(الصفحة 273)
اليوم الذي انقضى قبله أيام التشريق.
ويرد على صاحب الجواهر ان جواز الصوم يوم النفر لا يجتمع مع النهي عن صوم أيام التشريق. ودعوى كون المحرم صوم أيام التشريق لمن أقام بمنى لا مطلقاً ـ كما احتملها صاحب الجواهر ـ مدفوعة بأن لازم ذلك لغوية النهي، لأنه لا يتحقق مورد الإقامة بمنى أصلا. لأن الحجاج بين من ينفر يوم الثاني عشر ـ كما هو الغالب ـ وبين من ينفر يوم الثالث عشر ـ كما عليه جماعة منهم ـ فلا يتحقق مورد الإقامة بمنى حتى يصح النهي عن صيام أيام التشريق، وهل هو إلاّ كالنهي عن صيام يوم الحادي عشر بعرفات، فإن هذا النهي لغو جداً، والإقامة يوم الحادي عشر بمنى لا تصير وجهاً إلاّ للنهي عن صيام خصوص ذلك اليوم بمنى، لا النهي عن صيام ثلاثة أيام التشريق به ـ كما هو ظاهر ـ .
ثم إن المحكي عن الشيخ (قدس سره) في الخلاف ان الأصحاب قالوا: يصبح ليلة الحصبة صائماً وهي بعد انقضاء أيام التشريق. وعنه في المبسوط انه جعل ليلة التحصيب ليلة الرابع. وقد استظهر أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر. ولا شاهد عليه ـ خصوصاً بعد تصريح بعض اللغويين بأنه يوم الرابع عشر ـ وقد احتمل في كشف اللثام أن يكون يفسر يوم الحصبة بيوم النفر وليلتها بليلة النفر في صحيحتي حماد والعيص المتقدمتين من الراوي، كما أنه احتمل أن يكون المراد بليلة الحصبة هي الليلة الواقعة بعدها لا قبلها، كما في ليلة الخميس، وأن يكون المراد من صبيحة الحصبة في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج هي اليوم الذي بعدها.
ثم إنه ذكر في مجمع البحرين في معنى لغة الحصبة: «إنّ الحصباء صغار الحصى، وفي
(الصفحة 274)
حديث قوم لوط فأوحى الله إلى السماء أن أحصبيهم ـ أي: أرميهم بالحصباء ـ وواحدها حصبة كقصبة. وفي الحديث: فرقد رقدة بالمحصّب، و هو بضم الميم وتشديد الصاد موضع الجماد عند أهل اللغة، والمراد به هنا ـ كما نصّ عليه بعض شراح الحديث ـ الأبطح، إذ المحصب يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حصاءه، والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، وهذا الموضع تارة يسمى بالأبطح واُخرى بالمحصب، ـ إلى أن قال: ـ وليس المراد بالمحصب موضع الجمار بمنى، وذلك لأن السنّة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار وأول وقته بعد الزوال، وليس له أن يلبث حتى يمسي، وقد صلى به النبي المغرب والعشاء الآخرة، وقد رقد به رقدة، فعلمنا أن المراد من المحصب ما ذكرناه» الخ.
بقي الكلام في رواية رفاعة المشتملة على تفسير الحصبة بيوم نفره، على ما رواه الكليني عنه بسند ضعيف وغير المشتملة على التفسير المذكور على ما رواه الشيخ عنه بسند صحيح وحيث إنها مشتملة على التفصيل الذي لم يلتزم به أحد من الأصحاب، فلا مجال للأخذ بها مع أن التفسير المذكور واقع في نقل الكليني، وهو ضعيف.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا، ان مبدأ الصيام إنما هو بعد أيام التشريق ومقتضى الاحتياط أيضاً ذلك.
(الصفحة 275)في ما لو لم يصم يوم الثامن أيضاً
مسألة 20 ـ لو لم يصم يوم الثامن أيضاً أخّر الصيام إلى بعد الرجوع من منى فصام ثلاثة متوالية، ويجوز لمن لم يصم الثامن، الصوم في ذي الحجة وهو موسع له إلى آخره، وإن كان الأحوط المبادرة إليه بعد أيام التشريق . [1]
[1]
في هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: ما لو لم يصم يوم الثامن أيضاً كالسابع، سواء كان المنشأ هو عدم التمكن، أو كان هو العمد والاختيار. فلا يجزيه الشروع من يوم عرفة وتأخير اليومين إلى بعد أيام التشريق، بل يتعين تأخير الثلاثة بأجمعها. والوجه فيه انك عرفت أن القاعدة الأولية هي لزوم رعاية التوالي والتتابع في جميع الأيام الثلاثة خرج من هذه القاعدة مورد واحد، وهو ما لو صام الثامن والتاسع في خصوص صورة عدم التمكن من صوم السابع.
