(الصفحة 269)
أشهر الحج(1).
ومنها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في النهي عن صيام الثلاثة في أيام التشريق أو مطلق الصيام في تلك الأيام. لكن في مقابلها روايتان:
إحديهما: موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه، إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق، فإن ذلك جائز له(2).
ثانيتهما: رواية عبدالله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) ان علياً (عليه السلام) كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج، وهي قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فليصم أيام التشريق فقد أُذن له(3).
والتعليل في الروايتين يوجب صرف ظهور قوله «فليصمها ...» في وجوب الصوم في خصوص أيام التشريق، وحمله على مجرد الجواز والمشروعية مع أن الأمر في مقام توهم الخطر، فلا ظهور له في الوجوب.
هذا والروايتان مضافاً إلى ضعف سند الثانية بجعفر بن محمد الراوي عن عبدالله لجهالته، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) إنهما شاذان مخالفان لسائر الأخبار ولا يجوز المصير إليهما مع أنهما موافقان لمذهب بعض العامة، فيحتمل الحمل على التقية، وإن كان يبعده النقل عن علي (عليه السلام) خصوصاً مع التعبير بــ «كان» الظاهر في تكرر صدور هذا القول منه (عليه السلام) هذا بالإضافة إلى صيام الثلاثة في أيام التشريق.
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح4.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح5.
- (3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح6 .
(الصفحة 270)في مبدأ الصيام بعد الأضحى
مسألة 19 ـ الأحوط الأولى لمن صام الثامن والتاسع صوم ثلاثة أيام متوالية بعد الرجوع من منى، وكان أولها يوم النفر. أي: يوم الثالث عشر، وينوي أن يكون ثلاثة من الخمسة للصوم الواجب . [1]
وأما عدم جواز الصوم في أيام التشريق مطلقاً لمن كان بمنى من دون فرق بين الآتي بالحج وغيره، فيدل عليه حديث ابن ورقاء المذكور في جملة من الروايات المتقدمة.
ومنها صحيحة ابن الحجاج، فإن قوله (صلى الله عليه وآله) «لا يصومنّ أحد» ظاهر في عمومية النهي، ولا مجال لتوهم كون الخطاب منحصراً بالمتمتع الذي لم يكن واجد الهدي ولم يصم الثلاثة قبل الأضحى ضرورة قلة مصاديقه، بالإضافة إلى الجمع الكثير الذي كانوا معه (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع، مع روايات اُخرى دالة على النهي بنحو الإطلاق. ولعله يأتي بعضها، إن شاء الله تعالى.
[1]
لا شبهة في اقتضاء الاحتياط الاستحبابي لصيام خمسة أيام لمن لم يدرك صيام الثلاثة قبل الأضحى، والنية بالنحو المذكور في المتن.
إنما الاشكال والخلاف في مبدأ الصوم بعد الأضحى بعد وضوح أنه لا يجوز أن يكون المبدأ هو الحادي عشر، فالمشهور والمعروف أنه يصوم الثلاثة الأيام بعد التشريق ولا يصوم شيئاً منها في أيامه. وعن بعضهم أنه يصوم يوم النفر وهو اليوم الثاني عشر الذي هو النفر الأعظم، ويتحقق النفر فيه من أكثر الحجاج، أو الثالث عشر الذي هو النفر الثاني الذي ينفر فيه من كان يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر
(الصفحة 271)
والرمي في يومه.
ومال إلى هذا القول صاحب الجواهر، وقد ذكر في آخر كلامه: «إن الإنصاف مع ذلك عدم إمكان إنكار ظهور النصوص في إرادة صوم يوم النفر الذي هو اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر».
ويدل على مرامه روايات، مثل:
صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية وليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائماً وهو يوم النفر ويصوم يومين بعده(1).
وطرح الرواية باعتبار النهي عن صوم يوم التروية ويوم عرفة ـ كما اخترناه ـ لا ينافي لزوم العمل بها بالإضافة إلى ذيلها الذي هو محل البحث في المقام.
