(الصفحة 280)
سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة «الأيام» لا يفرق بينها، والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعاً(1). وفي السند محمد بن أحمد العلوي وهو مجهول الحال. لكن العلامة وصف بعض الروايات الواقع هو في سندها بالصحة. وتكفي هذه الشهادة بعد عدم ثبوت القدح بالإضافة إليه.
وأما الدلالة، فظاهر السؤال هو السؤال عن جواز التفريق في الثلاثة مستقلا وفي السبعة كذلك. وإن كان قوله (عليه السلام) في ذيل الجواب: «ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعاً» ربما يؤيد كون السؤال عن الجميع، فتدبر.
والجواب ظاهر في اعتبار التوالي وعدم جواز التفريق في كل من الثلاثة والسبعة مستقلا. لكن مقتضى الجمع الدلالي بينها وبين الموثقة هو الحمل على الكراهة، ويؤيده تكرار النهي عن التفريق في الثلاثة والسبعة مع عدم حاجة إليه ظاهراً، خصوصاً مع الجمع بينهما في السؤال، فالتكرار لعله بملاحظة الاختلاف بينهما في عدم الجواز وثبوت الكراهة.
وقد ظهر أنه لا مجال للفتوى باعتبار التوالي ولا للاحتياط الوجوبي الذي هو ظاهر المتن.
الأمر الثاني: أنه لا يجوز صيام السبعة في مكة ولا في الطريق، لما مر في صدر المسألة، من ظهور الآية في كون قيد الرجوع في السبعة إنما هو كقيد الحج في الثلاثة، ولازمه هو التعين.
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس والخمسون، ح2.
(الصفحة 281)
وقد استثنى منه مورد واحد، وهو ما لو كان بناءه على الإقامة في مكة والمجاورة فيها بعد الفراغ من تمامية الحج وقضاء المناسك. فإنه لا يجوز له الصيام المذكور في مكة بعد مضي شهر أو مقدار لو رجع لوصل إلى أهله ووطنه من حين قصد الإقامة والمجاورة. وفي محكي الذخيرة: لا أعلم فيه خلافاً.
والأصل في ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كان متمتعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله، وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهراً ثم صام بعده(1).
وفي صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر في المقيم إذا صام ثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده، فإذا ظن انهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام(2).
وليس المراد هو العلم والظن بدخول أهل بلده بحيث كان للدخول موضوعية. بل المراد هو انتظار هذا المقدار ولو لم يصلوا إلى البلد لأجل مانع. والصحيحة الاُولى الدالة على كفاية مضي شهر أيضاً تقيد إطلاق هذه الرواية.
ومثلها صحيحة أبي بصير المضمرة، قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم «بمكة» سنة. قال: فلينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام(3).
- (1) الوسائل: أورد صدره في الباب السابع والأربعين، ح4; وذيله في الباب الخمسين، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخمسون، ح1.
- (3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخمسون، ح3.
(الصفحة 282)
وهذه الرواية تدل على أنه لا يعتبر في الإقامة قصد الإقامة الدائمية، بل يكفي قصد إقامة سنة ـ مثلا ـ .
ومقتضى الجمع بين هذه الروايات اعتبار مضي شهر أو مقدار لو رجع لوصل إلى أهله. وظاهر ذلك كفاية مضي أقل الزمانين وعدم لزوم انتظار أكثرهما.
نعم مقتضى ما رواه الصدوق في المقنع عن معاوية، انه سأل الصادق (عليه السلام) عن السبعة الأيام إذا أراد المقام فقال: يصومها إذا مضت أيام التشريق(1). هي كفاية مضي أيام التشريق. لكن اللازم تقييدها بالروايات المتقدمة ـ كما هو ظاهر ـ .
والظاهر أن المبدأ هو قصد الإقامة والمجاورة. لأن الترخيص إنما هو بالاضافة إلى المقيم، وهو لا يتحقق بدون القصد والإرادة، كما أن الظاهر اختصاص الحكم بمكة ولا يشمل قصد الإقامة بالمدينة أيضاً، فضلا عن غيرها. وإطلاق «المقام» في رواية الصدوق منصرف في نفسه إلى المقام بمكة، فضلا عن دلالة الروايات المتقدمة عليه.