ومن المحتمل قوياً أن يكون للمورد خصوصية من جهة اليومين المخصوصين أولا، ومن جهة التتابع بين اليومين ثانياً، وكلتا الجهتين مفقودتان في المقام، فلا يمكن أن يصار إليه إلاّ مع الدليل، وهو غير موجود. وعليه فالظاهر لزوم التأخير أولا ورعاية التتابع في جميع الأيام ثانياً.
الفرع الثاني: أنه مع ترك الصيام قبل الأضحى يجوز التأخير بنحو الواجب الموسع إلى آخر ذي الحجة.
والوجه فيه ان ظاهر الروايات الدالة على أن من فاته صيام الثلاثة قبل
(الصفحة 276)في جواز صوم الثلاثة في السفر
مسألة 21 ـ يجوز صوم الثلاثة في السفر. ولا يجب قصد الإقامة في مكة للصيام، بل مع عدم المهلة للبقاء في مكة جاز الصوم في الطريق، ولو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجة يجب الهدي يذبحه بنفسه أو نائبه في منى ولا يفيده الصوم . [1]
الأضحى يصوم يوم الحصبة ويومين بعده، وإن كان لزوم المبادرة بعد الرجوع من منى، إلاّ أن هناك رواية صحيحة دالة على جواز التأخير في صورة المشية. وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال: من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر، فلا بأس بذلك(1).
والجمع بينها وبين روايات الحصبة يقتضي الحمل على الاستحباب. كالجمع بين الروايات الظاهرة في تعين يوم قبل التروية ويومها ويوم عرفة، وبين ما دل على الجواز عند شروع ذي الحجة على ما عرفت. ومنه يظهر أن الاحتياط في المتن استحبابي لا وجوبي لمسبوقيته بالفتوى بالتوسعة.
[1]
تشتمل هذه المسألة على بيان حكمين:
الأول: جواز صوم الثلاثة في السفر، وعدم وجوب قصد الإقامة في مكة للصيّام. ويدل عليه صحيحة رفاعة المشتملة على سؤاله عن أبي عبدالله (عليه السلام) بقول: قلت يصوم وهو مسافر؟ قال: نعم أليس هو يوم عرفة مسافراً؟ إنّا أهل بيت نقول
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون، ح13.
(الصفحة 277)في وجوب صيام سبعة أيام
مسألة 23 ـ يجب صوم سبعة أيام بعد الرجوع من سفر الحج، والأحوط كونها متوالية، ولا يجوز صيامها في مكة ولا في الطريق، نعم لو كان بناءه الإقامة في مكة جاز صيامها فيها بعد شهر من يوم القصد للجوار والاقامة، بل جاز صيامها إذا مضى من يوم القصد مدة لو رجع وصل إلى وطنه، ولو أقام في غير مكة من سائر البلاد أو في الطريق لا يجوز صيامها ولو مضى المقدار المتقدم، نعم لا يجب أن يكون الصيام في بلده، فلو رجع إلى بلده جاز له قصد الإقامة في مكان آخر لصيامها . [1]
ذلك لقول الله ـ عزوجل ـ فصيام ثلاثة أيام في الحج يقول في ذي الحجة(1). بل قد عرفت بعض الروايات الدالة على أنه إن لم يقم عليه جماله في مكة يجوز إيقاعها في الطريق. فلا إشكال في هذا الحكم.
الثاني: أنه لو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجة ماذا حكمه؟ وسيأتي في المسألة الخامسة والعشرين، إن شاء الله تعالى.
[1]
لا شبهة في أصل وجوب صوم سبعة أيام بعد الثلاثة لمن كان عاجزاً عن الهدي وغير واجد له. والظاهر بمقتضى الآية الدالة على أن الوجوب بعد الرجوع، إنّ قيد الرجوع لا يكون قيداً ترخيصياً راجعاً إلى جواز تأخير صيام السبعة إلى بعد الرجوع. بل يكون قيداً دخيلا في الصحة ـ كظرفية الحج ـ بالإضافة إلى الثلاثة،
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون، ح1.