(الصفحة 321)
موجب لزوال العلم موضوعاً.
وحمل قوله (صلى الله عليه وآله) «لا حرج» ـ واحداً كما في صحيحة جميل، أو متعدداً كما في بعض الروايات الاُخر ـ على مجرد رفع الحرج من جهة الحكم التكليفي، من دون الدلالة على صحة حجهم رأساً. وأنت خبير بأن ذلك خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من الرواية جواباً واستشهاداً، وحتى سؤالا من السائل لظهور كلها في الحكم الوضعي الراجع إلى الصحة والبطلان ـ كما في سائر الموارد والمقامات ـ ومراده (صلى الله عليه وآله) من نفي الحرج أيضاً ذلك، وإلاّ كان اللازم عليه إيجاب الإعادة وبيانها مع كون الناس جاهلين، لئلا يكون حجهم غير مطابق للمأمور به.
ومن الغريب أن صاحب الرياض (قدس سره) حمل دليل وجوب الكفارة على الاستحباب. مع أن التعبير في دليلها مع التقييد بصورة العلم إنما هو بكلمة «عليه» لا بصيغة «افعل» المستعملة في الاستحباب كثيراً.
ولو نوقش في دلالة هذا التعبير على الوجوب، لجرت المناقشة في أصل دلالة آية وجوب الحج عليه، لرواية وجوب الصيام عليه. وغير ذلك من الموارد. والغرض من ذلك كله عدم الاستيحاش من مخالفة المشهور، وحملها على الاعراض القادح. بل إنما هي لأجل الاستفادة وفهم المراد من الرواية نوعاً. نعم ربما يتفق الاعراض ـ كما في بعض المسائل الآتية ـ فلا وجه للحمل المذكور بوجه.
وعليه فمقتضى القاعدة في المقام ما ذكرنا. ولا يكون إجماع تعبدي كاشف على خلافه. بل لابد من الالتزام بمفاد الروايات والاستفادة منها على نحو يفهمه العرف، فتأمل.
(الصفحة 322)في ما لو قصر أو حلق بعد الطواف أو السعي
مسألة 34 ـ لو قصر أو حلق بعد الطواف أو السعي، فالأحوط الإعادة لتحصيل الترتيب. ولو كان عليه الحلق عيناً يمرّ الموسى على رأسه احتياطاً . [1]
[1] الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة مع عدم كونه موجباً للتعدد، إنما هو في تحقق الحلق أو التقصير بعد الطواف أو السعي هنا، وعدم تحقق شيء منهما في المسألة السابقة.
ويرد على الماتن (قدس سره) ما أشرنا إليه من أن الترتيب على فرض اعتباره، إنما يكون شرطاً للأمر المتأخر لا للأمر المتقدم ـ كما في الظهرين ـ فإنّ ترتب العصر على الظهر، يقتضي وقوع العصر بعد الظهر، ولا تكون صلاة الظهر مشروطاً من هذه الناحية بشيء. فإذا اقتصر الشخص على صلاة الظهر، ولو كان عن علم وعمد، لا يوجب ذلك بطلان صلاة الظهر بوجه، من جهة عدم وقوع العصر بعدها، بل غايته عدم صحة صلاة العصر في مورد عدم وقوعها متأخرة عن الظهر.
وعليه فالترتيب المعتبر في المقام على تقديره إنما هو بالإضافة إلى الطواف أو السعي. فإذا قدم شيئاً منهما أو كليهما على الحلق والتقصير، ثم قصر أو حلق، يصير الطواف وما بعده غير واجد للشرط الذي هو الترتيب، ولا يلزم الخلل فيهما لا في النية ولا في شيء آخر، بل تلزم إعادة الطواف والسعي. وعليه فلا وجه لإعادة الحلق، ولو كان متعيناً عليه، لأن يحصل الترتيب. وعليه فلا وجه للاحتياط بإمرار الموسى بعد عدم لزومه بوجه. وإنما هو أي: إمرار الموسى في موارد وجوب الحلق
(الصفحة 323)في مدخلية الحلق أو التقصير في التحلل
مسألة 35 ـ يحل للمحرم بعد الرمي والذبح والحلق أو التقصير كل ما حرّم عليه بالإحرام إلاّ النساء والطيب. ولا تبعد حلية الصيد أيضاً. نعم يحرم الصيد في الحرم للمحرم وغيره لاحترامه . [1]
كذلك.
