(الصفحة 26)
وربما فعلته. وقال: وبما رأيته يؤخر السعي إلى اللّيل.(1)
قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ: ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان مثله إلى قوله: وربما فعلته. إلا انه قال: يقدم مكة حاجاً. ورواه الصدوق بإسناده عن عبدالله بن سنان مثل رواية الكليني وزاد: وفي حديث آخر: يؤخره إلى الليل.
والرواية مشتملة على حكايتين، حكاية القول وحكاية الفصل.
أما الاولى فمفادها جواز تأخير السعي إلى أن يبرد. والظاهر أن الجواز لا يختص بصورة الحرج والتعب والجهد لعدم كون اشتداد الحر ملازما للحرج أولا، وظهور الرواية في جواز التأخير إلى البرودة الظارة في جواز الإتيان به عند حدوث البرودة أو في الوسط أو في الآخر ثانياً، وعليه فلا مجال لتوهم كون مفاد الرواية جواز التأخير في خصوص صورة الحرج.
وأما الثانية فلا يستفاد منها الجواز إلى الليل مطلقاً ولو من دون عذر، لأنها حكايه فعل الإمام (عليه السلام) والفعل لا اطلاق له إلا إذا كان الحاكي له هو إمام آخر، وكان غرضه من حكاية بيان الحكم وفي غير ذلك لا وجه للتمسك بالإطلاق. وعليه فيحتمل أن يكون تأخيره (عليه السلام) في مورد العذر، فلا دلالة للرواية على جواز التأخير إلى الليل مطلقاً، كما ان الزيادة في نقل الصدوق لا تصلح لإثباته، فتدبر.
وصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت فاعيى
- (1) وسائل: أبواب الطواف، الباب الستّون، ح1.
(الصفحة 27)
أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة ؟ قال: نعم(1) .
وصحيحة العلاء بن رزين. قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فاعيى أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد قال: لا(2). وفي الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني: ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب ورواه الصدوق بإسناده عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) .
ويظهر من الجواهر ان الرواية الأخيرة روايتان يكون الراوي في أحدهما هو العلاء وفي الثانية هو محمد بن مسلم. وعليه فما يدل على عدم جواز التأخير إلى الغد روايتان صحيحتان مع أن ظاهر الوسائل كونهما رواية واحدة. ويؤيده ان الراوي عن محمد هو العلاء.
وعليه فيحتمل اتحادهما مع الصحيحة الأولى أيضاً، وإن كان بينهما اختلاف في الجواب من جهة الإثبات والنفي، وكذا في السؤال من جهة اطلاق التأخير وتقييده بالتأخير إلى الغد ، ولكنه مع ذلك لا يكون احتمال الإتحاد منتفياً خصوصاً بعد اتحاد عبارة السؤال ـ لأنه لا مجال لتعدد السؤال، سواء كان السؤال الأول واقعاً قبل الثاني أو بعده. أمّا في الفرض الأوّل فلأنّه بعد السؤال عن تأخير السعي بنحو الإطلاق الشامل للتأخير إلى الغد والجوا بالإثبات كذلك لترك الاستفصال فيه لا مجال للسؤال الثاني أصلا إلا أن يقال بظهور السؤال في التأخير في الجملة وهو لا يشمل التأخير إلى الغد. وأمّا في الفرض الثاني فمقتضى القاعدة تقييد مورد السؤال بغير الغد ـ كما لا يخفى ـ .
- (1) وسائل: ابواب الطواف، الباب الستون، ح2.
- (2) وسائل: ابواب الطواف، الباب الستون، ح3.
(الصفحة 28)في ركنية السّعي
مسألة 8 ـ السّعي عبادة تجب فيه ما يعتبر فيها من القصد وخلوصه، وهو ركن، وحكم تركه عمداً أو سهواً حكم ترك الطواف، كما مرّ. [1]
[1] لا شبهة في كون السعي عبادة عد وقوعه جزء للحج أو العمرة. ولا مجال لأن يكون جزء العباة غير عبادة، وعليه فيعتبر فيه ما يعتبر في العبادة من النيّة والخلوص من الرياء وغيرها فينوى السّعي الذي هو جزء لحجة الاسلام ـ مثلا ـ أو عمرتها امتثالا لأمر الله تعالى. وقد تقدم التحقيق في ذلك في باب الطواف، فراجع. كما أنه قد تقدم معنى الرّكن في باب الحج وأنه مغاير لمعناه في باب الصلاة في أوّل بحث الطواف والذي ينبغي التعرض له هنا أمران:
أحدهما انه بعد وضوح كون الإخلال بالسّعي عالماً عامداً موجباً لبطلان العباده لأنه حدّ اقل آثار الجزئية الثابتة له على ماهو المفروض، اذ لا يجتمع صحة العبادة مع الإخلال بالجزء في صورة العلم والعمد. نعم حكي عن أبي حنيفة ان السّعي واجب غير ركن، فإذا تركه كان عليه دم. وعن أحمد في روايته انه مستحبّ، لكن لا ريب في فسادهما، كما في الجواهر.
