(الصفحة 335)
واحد بعنوان روايتين. ومن المستبعد جداً التعدد، بعد كون الراوي واحداً، والمروي عنه وهو الامام المعصوم (عليه السلام) أيضاً كذلك، ومورد السؤال أيضاً واحداً.
أحدهما: ما رواه الكليني عن علي عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير وصفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في زيارة البيت يوم النحر، قال: زره فإن شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد، ولا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر; وموسع للمفرد أن يؤخره...(1).
وثانيهما: ما رواه الشيخ في الكتابين بإسناده عن موسى بن القاسم عن حماد بن عيسى وفضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر، والمفرد والقارن ليسا بسواء موسع عليهما(2).
والرواية بالكيفية الثانية ظاهرة سؤالا وجواباً.
وأما بالكيفية الاُولى فيحتمل أن يكون قوله «زره» بالذال المعجمة، كما رواه في الجواهر كذلك، وإن كان يبعده عدم مناسبة هذا التعبير مع كون المفعول هو البيت لا محالة، كما ان قوله (عليه السلام) زره لا يناسب الجواب إلاّ بعد كونه أمراً في مقام توهم الخطر، وهو أيضاً بعيد، بعد كون الأفضل أو المتعين الإتيان بها يوم العيد. كما أن قوله «من يومك» لا يعرف المراد به هل المراد من اليوم يوم النحر، أو اليوم الحادي عشر الذي
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح8.
(الصفحة 336)
لا تعين فيه من جهة اليومية؟
نعم لا يكون المراد من الكراهة هي الكراهة المصطلحة في مقابل الحرمة; بل الأعم منها ومن الحرمة.
وكيف كان فالرواية بهذه الكيفية مشكلة جداً.
والتحقيق في مقام الجمع بين الروايات من جهة تصريح بعضها بجواز التأخير عن اليوم الحادي عشر، من دون أن يكون هناك إثم، فضلا عن عدم الإجزاء; ومن جهة تصريح بعضها بحكم استحباب التعجيل، وأنها عبارة عن مخافة الأحداث والمعاريض; ومن جهة دلالة بعضها على أن الإمام (عليه السلام) ربما يؤخره عامداً اختياراً، هو ما نفى عنه البعد في المتن من الجواز طول ذي الحجة حتى آخر يوم منه; لقوله تعالى:
(الْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ...) (1) وآخرها آخر ذي الحجة، وإن كان الأفضل التعجيل ـ كما لا يخفى ـ .
- (1) سورة البقرة (2): 197 .
(الصفحة 337)في عدم جواز تقديم المناسك الخمسة على منى
مسألة 3 ـ لا يجوز تقديم المناسك الخمسة المتقدمة على الوقوف بعرفات والمشعر ومناسك منى اختياراً; ويجوز التقديم لطوائف:
الاُولى: النساء إذا خفن عروض الحيض أو النفاس عليهن بعد الرجوع، ولم تتمكن من البقاء إلى الطهر.
الثانية: الرجال والنساء إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع لكثرة الزحام أو عجزوا عن الرجوع إلى مكة.
الثالثة: المرضى إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع للازدحام أو خافوا منه.
الرابعة: من يعلم أنه لا يتمكن من الأعمال إلى آخر ذي الحجة . [1]
[1]
يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: في أنه هل يجوز للمتمتع تقديم المناسك الخمسة أو بعضها على الوقوفين أو الوقوف بعرفات فقط أو الوقوف بالمشعر كذلك أو مناسك منى، كما يجوز للقارن والمفرد، أم لا يجوز للمتمتع التقديم اختياراً؟
المشهور بين الفقهاء هو الثاني. وذكر في الجواهر: أن الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر عن الفاضلين نسبته إلى إجماع العلماء كافة; لكن السيد صاحب المدارك استقرب الجواز مطلقاً، وتوقف فيه صاحب الحدائق.
والروايات في هذا المجال مختلفة، فمن طائفة منها يستفاد الجواز، بل عدم ثبوت الأفضلية للتأخير أيضاً، مثل:
(الصفحة 338)
الرواية الصحيحة التي رواها محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن ابن أبي عمير عن حفص بن البحتري عن أبي الحسن (عليه السلام) في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال: هما سواء، أخّر ذلك أو قدمه، يعني المتمتع(1).
ولو لم يكن مراده خصوص المتمتع باعتبار نفس السؤال، فإن القارن والمفرد لا إشكال في جواز تقديمهما، لكان مقتضى إطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب، هو الشمول لحج التمتع; خصوصاً بعد أفضليته من ساير أنواع الحج.
وصحيحة ابن بكير وجميل جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج، فقال: هما سيان قدمت أو أخرت(2).
وصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يتمتع ثم يحلّ (يهلّ ظ) بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى، قال لا بأس(3).
وقد روى عبدالرحمن مثله عن علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) إلاّ أنه قال (عليه السلام) لا بأس به(4).
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنه من المستبعد جداً ان عبدالرحمن يروي لصفوان تارة بلا واسطة عن موسى بن جعفر (عليه السلام) واُخرى مع واسطة علي بن يقطين; فذكر علي بن يقطين في إحدى الروايتين زائد، أو ناقص في الخبر الآخر.
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والستون، ح3.
- (2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح1.
- (3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح2.
- (4) الوسائل: أبواب أقسام الحج الباب الثالث عشر، ح3.
(الصفحة 339)
ويرفع الاستبعاد، ان المطلب المنقول عن إحدى الشخصيات سيما مثل الإمام (عليه السلام) خصوصاً إذا كان المطلب مخالفاً للفتاوى ـ كما في المقام ـ يكون الإنسان طالباً للسؤال عنه، لترتفع الشبهة ويزول الإبهام بالمرة، وعليه فذكر علي بن يقطين لا يكون زائداً ولا ناقصاً في الخبر الآخر; بل التعدد باق بحاله من دون أن يكون موجب للوحدة.
لكن بإزاء هذه الروايات، روايات اُخرى، ظاهرة في عدم كون الجواز بنحو الإطلاق; بل له قيد. فلا يكون المتمتع مختاراً في جواز التقديم على الوقوف بعرفات.
منها: صحيحة حماد والحلبي جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض، قبل أن تخرج إلى منى(1).
وذكر «قبل الخروج إلى منى» إما باعتبار ثبوت المناسك المتعددة لها واستمرار أيامها ولياليها نسبة، فيخرج الوقوفان بهذا اللحاظ مع كونهما مقصودين. وإما باعتبار ثبوت الاستحباب للبيتوتة فيها ليلة عرفة قبل الوقوف بعرفات.
وعليه فالمراد قبل الخروج من مكة إلى منى، ليلة عرفة. ونحن وإن لم نقل بثبوت المفهوم حتى القضية الشرطية الواقعة في رأس المفاهيم، إلاّ إنا نقول بمدخلية القيد الراجعة إلى عدم ثبوت الحكم للمطلق، خصوصاً إذا كان القيد في كلام الإمام (عليه السلام) العارف بالعربية والأدبية جداً.
فإذا قال «في الغنم السائمة زكاة» يستفاد عدم ثبوت الزكاة لمطلق الغنم. وإلاّ كان ذكر القيد لغواً لا يترتب عليه أثر. وأمّا كون العلة المنحصرة لثبوت الزكاة هو
- (1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح4.