والذي ينبغي أن يقال إنه كان ينبغي له ترك التعرض لهذه المسألة بعدالمسألة المتقدمة، خصوصاً مع ثبوت الفتوى أو الفتاوى هناك، والانتقال إلى الاحتياط الوجوبي هنا. نعم الاحتياط في مسألة إمرار الموسى له وجه لو قيل بالتعدد، بناءاً على أن رواياته إنما وردت في مورد الحلق الابتدائي ـ على ما عرفت ـ وشمولها للحلق الثانوي محل إشكال، وإن كان مقتضى الاحتياط الوجوبي ـ كما لا يخفى ـ .
[1] يقع الكلام في هذه المسألة تارة في غيرالصيد واُخرى فيه. فالكلام يقع في أمرين:
الأول: غير الصيد من محرمات الإحرام ـ مِن النساء والطيب ـ فنقول: إن المشهور حكموا بتوقف حليته على آخر أعمال منى، وهو الحلق أو التقصير بعد وقوعهما بعدها. وعن الصدوقين حصول التحلل بمجرد الرمي الذي هو أول أعمال منى. ودليلهما فقه الرضا الذي لم يثبت كونه رواية، فضلا عن الصحة والاعتبار. وقد ذكرنا هذه الجهة مراراً، ولذا لم يرو صاحب الوسائل عنه شيئاً أصلا. ويدل على المشهور روايات كثيرة:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبح الرجل وحلق
(الصفحة 324)
فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب، فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة، فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء، وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد(1) والكلام الآن في غير الصيد.
والرواية ظاهرة في الترتب على الحلق بعد الذبح ومدخلية الحلق في الحلية المذكورة، وأن لا تكون للقضية الشرطية مفهوم ـ كما حققناه في محله الذي هو بحث المفاهيم من علم الاُصول ـ .
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق، ولكن لا تقربوا النساء والطيب(2). وغير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.
وفي مقابل هذه الروايات، روايتان:
إحديهما: موثقة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) إنه كان يقول: إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شيء حرم عليك إلاّ النساء(3).
ثانيتهما: موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) جعلت فداك، رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة ولم يحلق، قال: لا بأس... .(4)
لكن هاتين الروايتين مهجورتان، ولم يقل بمفادهما حتى الصدوقين. لعدم قولهما
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثالث عشر، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثالث عشر، ح6.
- (3) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح11.
- (4) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح12.
(الصفحة 325)
بتوقف الطيب على رمي الجمرة، وأنه يحل به. بل يقولان بعدم تحقق حليته به كالنساء المتوقفة حليتهن على طواف النساء عندنا بلا خلاف ولا إشكال ـ كما لا يخفى ـ . وسيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إن هنا روايات اُخر يوهم ظاهرها الخلاف، مثل:
صحيحة سعيد بن يسار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتمتع، قال: إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال: نعم، الحناء والثياب والطيب وكل شيء إلاّ النساء رددها على مرتين أو ثلاثاً، قال: وسألت أبا الحسن (عليه السلام) عنها، قال: نعم، الحناء والثياب والطيب وكل شيء إلاّ النساء(1).
والشيخ (قدس سره) حملها على من حلق وزار البيت. وأنه لم ينقل مع كون النقل عن الكليني قبل أن يزور البيت. وهو وإن كان أضبط من الشيخ لكنه أفقه منه. وقد حكم في الدروس بأنه متروك.
وعلى أي حيث إنه لم يعلم أن ذلك قبل زيارة البيت لايجوز العمل بها.
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سئل ابن عباس هل كان رسول الله يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور(2).
ولكنها في مورد حج غير التمتع الذي لا يتوقف عليه الطيب على أمر بعد الحلق أو التقصير. لأنه لم يحج حج التمتع على ما مر مراراً.
- (1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح7.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الرابع عشر، ح2.