وقع الكلام في أنّ الإخلال به عن جهل هل موجب البطلان أم لا؟ سواء كان الجهل عن قصور أو تقصير. والظاهر هو الأوّل، لصحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام) من ترك السّعي متعمّداً فعليه الحج من قابل(1). ومقتضى إطلاق المتعمد الشمول للجاهل، لأن الجاهل أيضاً متعمد وعمله صادر عن قصد وإرادة،
- (1) وسائل: ابواب السّعي، الباب السابع، ح2.
(الصفحة 29)
وإن كان المنشأ هو الجهل، من دون فرق بين قسميه، فالمتعمد في مقابل الناسي وغير الملتفت، لا في مقابل الجاهل. وبذلك يتحقق معنى ركنية السعي وإن الاخلال به عالماً أو جاهلا إذا كان عن قصد وإرادة موجب بطلان الحج ولزومه من قابل.
ثانيهما فرض النسيان. قال المحقق في الشرايع: « ولو كان ناسياً وجب عليه اإتيان به فإن خرج عاد ليأتي به فإن تعذّر عليه استناب فيه» وفي الجواهر بعد العبارة «بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، بل عن الغنية الإجماع عليه» .
وعمدة المستند الروايات الواردة في الباب وهي:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له رجل نسى السّعي بين الصفا والمروة، قال: يعيد السّعي. قلت: فانّه خرج (فاته ذلك حتى خرج) قال: يرجع فيعيد السّعي إن هذا ليس كرمي الجمار، إن الرمي سنّة والسعي بين الصّفا والمروة فريضة، الحديث.(1) ومن الواضح ان المراد بالإعادة هو أصل الإتيان لفرض تركه للنسيان.
وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل نسى أن يطوف بين الصفا والمروة، قال: يطاف عنه(2). ورواية زيد الشّحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله، فقال: يطاف عنه.(3)
وأنت خبير بأنّ ظاهر الرواية الأولى تعين الإتيان بالسّعي المنسي مباشرة
- (1) وسائل: ابواب السعي، الباب الثامن، ح1 .
- (2) وسائل: ابواب السعي، الباب الثامن، ح3.
- (3) وسائل: ابواب السعي الباب الثامن ح2.
(الصفحة 30)
وبنفسه وظاهر الأخيرتين تعين الإستنابة والسعي عنه وهما متنافيان.
لكن في الجواهر بعد نقل الرّوايات: « المتجه الجمع بينها ولو بملاحظة الفتاوى والاجماع المحكي وقاعدة المباشرة في بعض الأفراد ونفي الحرج وقبوله للنيابة في آخر بما عرفت » والباء في قوله بما عرفت متعلقة بالجمع. ومراده من الموصول ما تقدم من عبارة الشرايع التي نفى وجدان الخلاف فيه.
ويظهر منه ان الجمع بين الروايات بما ذكر يحتاج إلى قرائن خارجية، وإنه بدونها لا يتحقق الجمع بالنحو المذكور. ولأجله ذهب الرازقي في محكي المستند إلى أن اللازم الجمع بينها بالحمل على التخيير الذي مرجعه إلى تخيير الناسي للسّعي بين أن يرجع فيسعى بنفسه وبين أن يستنيب فيتحقق من النائب.
هذا ولكن تصدى بعض الأعلام (قدس سره) للجمع بينها بنحو ينطبق على المشهور أوّلا، ولا يكون خارجاً عن الجمع الدلالي العرفي ثانياً. وذكر لتقربه أمرين:
الأمر الأوّل: إنّ الوجوب قد يكون وجوباً شرطيّاً أو شطريّاً، كالإستقبال والتشهد بالإضافة إلى الصلاة، والأمر به يكون إرشاداً إلى الشرطيّة أو الجزئيّة. وكذلك النهي عن إتيان شيء في الصلاة يكون إرشاداً إلى المانعيّة. مثل النهي عن الإتيان بها في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ومقتضى هذه الأوامر والنواهي الشرطية المطلقة والجزئية كذلك، والمانعية أيضاً كذلك، من دون فرق بين صورتي العلم والجهل، وكذا الإلتفات وعدمه. ولأجله لكان مقتضى القاعدة احكم بالفساد في جميع موارد الفعل، لكن حديث «لا تعاد» المعروف في باب الصلاة اقتضى الصحة في غير الخمسة المستثناة فيه.