(الصفحة 195)
واحد.(1)
فلا إشكال بملاحظة ما ذكر في عدم الاجزاء في حال الاختيار وعدم الضرورة. وأمّا في حال الضرورة فالمشهور هو عدم الإجزاء أيضاً. ولكنه ذكر في الشرايع بعد الحكم بعدم الإجزاء مطلقاً: وقيل يجزي مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد، وظاهره انّ القول المقابل للمشهور هو الحكم بالإجزاء مع وجود الضرورة وكون المشتركين أهل خوان واحد. وذكر بعده في الجواهر أنه لم يعرف القائل بذلك. بل حكي عن جماعة الجواز عند الضرورة مطلقاً، كالشيخ في جملة من كتبه، وعن بعض الكتب الجواز إذا كانوا أهل خوان واحد. والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة. لكن المهمّ منها ثلاث روايات معتبرة:
احديها: صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا ابراهيم (عليه السلام) عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون وليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ قال لا احبّ ذلك إلاَّ من ضرورة.(2) والرواية ظاهرة الدّلالة على جواز الاجتماع في ذبح بقرة واحدة في حج التمتع في حال الضرورة من دون فرق بين القول بأن التعبير في الجواب بقوله: «لا أحبّ» ظاهر في الكراهة المصطلحة، وبين القول بانه ظاهر في المبغوضية التي تجتمع مع الحرمة والكراهة. فإنه على أي تقدير يكون مفاده الجواز في صورة الضرورة، كما أنه من الواضع ثبوت الهدي في حج التمتع مطلقاً، سواء كان واجباً
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح4.
- (2) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 10.
(الصفحة 196)
أومستحبّاً. فإن التمتع المستحب يصير واجباً بالتلبس به والشروع فيه. فيجب فيه الهدي وهذه الصحيحة صالحة للتقييد لإطلاق الروايات المتقدمة الذي كان مقتضاه عدم الفرق بين الإختيار والإضطرار كما لا يخفى.
ثانيتها: صحيحة حمران، قال: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مأة دينار فسأل أبوجعفر (عليه السلام) عن ذلك، فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: كم؟ قال: ما خفّ فهو أفضل. قال: فقلت عن كم تجزى؟ فقال عن سبعين.(1) والظاهر أنّه لاخصوصية لسبعين، بل هي كناية عن الكثرة. وهذه الرواية وإن كان مفادها جواز الإشتراك مطلقاً إلاَّ أن رواية الحلبي المتقدمة المفصلة بين الهدي وغيره تصلح لتقييد هذه الرواية بغير الهدي وإن كان يبعده أن الحمل عليه يوجب الحمل على الافراد النادرة لندرة غير الهدي بمنى ودعوى كون اكثر الحجاج سابقاً كان حجّهم حجّ افراد ممنوعة جدّاً.
ثالثتها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يجزي البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد.(2)
والظاهر أنّها الرواية المعتبرة الوحيدة الدلالة على استثناء ما إذا كان الشركا أهل خوان واحد بعد ظهور أنه لا خصوصية للبقرة بوجه.
وأورد عليه تارة بأن وقوع أبي الحسين النخعي في سند هذه الرواية وفي سند صحيحة الحلبي المتقدمة قرينة على أن مورد هذه الرواية الأضحية لا الهدي
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 11.
- (2) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 5.
(الصفحة 197)
الواجب.
وأخرى بأنه على تقدير الإغماض عن تلك الرواية تكون دلالتها على الإجتزاء حتى في الهدي الواجب بالإطلاق. فتقع المعارضة بينها وبين رواية الحلبي المتقدمة الدالة على عدم اجزاء الاشتراك في الهدي. فان مقتضى اطلاقها أنه لا فرق بين ما إذا كانوا من أهل خوان واحد وعدمه. والنسبة عموم من وجه، ومادة الاجتماع هو الهدي بالإضافة إلى جماعة يكونون أهل خوان واحد. فإن صحيحة معاوية تدل بالاطلاق على الاجتزاء ورواية الحلبي على عدمه، فيتعارضان ويرجع إلى إطلاق الادلة العامّة الدّالة على لزوم الهدي التام الكامل على كل متمتع.
والإيراد الأوّل مدفوع بأن وقوع راو واحد في سند الروايتين لا ينافي التعارض بينهما ولا موجب لجعله قرينة على التصرف في دلالة الأخرى بوجه، بل اللازم ملاحظة نفس الدلالتين كما هو ظاهر.
