(الصفحة 341)
أن تضطر إلى ذلك، فعلت(1).
وذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) : أن في العبارة سقطاً. والصحيح صفوان بن يحيى عن يحيى الأزرق; لأن صفوان بن يحيى الأزرق لا وجود له في الرواة، ويحيى الأزرق وإن كان مردداً بين الثقة والضعيف، لكنه ينصرف إلى الثقة لاشتهاره.
أقول: إذا كانت لفظة «ابن» غلطاً ومحرفاً عن «عن» كما في بعض نسخ التهذيب، يرتفع الاشكال; خصوصاً بعد عدم وجود مثل ذلك في الرواة، وعدم اقتصار مثل صفوان إلى ذكر أبيه أصلا.
ومثلها: ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد (محمد بن عيسى خل) عن الحسن بن علي عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) يقول: لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت، ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفاً(2).
ومنها: رواية علي بن حمزة ـ البطائني الكذاب المعروف ـ قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل يدخل مكة ومعه نساء، قد أمرهن فمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، فخشي على بعضهن الحيض، فقال: إذا فرغن من متعتهن وأحللن، فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض، فيأمرها فتغتسل وتهلّ بالحج من مكانها، ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن حدث بها شيء قضت بقية المناسك وهي
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والستون، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والستون، ح1.
(الصفحة 342)
طامث...(1).
والتحقيق في مقام الجمع بين الروايات أن يقال: إمّا أن تكون الروايات من باب حمل المطلق على المقيد بأن يكون ما يدل على الجواز مطلقاً; وما يدل على عدمه مقيداً بصورة عدم الاضطرار، فيحمل الاُولى على الثانية، كما ربما يظهر من الشيخ ومن صاحب الجواهر (قدس سرهما) .
وعليه فالمقام يكون خارجاً عن موضوع أدلة المتعارضين، كالمقبولة ونحوها ـ لأن موضوعها الخبران المختلفان أو المتعارضان ـ والجمع بين المطلق والمقيد بحمل الأول على الثاني على ما هو المفروض فعلا، جمع دلالي خارج عن موضوع التعارض في مقام التقنين العقلائي، وإن كان داخلا فيه منطقاً; لأن نقيض الموجبة الكلية هي السالبة الجزئية، ونقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية; والمطلق والمقيد بهذا اللحاظ من المتعارضين ـ كما أن العام والخاص أيضاً كذلك ـ والتحقيق موكول إلى محله في المباحث الاُصولية.
وإمّا أن يقال بثبوت التعارض ولزوم الرجوع إلى المرجحات وإعمال قواعد باب التعارض.
والوجه فيه عدم التعبير في أخبار الجواز بالجواز وأشباهه، بل التعبير بقوله (عليه السلام) : «هما سيان قدمت أو أخرت» الظاهر في التسوية حتى في مقام الفضيلة. والتعبير في أخبار الضرورة بقوله: «لا بأس» مع دلالتها على عدم كون نفي البأس ثابتاً بنحو الإطلاق. بل مع وجود القيد ـ كما عرفت تقريبه ـ غاية الأمر عدم ثبوت دلالة لها
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والستون، ح2.
(الصفحة 343)
على المفهوم، كما أشار إليه صاحب المدارك الذي حكي عنه فقط القول بالجواز مطلقاً.
وعليه فالطائفتان متعارضتان; والترجيح مع أخبار الضرورة; لأن أول المرجحات على ما استفدنا من المقبولة، هي الشهرة الفتوائية، ومن المعلوم أن التفصيل موافق للشهرة إن لم نقل بالإجماع، وإن رفعنا اليد عن هذا المرجح تصل النوبة إلى موافقة الكتاب الذي هو أعم من السنة، لا مقابلا لها.
ومن الواضح أيضاً أن السنة القولية والعملية قامت على التأخير، سيما صحيحة سعيد الأعرج التي أشرنا إليها سابقاً، حيث قال الصادق (عليه السلام) فيها: «فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن ويمضين إلى مكة في وجوههن فيطفن بالبيت...»
فالظاهر حينئذ هو ما اختاره في المتن من عدم الجواز اختياراً.
