(الصفحة 251)
مقتضى كلام الشهيدين والمحقق الكركي جواز الإقتصار على مصرف واحد منها ولو أكله أجمع. قال: بل قد يستفاد من نحو عبارة المتن المقابل فيها القول بوجوب الأكل للقول باستحباب التثليث ـ حيث ذكر عقيب الحكم باستحباب التثليث المتقدم نقل عبارته، و قيل يجب الأكل منه و هو الأظهر ـ إن أصل الصرف مستحبّ.
و يؤيد ما ذكرنا من عدم لزوم التثليث خلو الروايات البيانية الحاكية لحجة الوداع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن تثليثه و إنه بعد النحر قد قسّم لحوم البدن ثلاثة أقسام. بل مفادها أكل النبى و اميرالمؤمنين (عليهما السلام) من المرق الذي كان لحمه بضعة من كل إبل من مأة. نعم في ذيل بعضها انه تصدق بجلودها و أمثالها الفقراء و لم يعطها الجزارين.
كما انه يؤيد عدم لزوم الاكل ملاحظة جملة من الروايات الظاهرة فى انه يؤكل من الهدي ولايؤكل من غيره من الكفارة ومثلها، مثل قوله (عليه السلام) في رواية عبدالرحمن: كل هدى من نقصان الحج فلا يأكل منه و كل هدى من تمام الحج فكل.(1)
فإنها ظاهرة في أن الأكل من الهدي الذي يكون من تمام الحج يكون في مقابل عدم جواز الأكل من هدي غيره و رواية جعفر بن بشير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن البدن التي تكون جزاء الايمان و النساء و لغيره يؤكل منها. قال: يؤكل من كل البدن.(2) فإنها ظاهرة في كون السؤال عن الجواز. فالجواب بقوله: «يؤكل» لا دلالة له على أزيد من الجواز. فلو لم يثبت كلام الزمخشرى و نقله عن الجاهلية تكون مثل هذه الروايات ظاهرة في ان المحتمل في ذهن الرواة هو عدم الجواز، فتدبّر.
- (1) وسائل: ابواب الذبح، ح 4 .
- (2)
كل ابواب الذبح، ح 7 .
(الصفحة 252)في الإنتقال إلى الصيام مع عدم الهدى
مسألة 14 ـ لولم يقدر على الهدي، بأن لايكون هو ولاقيمته عنده يجب بدله صوم ثلاثة أيام في الحجّ و سبعة أيام بعد الرجوع إليه. [1]
[1] يدل على الإنتقال إلى البدل و هو صيام عشرة أيام بالكيفية المذكورة في الآية والرواية، قوله تعالى:
(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) و هذا التعبير عين التعبير في آية التيمم:
(و إن لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيّباً) والتعليق على عدم الوجدان ظاهر في أن المعلق عليه هو عدم الوجدان بحسب نظر العرف، فهو الحاكم في الباب. و اللازم مراعاة نظره و تشخيصه. كما إنّ الظاهر ان المراد هو عدم الوجدان حال توجه التكليف و هو فى المقام يوم النحر لا العدم قبله أو بعده. و أمّا قوله تعالى:
(تلك عشرة كاملة) فقد ورد في رواية عبدالله بن سليمان الصيرفي قول أبي عبدالله (عليه السلام) لِسفيان الثورى: ما تقول في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ
(فمن تمتع بالعمرة) الآية. أىّ شيء يعني بالكاملة؟
(الصفحة 253)في ما لو كان قادرا على الاقتراض
مسألة 15 ـ لوكان قادراً على الإقتراض بلامشقة وكلفة وكان له ما بإزاء القرض، أي واجد ما يؤدّى به وقت الأداء وجب الهدي، ولوكان عنده من مؤن السفر زائداً على حاجته و يتمكن من بيعه بلامشقة وجب بيعه لذلك، ولايجب بيع لباسه كائناً ما كان، ولو باع لباسه الزائد وجب شراء الهدى، والاحوط الصوم مع ذلك. [2]
مسألة 16 ـ لايجب عليه الكسب لثمن الهدي، ولو اكتسب وحصل له ثمنه يجب شرائه. [3]
قال: سبعة و ثلاثة. قال: ويختل ذا على ذي حجي إن سبعة و ثلاثة عشرة. قال: فأىّ شيء هو اصلحك الله، قال: الكامل كمالها كمال الأضحية سواء اتيت بها أو أتيت بالأضحية تمامها كمال الاضحية.(1) و احتمل في الجواهر ـ مع قطع النظر عن الرواية ـ أن يكون لرفع احتمال إرادة معنى «أو» من «الواو» و يدل على ثبوت البدل أيضاً الروايات المستفيضة الآتية في المسائل الآتية.
