عرفت ـ .
وأمّا عدم اعتبار الطهارة من الخبث، فلم ينقل الخلاف فيه من أحد. نعم حكي عن جماعة التصريح باستحببها، وأورد عليه في الجواهر بأنه لا دليل على الاستحباب أيضاً سوى التعظيم. ومن المعلوم ان عنوان التعظيم أيضاً صدقه غير معلوم لعدم وضوح الخصوصيات وإلاّ فاللازم أن يقال بأن التعظيم في مثل الصوم أيضاً يقتضى ذلك. مع انه من الواضح خلافه ومن العجيب ظهور كلام بعض الأعلام في ذهاب جماعة من الأصحاب إلى اعتبار الطهارة من الخبث، فراجع.
وأمّا عدم اعتبار ستر العورة، فلأجل عدم قيام الدليل على اعتباره في السعي ومجرد وجوبه النفسي في خصوص ما إذا كان معرضاً لنظر الغير لا يستلزم الشرطية بالإضافة إلى السعي التي يكون لازمها رعاية الستر ولو لم يكن هناك ناظر أصلا ـ كما لا يخفى ـ .
- (1) وسائل: ابواب كفارات الاستمتاع، الباب الحاديعشر، ح2 .
(الصفحة 21)في وجوب كون السعي بعد الطواف وصلاته
مسألة 4 ـ يجب أن يكون السعي بعد الطواف وصلاته، فلو قدّمه على الطواف أعاده بعده ولو يكن عن عمد وعلم . [1]
[1] يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأوّل: في اصل اعتبار تأخر السعي ولزوم كونه بعد الطواف وصلاته. وقد حكي في الجواهر اعتراف غير واحد بنفي وجدان الخلاف فيه. قال: بل الاجماع بقسيمه عليه. بل يمكن دعوى القطع به.
أقول: وذلك مضافاً إلى ارتكاز المتشرعة وثبوت السيرة العلمية المستمرة منهم على ذلك يدل عليه النصوص المشتملة على بيان الحج قولا وفعلا القدر المتيقن بطلان السعي إذا اقدمه على الطواف أو صلاته عمداً وعن علم لأنه لا يتصور أقل منه بعد ملاحظة دليل الاعتبار وثبوت شرطية الترتب والتأخر.
المقام الثاني: فيما إذا كان التقديم عن غير عمد أو غير علم بأن وقع جهلا أو نسياناً. والظاهر ثبوت البطلان فيهما أيضاً لصحيحة منصور بن حازم. قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت. قال: يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما.(1)
وقد حكي عن الفاضل والشهيد وغيرهما ان مقتضى اطلاق السؤال في الرواية وترك الاستفصال في الجواب، هو البطلان في الصورتين.
هذا والظاهر ان مورد السؤال في الرواية يختص بالمقام ولا يشمل صورة العمد والعلم، بل كان البطلان في هذه الصورة مفروغ عنه عند السائل وكانت الشبهة الموجبة لسؤال هو احتمال الصحة في صورة الجهل أو النسيان. وعليه فلا يبقى مجال
- (1) وسائل: ابواب الطواف، الباب الثالث والستّون، ح2 .
(الصفحة 22)في وجوب كون السعي من الطريق المتعارف
مسألة 5 ـ يجب أن يكون السعي من الطريق المتعارف. فلا يجوز الإنحراف الفاحش. نعم يجوز من الطبقة الفوقانية أو التحتانية، لو فرض حدوثها بشرط أن يكون بين الجبلين لا فوقهما أو تحتهما. والأحوط اختيار الطريق المتعارف قبل إحداث الطبقتين. [1]
لاحتمال عروض التقييد لإطلاقه بسبب حديث الرفع ولا لرفعه بسبب ذلك الحديث بعد كون الجهل والنسيان دخيلا في ترتب الحكم المذكور في الصحيحة، فتدبر. ثم ان ظاهر المتن في المسألة الرابعة من مسائل الطواف المتقدمة انّ لزوم إعادة السعي في هذا الفرض بعد حمل العبارة عليه إنّما هو بنحو الإحتياط الوجوبي دون الفتوى. حيث إنه قال هناك: لو سعى قبل الطواف فالأحوط إادته بعده. لكن الظاهر ماهنا.
[1] من الظاهر ان المتفاهم العرفي من السّعي الواجب بين الصفا والمروة هو السعي بينهما من الطريق المتعارف. فلا يجوز الانحراف الفاحش يميناً أو يساراً كما إذا ابتدأ بالسعي من الصفا ثم دخل امسجد الحرام ووصل قريباً من الكعبة ثم رجع إلى المسعى وانتهى إلى المروة. فإنه من الواضح عدم جوازه سواء كانت الحركة بنحو الخط المنكسر أو المنحني أو ابتدأ بالسعي من الصفا ثم انحرف عن يمينه إلى الساحة الكبيرة التي احدثت أخير ثم رجع إلى المسعى وانتهى إلى المروة بنحو أحد الخطين المذكورين.
نعم لايجب أن يكون بنحو الخط المستقيم الهندسي الدقيق بل العرفى منه المطابق للسيرة المستمرة العملية من المتشرعة وارتكازهم ايضاً. وأمّا السعي من الطبقة الفوقانية الموجودة بالفعل أو من الطبقة التحتانية لو فرض حدوثها أو الطبقات