المقام الثاني: أنه بعد ما ثبت عدم جواز التقديم للمتمتع في حال الاختيار وعدم الاضطرار، يقع الكلام في الطوائف الذين يجوز لهم التقديم; فنقول:
قد ذكر الماتن (قدس سره) أربع طوائف في هذا المقام، والروايات المتقدمة لا دلالة لها على بعضها بالخصوص، لكن المستفاد منها ـ ولو بمعونة تناسب الحكم والموضوع ـ أن الجامع لهذه الطوائف يجوز له التقديم:
وهو من لم يتمكن تكويناً أو تشريعاً من الطواف الصحيح بعد العود والرجوع عن منى إلى مكة، إما لكون الطائف امرأة تخاف الحيض والطهارة شرط للطواف، وإما لوجود الهرم والشيخوخة التي لا تجتمع عرفاً مع إمكان الطواف لوجود
(الصفحة 344)
الزحام، وإما لوجود المرض كذلك، وإما لأنه لا يتمكن من الرجوع إلى مكة أصلا، لأن الجمال لا يقيم، أو لثبوت العدو له في مكة، وإمّا لجهة اُخرى.
وقد ذكرنا عدم ثبوت المفهوم حتى للقضية الشرطية ـ فضلا عن المقام ـ وأن ذكر القيد دليل على عدم ثبوت الحكم للمطلق. ومن الممكن قيام قيد مقام آخر. فإذا قال: إن جاءك زيد فأكرمه، فهو دليل على أن وجوب الإكرام لم يترتب على صرف وجود زيد; بل يفتقر إلى قيد، ولو كان ذلك القيد هو تسليمه الثابت بدليل آخر. ـ كما لا يخفى ـ .
نعم في خصوص الطائفة الرابعة كلام، يأتي في ذيل المسألة الرابعة.
بقي الكلام في أمرين:
أحدهما: أن المشهور عطفوا السعي على الطواف; وحكموا بجواز تقديمه في موارد جواز تقديم الطواف. مع أن السعي يغاير الطواف من جهة عدم ثبوت الزحام فيه نوعاً، وإن كان الزحام موجوداً في هذه الأزمنة ومن جهة عدم اشتراط الطهارة فيه، وعدم كون المسعى من أبعاض المسجد الحرام، وعدم كون السعي بنفسه من المستحبات. بخلاف الطواف الذي يستحب، بل الإكثار والتعدد فيه أيضاً كذلك.
وذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) ما حاصله أن ما ذكروه إنما يتم بناءاً على كون الجمع بين الأخبار بنحو المطلق والمقيد. لأنه حينئذ تتقيد الأخبار المجوزة مطلقاً بصورة الاضطرار، ويحكم بالجواز فيها، وفيها جواز تقديم السعي أيضاً. وأمّا إذا قلنا بثبوت التعارض وترجيح الأخبار المانعة، فلا دليل على جواز تقديم السعي. لأن المذكور في الأخبار خصوص الطواف.
(الصفحة 345)
ثانيهما: أن المستفاد من المتن جواز تقديم طواف النساء أيضاً. وقد صرح به العلامة وبعض آخر; بل في كشف اللثام أنه المشهور. لعموم ما تقدم ولرواية أبي الحسن (عليه السلام) المتقدمة التي وصفها صاحب الجواهر بالصحة أو انجبار ضعفها.
لكن المحكي عن الحلي عدم الجواز لاتساع وقته، باعتبار عدم كونه من أجزاء الحج أصلا، حتى يشمله قوله تعالى:
(الْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ...) (1) والرخصة في الاستنابة فيه.
وخصوص رواية علي بن أبي حمزة ـ التي تقدم نقل بعضها، والباقي قوله ـ : فقلت أليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلى،قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال: نعم، قلت: فلم لا يتركها حتى يقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: أبى الجمال أن يقيم عليها والرفقة، قال: ليس لهم ذلك تستعدى عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها.
لكن ـ مضافاً إلى الإشكال في الرواية سنداً، بل ودلالة ـ هنا رواية صحيحة اُخرى، تدل على تمامية حجها وإن لم تأت بطواف النساء.
وهي رواية أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز، قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل، فقال: أصلحك الله، إن معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء، فأبى الجمال أن يقيم عليها، قال: فاطرق وهو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن
- (1)
سورة البقرة (2): 197 .