[2] و [3] قد عرفت إن المعيار في عدم الوجدان هو عدمه عند العرف و بحسب نظره. و عليه فإذا لم يكن الهدي و لاقيمته عنده ولكنه يكون قادراً على الإقتراض بلامشقة ولاكلفة لوجود المقرض و عدم كون الاقتراض منافياً لشأنه و هتكاً لحيثية، هذا من ناحية و من ناحية اخرى يكون له ما بازاء القرض و واجداً ما يؤدّى به وقت أداء القرض يجب عليه الهدي، لكونه مصداقاً للواجد بنظرالعرف ولاينطبق عليه عدم الوجدان عندهم.
كما أنه لو كان عنده من مؤن السفر و لوازمه زائداً على حاجته فيه و يتمكن من بيعه بلامشقة ولا إستلزام للهتك المذكور يجب بيعه لذلك. نعم في خصوص اللباس كلام يأتي.
كما أنه لايجب عليه الكسب لثمن الهدي، كما أنه لايجب عليه تحصيل أصل الإستطاعة التي يترتب عليها وجوب الحج. نعم لو اكتسب و حصل له ثمنه يجب شراء الهدي. ولكنه يظهر من المسالك انه مع القدرة على التكسب اللائق بحاله يجب عليه ذلك. ولكنه ذكر في الجواهر أنه لايخفى عليك ما فيه.
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب السادس و الابعون، ح 1 .
(الصفحة 254)
كما انّه لو توقف تحصيل الهدي على بيع ماله الذي في بلده فإن كان بما يساوي ثمن المثل فلا إشكال في وجوبه إذا لم يكن مقروناً بالمشقة و إن كان بدونه فإن كان بمقدار يتضرّر به تضرراً متعدّاً به، فالظاهر أنه غير واجب. و إن كان بغيره يجب البيع لصدق الوجدان عند العرف.
و أمّا اللّباس فقد قال المحقق فى الشرايع: «ولايجب بيع ثياب التجمل فى الهدي، بل يقتصر على الصوم» و في الجواهر: بلاخلاف اجده فيه. بل في المدارك و غيرها إنه مقطوع به في كلام الأصحاب.
و قد استدل فيها له بأمور. عمدتها: فحوى استثنائها فى دين المخلوق الذي هو اهمّ في نظر الشارع من دين الخالق. و بعض الروايات الواردة فى المسألة مثل مرسلة على بن أسباط عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الرّضا (عليه السلام) قال: قلت له رجل تمتع بالعمرة الى الحج و في عيبته ثياب له، أيبيع من ثيابه شيئاً و يشتري هديه؟ قال: لا، هذا يتزين به المؤمن، يصوم ولايأخذ من ثيابه شيئاً.(1)
و صحيحة ابن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه فتسوي بذلك الفضول مأة درهم يكون ممّن يجب عليه؟ فقال: له بدّ من كسر (كرى خ ل) أو نفقة، قلت له: كسر (كرى خ ل) أو ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة. فقال: و أيّ شيء كسوة بمأة درهم؟ هذا ممّن قال الله
(فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج و سبعة إذا رجعتم) .(2) وليس ظهور
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب السابع و الخمسون، ح 2 .
- (2) وسائل: ابواب الذبح، الباب السابع و الخمسون، ح 1 .
(الصفحة 255)
هذه الصحيحة بمثابة ظهور المرسلة و انجبارها باستناد المشهور إليها ظاهر.
ولاخفاء في ظهور المرسلة في مشروعية عدم البيع و ثبوت الإنتقال إلى الصّوم. و أمّا دلالتها على جواز بيع الثياب و اشتراء البدنة فتبتنى على دعوى كون المراد من قول السائل: أيبيع من ثيابه شيئاً و يشترى بدنة؟ هو السؤال عن الوجوب دون الجواز إذ على التقدير الأوّل يكون الجواب ناظراً الى نفى الوجوب. كما أنه على التقدير الثاني يكون مفاد الجواب هو عدم الجواز. كما أن قوله (عليه السلام) فى الجواب «ولا يأخذ من ثيابه شيئاً» سواء كانت الجملة خبرية نافية واقعة فى مقام الانشاء أو إنشائية ناهية يمكن أن يكون المراد منه هو عدم مشروعية الأخذ من الثياب. ويمكن أن يكون المراد منه هو عدم الوجوب، فعلى التقدير الثاني إذا باع لباسه الزائد لاينتقل فرضه إلى الصيام، و على التقدير الأوّل الانتقال باق بحاله و مخالفة التكليف بعدم جواز البيع لايؤثر في العدم. و مما ذكرنا يظهر وجه الإحتياط الوجوبي في المتن بالنسبة إلى الصوم إذا باع لباسه الزائد و اشترى الهدي لتحقق الوجدان بعد البيع، فتدبّر.