(الصفحة 303)
أن الظاهر في هذه الطائفة هو الحكم بالتخيير الذي أفتى به المشهور، وإن كان الحلق أفضل، بل يكون استحبابه متأكداً ـ كما عرفت في عبارة الشرائع المتقدمة ـ .
وأما الطائفة الثالثة والرابعة: فهما الذكر الملبد والعاقص. والدليل على حكمهما أيضاً روايات. وإن كان المشهور قائلين بالتخيير فيهما أيضاً.
منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، بل في الطريق الآخر جعلها به في الوسائل الرواية الثامنة، وإن كان الظاهر اتحادها مع الرواية الاُولى المذكورة في الباب. لكنها معها روايتان متعددتان على ما في الوسائل. وتبعه عليه بعض الكتب الفقهية، ومتنها هكذا: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته، فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير. وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج، وليس في المتعة إلاّ التقصير»(1).
ومنها: صحيحة هشام بن سالم، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة، فقد وجب عليه الحلق(2).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على تعين الحلق فيهما أو في أحدهما، ولعله (قدس سره) لأجلها احتاط الماتن وجوباً بالحلق. ويمكن أن يقال: بأنه مع صحة أكثر الروايات الدالة على التعين، كيف ذهب المشهور إلى الخلاف وعدم التعين؟ وهل يعد ذلك إعراضاً عن الرواية، قادحاً في اعتبارها، وإن كانت من الصحة بمكان أو أن الفتوى على الخلاف لأجل الفهم ودركه وإن كان هذا بعيداً، فتدبر.
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح8.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح2.
(الصفحة 304)
وأما الطائفة الخامسة: فهو الخنثى المشكل الذي لا تعلم ذكورته واُنوثته إثباتاً، وإن كان بحسب الواقع أحدهما ثبوتاً. بناءً على عدم كونه طبيعة ثالثة. وقد ذكر في المتن أنه إن لم يكن من أحد الطوائف الثلاثة الأخيرة، فاللازم عليه الاحتياط بالتقصير، لأن في دوران الأمر بين التعيين والتخيير يكون مقتضى الاحتياط، الأخذ بالمعين الذي هو في المقام عبارة عن التقصير، لأن الخنثى غير الصرورة ـ مثلا ـ إما أن يكون التقصير متعيناً عليه، بناءً على كونه اُنثى. وإما أن يكون مخيراً بينه وبين الحلق، بناءً على كونه ذكوراً. والمفروض أنه غير الطوائف الثلاث. فاللازم احتياطاً هو الأخذ بالمعين وهو التقصير.
وعلى تقدير كونه من الطوائف الثلاث يكون مقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين التقصير وبين الحلق إحتياطاً ـ كما في سائر الموارد ـ .
وله علم آخر في هذه الصورة، وهو العلم بأنه إما أن يكون فعل الحلق عليه حراماً أو تركه، وإما أن يكون فعل التقصير عليه حراماً أو تركه. ففي كل من الأمرين يدور الأمر بين المحذورين. وإن كان الأمران بأجمعهما لا يدور الأمر فيهما بينهما لجواز وإمكان ترك الأمرين معاً.
وحيث إن الحكم في مورد الدوران هي إصالة التخيير، فإذا اختار الحلق فالتقصير في الوهلة الثانية إما أن يكون محلا بناءً على كونه أنثى، وإما أن يكون في حال الإحلال.
وإذا اختار الحلق في الوهلة الثانية، فإما أن يكون التقصير في المرتبة الاُولى إزالة الشعر في حال الإحرام، وهي إما أن يكون محرماً في حال الإحرام أو مع الكفارة
(الصفحة 305)في ما يكفي في التقصير
مسألة 28 ـ يكفي في التقصير قص شيء من الشعر أو الظفر بكل آلة شاء. والأولى قص مقدار من الشعر والظفر أيضاً، والأحوط لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه. ويجوز فيهما المباشرة والإيكال إلى الغير. وتجب فيهما النية بشرائطها ينوي بنفسه، والأولى نية الغير أيضاً مع الإيكال إليه . [1]
أيضاً، وإما أن يكون محلا، فلا وجه لحرمة الحلق بعده.