الأمر الثالث: قد مرّ أنه لا يجوز صيام السبعة في سائر البلاد في غير مكة ولا في الطريق. فاعلم أنه لا يجب أن يكون الصيام في بلده بعد تحقق الرجوع إليه خارجاً، بل يجوز له بعد الرجوع أن يسافر إلى بلد آخر ويصوم فيه بشرط قصد إقامة عشرة أيام فيه.
والوجه فيه وإن كان ظاهر الآية لعله خلافه، وأن الواجب هو وقوع صيام السبعة في بلده، دلالة بعض الروايات عليه، مثل موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة
- (1)
مستدرك الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس والأربعون، ح3.
(الصفحة 283)في من قصد الإقامة في مكة في هذه الأيام
مسألة 24 ـ من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة، فالظاهر جواز صيام السبعة بعد مضي مقدار الوصول معها إلى وطنه. وإن كان الأحوط خلافه. لكن لا يترك الاحتياط بعدم الجمع بين الثلاثة والسبعة . [1]
الظاهرة في جواز الصوم ببغداد بعد السفر إليه من الكوفة التي هي محله ووطنه ظاهراً. ولأجله صار بصدد السؤال والاستفهام عن الإمام (عليه السلام) فلا إشكال في هذه الجهة أيضاً.
نعم قد عرفت الفرق بين صيام الثلاثة وصيام السبعة من جهة جواز وقوع الاُولى في السفر، مع عدم قصد الإقامة. لدلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن الأفضل في هذا الصوم وقوع صيام اليوم الثالث في يوم عرفة. مع أن الحاج في ذلك الزمان كان مسافراً فيها. وأما السبعة فيعتبر فيها ما يعتبر في سائر الصيام الواجبة من اشتراط صحتها في السفر بكونه مقروناً بقصد إقامة عشرة أيام ـ كما لا يخفى ـ .
[1]
من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة الموجبة لإمكان الرجوع إلى البلد في يوم واحد أو أقل، هل يجوز له صيام السبعة بعد مضي هذا المقدار فيجوز له الشروع في صيام السبعة بعد مضي يوم واحد ـ مثلا ـ؟ استظهر في المتن الجواز.
والوجه فيه صدق عنوان «بقدر مسيره إلى أهله» الذي كان مختلفاً في تلك الأيام
(الصفحة 284)في أنه هل يعتبر أن يكون صيام الثلاثة في مكة؟
مسألة 25 ـ لو لم يتمكن من صوم ثلاثة أيام في مكة ورجع إلى أهله، فإن بقى شهر ذي الحجة صام فيه في محله. لكن يفصل بينها وبين السبعة، ولو مضى الشهر يجب الهدي يذبحه في منى ولو بالاستنابة . [1]
والأزمنة أيضاً بلحاظ الاختلاف في المراكب الموجودة فيها. فإن مقدار المسير إلى الأهل في هذه الأيام ربما يكون أقل من يوم واحد ـ كما إذا كان مركبه الطيارة مثلا بالنسبة إلى بعض البلاد ـ ولكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلافه. خصوصاً بعد ملاحظة أن العدل الآخر هو مضي الشهر الذي لا يناسب التخيير بينه وبين مضي يوم واحد ـ كما في المثال ـ .
وأما عدم الجمع بين الثلاثة والسبعة، فسيأتي البحث عنه في المسألة الخامسة والعشرين الآتية، إن شاء الله تعالى.
[1]
ينبغي قبل الورود في هذه المسألة، التعرض لجهة اُخرى. وهي أنه هل يعتبر في صيام ثلاثة أيام في حال التمكن والاختيار أن يكون مكانه مكة أم لا يعتبر، بل يجوز وقوعها في غيرها مثل الجدّة وغيرها بعد عدم قدح السفر فيه؟
قال بعض الأعلام (قدس سرهم) : لم أر من تعرض لذلك نفياً وإثباتاً سوى شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في مناسكه صرّح بعدم الاعتبار وأنه يصح مطلقاً. نعم لابد من وقوع صيامها في ذي الحجة وقبل الرجوع إلى بلاده. ثم استظهر نفسه من جملة من الروايات اعتبار صومها في مكة، وقال بعد الاستدلال بها: «لا قرينة لرفع اليد عن ظهورها، ولا