وصحيحة حماد التي جعلت في الوسائل والكتب الفقهية روايتين، مع وضوح الوحدة، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قال علي (عليه السلام) صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة ـ يعني ليلة النفر ـ ويصبح صائماً ويومين بعده وسبعة إذا رجع(2).
هذا ولكن يعارضها روايات، مثل:
صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هدياً، قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق، ولكن يقيم بمكة حتى
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني والخمسون، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث والخمسون، ح3.
(الصفحة 272)
يصومها، وسبعة إذا رجع إلى أهله. وذكر حديث بديل بن ورقا(1).
وصحيحة ابن مسكان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تمتع ولم يجد هدياً، قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له: أفيها أيام التشريق؟ قال: لا ولكن يقيم بمكة حتى يصومها، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا(2).
ورواية إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: يصوم المتمتع قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فإن فاته ذلك ولم يكن عنده دم، صام إذا انقضت أيام التشريق يتسحر ليلة الحصبة، ثم يصبح صائماً(3).
والترجيح مع هذه الطائفة إما لأجل موافقتها للشهرة الفتوائية، وهي أول المرجحات في الخبرين المتعارضين، وإما لأجل أنه بعد التعارض والتساقط يرجع إلى حديث بديل الذي هو الأصل في هذه المسألة.
والشاهد على دلالته على النهي عن صوم شيء من الأيام الثلاثة في شيء من أيام التشريق ولزوم كون الصوم واقعاً بعدها، صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج المتقدمة(4) حيث إنه قد جمع فيها بين الصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك، وبين عدم جواز صوم أيام التشريق، مستدلا بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بديلا ينادي أن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومنّ أحد. فإنه لا يكاد يتم إلاّ مع كون المراد بالحصبة هو
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح2.
- (3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون، ح20.
- (4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح4.
(الصفحة 273)
اليوم الذي انقضى قبله أيام التشريق.
ويرد على صاحب الجواهر ان جواز الصوم يوم النفر لا يجتمع مع النهي عن صوم أيام التشريق. ودعوى كون المحرم صوم أيام التشريق لمن أقام بمنى لا مطلقاً ـ كما احتملها صاحب الجواهر ـ مدفوعة بأن لازم ذلك لغوية النهي، لأنه لا يتحقق مورد الإقامة بمنى أصلا. لأن الحجاج بين من ينفر يوم الثاني عشر ـ كما هو الغالب ـ وبين من ينفر يوم الثالث عشر ـ كما عليه جماعة منهم ـ فلا يتحقق مورد الإقامة بمنى حتى يصح النهي عن صيام أيام التشريق، وهل هو إلاّ كالنهي عن صيام يوم الحادي عشر بعرفات، فإن هذا النهي لغو جداً، والإقامة يوم الحادي عشر بمنى لا تصير وجهاً إلاّ للنهي عن صيام خصوص ذلك اليوم بمنى، لا النهي عن صيام ثلاثة أيام التشريق به ـ كما هو ظاهر ـ .
ثم إن المحكي عن الشيخ (قدس سره) في الخلاف ان الأصحاب قالوا: يصبح ليلة الحصبة صائماً وهي بعد انقضاء أيام التشريق. وعنه في المبسوط انه جعل ليلة التحصيب ليلة الرابع. وقد استظهر أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر. ولا شاهد عليه ـ خصوصاً بعد تصريح بعض اللغويين بأنه يوم الرابع عشر ـ وقد احتمل في كشف اللثام أن يكون يفسر يوم الحصبة بيوم النفر وليلتها بليلة النفر في صحيحتي حماد والعيص المتقدمتين من الراوي، كما أنه احتمل أن يكون المراد بليلة الحصبة هي الليلة الواقعة بعدها لا قبلها، كما في ليلة الخميس، وأن يكون المراد من صبيحة الحصبة في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج هي اليوم الذي بعدها.
ثم إنه ذكر في مجمع البحرين في معنى لغة الحصبة: «إنّ الحصباء صغار الحصى، وفي