[1] في هذه المسألة فروع وأحكام:
الأول: أن الواجب في باب التقصير هو صدق عنوانه، والظاهر تحققه بما دون القبضة بل ما دون الأنملة، ولا يتوقف على صدق القبضة ـ كما ربما يحكى عن أبي علي ـ ولا على صدق الأنملة ـ كما لعله ربما يستظهر من عبارة الشرائع حيث قال: ويجزيهن منه ولو مثل الأنملة كما في محكي القواعد والنافع والتهذيب وبعض الكتب الاُخر أيضاً ـ ولكن الظاهر ـ كما قلنا ـ كفاية المسمى وصدقه بما دونهما وعدم توقفه على شيء منهما.
الثاني: أن الظاهر كفاية القص من الشعر أو الظفر، ولكن الجمع بينهما هو الأولى لظهور بعض الروايات في وجوب الجمع. لكن حيث إن الضرورة والإجماع قائمان على عدم وجوب الجمع، فالظاهر هو الاستحباب ـ كما في صحيحة سعيد الأعرج ـ .
الثالث: أنه تجوز فيهما المباشرة، ويجوز الإيكال إلى الغير، لعدم قدرة غالب
(الصفحة 306)
الناس على الحلق مباشرة بخلاف التقصير. فالتخيير بين الأمرين مع ذلك ظاهر في عدم وجوب المباشرة، وجواز الإيكال إلى الغير.
وحيث إنهما من العبادات، والعبادة مفتقرة إلى النية فاللازم وجوب النية، بالمباشرة، والأولى نية الغير أيضاً مع الإيكال إليه. لكن الكلام في الذابح من جهة الإمكان يجزي في هذه الصورة أيضاً في بعض الفروض.
الرابع: أن الأحوط وجوباً لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه ولا يقتصر على البعض بأن يحلق بعض الرأس فقط. وإن كان الحلق يصدق عليه أيضاً ـ كما في جانب التقصير ـ إلاّ أن ظاهر الأدلة في الحلق هو الجميع ـ كما في الآية ـ وقام الدليل على الإجزاء بالبعض في التقصير، مضافاً إلى استمرار السيرة ووجود إصالة الاشتغال، فالأحوط هو حلق الجميع، مع أنه لا يمكن في ناحية التقصير غالباً، وهو خلاف السيرة أيضاً.
(الصفحة 307)في إمرار الموسى على الرأس مع عدم الشعر
مسألة 29 ـ لو تعين عليه الحلق ولم يكن على رأسه شعر، يكفي إمرار الموسى على رأسه، ويجزي عن الحلق. ولو تخير من لا شعر له بينه وبين التقصير، يتعين عليه التقصير ولو لم يكن له شعر حتى في الحاجب والظفر، يكفي إمرار الموسى على رأسه . [1]
[1]
في هذه المسألة أيضاً فروع:
الفرع الأول: ما لو تعين عليه الحلق، ولم يكن على رأسه شعر، فمقتضى النص والفتوى ثبوت البدل المجزي له عن الحلق، وهو إمرار الموسى على الرأس.
ففي رواية زرارة: إنّ رجلا من أهل خراسان قدم حاجاً، وكان أقرع الرأس لا يحسن ان يلبي، فاستفتى له أبا عبدالله (عليه السلام) فأمر له أن يلبي عنه وأمر الموسى على رأسه، فإن ذلك يجزي عنه(1). والرواية ضعيفة السند.
وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: سألته عن رجل حلّق قبل أن يذبح، قال: يذبح ويعيد الموسى، لأن الله تعالى يقول:
(... وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ...(2)
) (3).
ورواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمّر الموسى على رأسه حين يريد أن
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الحادي عشر، ح3.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الحادي عشر، ح2.
- (3) سورة البقرة (2): 196 .