كما أنّ الإيراد الثاني مدفوع أيضاً، مضافاً إلى أن هذه الرواية للحلبي لا تكون صحيحة، لوقوع محمد بن سنان في سندها على ما مرّ بأن وقوع المعارضة بينها وبين صحيحه معاوية بن عمّار بنحو العموم والخصوص من وجه، والحكم بالتساقط ثم الرجوع إلى الادلة العامّة، انّما هو فيما إذا لم يكن لاحد الدليلين خصوصية موجبة لتعين وروده فيه وشموله له، بحيث لا يمكن إخراج مادة الاجتماع عنه. بخلاف الدليل الآخر الذي يكون شموله لها بمجرد الاطلاق ولا مانع من تقييده وإخراج مورد الاجتماع عنه. ففي مثله يجب تقييد اطلاق أحد الدليلين وابقاء الاخر على حاله والمقام يكون ظاهراً من هذا القبيل. فإن تقييد رواية الحلبي الدالة على عدم الاجزاء
(الصفحة 198)
في الهدي بما إذا لم يكن النفر أهل خوان واحد وأن كان ممكناً لا مانع منه أصلاً. إلاَّ أن تقييد صحيحة معاوية بن عمار الدالة على جواز الإشتراك في بقرة واحدة فيما إذا كان المشتركون أهل خوان واحد بغير الهدي الواجب، بمقتضى رواية الحلبي مشكل بل غير جايز. لأنه لو لم يكن فيه التقييد بمنى لم يكن مانع عن هذا التقييد بوجه. وأمّا مع إضافة عنوان منى يكون مقتضاها ـ حينئذ ـ انّ جواز الاشتراك فيما إذا كانوا أهل خوان واحد يكون مقيّداً بما إذا كان بمنى. مع أنه في الأضحية غير الواجبة لا يكون جواز الاشتراك مقيّداً بمنى بوجه، لوضوح جواز الاشتراك فيها في غير منى مطلقاً، سواء كانوا من أهل خوان واحد أم لم يكونوا. ولا تكون الصحيحة مسوقة لبيان المفهوم حتى يكون الغرض الاصلي منها افادة عدم الجواز في صورة عدم كونهم أهل خوان واحد بل الظاهر أن الغرض الاصلي منها بيان المنطوق وهو الجواز في صورة الاهليّة المذكورة. ومع ملاحظة ما ذكرنا هل يحتمل جواز حمل الضحية على غير الهدي أو أن التقييد بمنى يوجب نصوصيتها في الشمول لمادة الإجتماع؟ فالإنصاف أنه لا مجال لإخراجها عن الصحيحة، فلا وجه للإيراد الثاني.
وعلى تقدير ما ذكر تدل الصحيحة على جواز الاشتراك إذا كانوا أهل خوان واحد. كما أن صحيحة ابن الحجاج المتقدمة دلّت على الجواز في صورة الضرورة. فهل يحكم بلزوم اجتماع القيدين في الحكم بالجواز كما حكاه في الشرايع، أو يحكم بكفاية وجود احدهما في الحكم المذكور وأن كان لا يظهر من الفقهاء بوجه؟ لا يبعد الثاني لما مرّ من وجه.
ثم أنه على تقدير عدم وضوح حكم الضرورة من الأدلة نفياً وإثباتاً يكون
(الصفحة 199)في اعتبار السنّ في الهدي
مسألة 8 ـ يعتبر في الهدي أمور: الأوّل، السنّ، فيعتبر في الابل الدخول في السّنة السادسة، وفي البقر الدخول في الثالثة على الأحوط ، والمعز كالبقر، وفي الضأن الدخول في الثانية على الأحوط . [1]
مقتضى العلم الإجمالي بلزوم الإشتراك أو الصوم الذي هو بدل عن الهدي هو الإحتياط بالجمع بين الأمرين كما افيد في المتن.
[1]
اقول أمّا الابل فالنص والفتوى متوافقان على أنّ أقلّ ما يجزي منه هو الثني وهو الذي له خمس ودخل في السّادسة ولا إشكال ولا خلاف في هذا التفسير في صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول: الثنية من الإبل والثنية من البقر والثنية من المعز والجذعة من الضأن.(1) فلا شبهة في حكم الإبل.
وأمّا البقر فقد ورد في صحيحة العيص الثني منها أيضاً. والمشهور في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل في محكي كشف اللثام نسبته إلى قطعهم انّ الثني من البقر ما له سنة ودخل في الثنية. وعن جماعة بل قيل أنه المعروف في اللغة هو ما دخل في الثالثة. فإن فيها تسقط ثنيتها على ما قيل.
وفي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الإبل والبقر أيّهما أفضل أن يضحي بها؟ قال: ذوات الأرحام. وسألته عن أسنانها، فقال: أمّا البقرة فلا يضرك
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 1.