(الصفحة 355)
المقام على الإتيان بالحج بدون طواف النساء; وإن كان أمراً مستقلا خارجاً عن الحج جزءاً وشرطاً. وليس فيه إلاّ الحكم التكليفي بالوجوب.
إن قلت: بعد رفع الحكم الإلزامي، وهو الوجوب في المقام عن الصبي وإن كان مميزاً، كيف يحكم عليه باللابدّية؟
قلت: الحكم الإلزامي وإن كان مرفوعاً عنه، إلاّ أنه ليس فيه حكم إلزامي فقط; بل يترتب عليه حلية النساء. والسببية حكم وضعي لا يختص بالمكلفين; بل يجري في مثل هذا الصبي ـ كإتلاف مال الغير الذي يكون سبباً لضمانه، وإن كان عن الصبي مرفوع الحرمة ـ حتى أن الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ. هذا في الطفل المميز.
وأمّا الطفل غير المميز الذي أحرمه الولي، فالذي قطع به الشهيد هي الحرمة، بدون طواف النساء. واحتمله في كشف اللثام. ويمكن أن يكون الوجه فيه هي الاستفادة من أدلة مشروعية إحرام الولي به، واستحبابه عليه هو أن يفعل به جميع أفعال الحج وما يعمله الحاج من الأعمال والمناسك وطواف النساء، مضافاً إلى ما أشرنا إليه من دلالة النصوص على توقف حلية النساء المحرمة بالإحرام، بمعنى لزوم تركها على طواف النساء.
فالحكم فيه ـ كما في المتن ـ من اقتضاء الاحتياط الوجوبي له. وإن كان يغاير الطفل المميز في عدم الوضوح ـ كما ذكرنا ـ .
(الصفحة 356)في وجوب طواف النساء
مسألة 8 ـ طواف النساء وركعتيه واجبان، وليسا ركناً. فلو تركهما عمداً، لم يبطل الحج به; وإن لا تحل له النساء. بل الأحوط عدم حلّ العقد والخطبة والشهادة على العقد له . [1]
[1]
قد مرّت الإشارة إلى أن طواف النساء وكذا الصلاة بعده وإن كانا واجبين إلاّ أنهما ليسا بركنين. فلا يوجب الإخلال به ـ ولو عمداً ـ لبطلان الحج. غاية الأمر عدم تحقق الحلية ـ أي: حلية النساء ـ بدونه.
والوجه في عدم كونه جزءاً للحج أو شرطاً متأخراً عنه، ما ورد في الروايات الكثيرة من جعله بعد الحج وخارجاً عنه; فإن عنوان البعدية لا يتحقق مع الجزئية. مثل:
صحيحة معاوية بن عمار: «وعليه طواف بالبيت» ـ إلى أن قال: ـ «وطواف بعد الحج وهو طواف النساء»(1). وغير ذلك من الروايات المتعددة.
ويدل على الصحة ـ ولو مع الترك ـ صحيح الخزاز المتقدم الوارد في الحائض التي لم تطف طواف النساء ولا ينتظرها جمالها، فقال: تمضي فقد تم حجها.
ثم إن المترتب على طواف النساء، هل هو حلية جماعهن فقط، وإلاّ فسائر الاُمور المرتبطة بهن يقع إحلالها قبله، أم تترتب حلية المجموع عليه، فلا يحل شيء من استمتاعهن قبله؟ وجهان:
- (1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح6 ـ 12 ـ 1.
(الصفحة 357)
ربما يستفاد الوجه الأول من بعض الروايات، مثل:
صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقربوا النساء والطيب(1).
فإن المنهي عنه قبل طوافي الزيارة والنساء، هو المقاربة بمعنى الجماع، كما في قوله تعالى:
(... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ...) (2) وعليه فسائر الاُمور المرتبطة بهن غير المقاربة والجماع تزول حرمتها بما تزول به حرمة سائر محرمات الإحرام. أعني بعد الحلق أو التقصير الذي هو آخر مناسك منى وأعماله.
ولكن ورد في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده(3).
فإن ثبوت الكفارة ووجوبها وإن كان تدل بالملازمة العرفية على الحرمة غير المصرح بها في الرواية، كما استكشفنا حرمة جملة من محرمات الإحرام من طريق وجود الكفارة فيها ـ على ما مر في بحث تروك الإحرام ـ إلاّ أنه حكي عن صاحب الجواهر (قدس سره) أنه ذكر في ذيل الرواية التي يكون سندها صحيحاً معتبراً أنه لم يحضرني أحد عمل به على جهة الوجوب، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب; لأن الفرض كونه قد أحلّ فلا شيء عليه إلاّ الإثم لو كان.
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح2.
- (2)
سورة البقرة (2): 222 .
- (3) الوسائل: أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثامن عشر، ح2.
(الصفحة 358)
وفي مختلف العلامة: قال المفيد وسلاّر من قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء وهي لم تطف وهو يكره لها، فعليه دم. فإن كانت مطاوعة، فالدم عليها دونه. ولم يذكر الشيخ (قدس سره) ذلك، ولم نقف في ذلك على حديث مروي.
أقول: لا مجال لحمل الرواية على صورة الإكراه، بعد عدم إشعار فيها بخصوص هذه الصورة، والحكم بثبوت الكفارة عليه لا عليها، لا دلالة له على ذلك أصلا.
كما أن ما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) من أن دلالة الرواية بالإطلاق. لأنه لم يرد فيها أنها طافت طواف الحج أو قصّرت، بل ورد فيها أنها لم تطف طواف النساء. وذلك مطلق من حيث إنها قصرت أم لا؟ أو طاف طواف الحج أم لا؟
يدفعه أن المستفاد من الرواية عرفاً، أنها بعد ما قضت المناسك كلها وفعلت الأعمال كذلك. غاية الأمر أنها لم تطف طواف النساء، قبّلها زوجها، ولا مجال لإطلاق الرواية من هذه الجهة.
والذي دعاه إلى ذلك مبناه الكلي، وهو عدم قدح إعراض المشهور عن الرواية في حجيتها وصحتها. وعليه فلابد له من دعوى الإطلاق في الرواية.
وأمّا بناءاً على مبنانا من القادحية، فالأمر سهل، والرواية مطروحة. غاية الأمر أنه لم يثبت كون المقاربة في صحيحة الحلبي بمعنى الجماع، خصوصاً بعد كونها في مقام بيان أمر آخر، وبعد عطف الطيب على النساء. فالأحوط حينئذ ما أفاده في المتن; فتدبر.
(الصفحة 359)في ترتيب المناسك الخمسة
مسألة 9 ـ لا يجوز تقديم السعي على طواف الزيارة ولا على صلاته اختياراً، ولا تقديم طواف النساء عليهما ولا على السعي اختياراً، فلو خالف الترتيب أعاد بما يوجبه . [1]
[1]
أقول: قد تقدم حكم تقديم السعي على الطواف ـ أي: طواف الزيارة ـ أو صلاته اختياراً في المسائل المتقدمة، ولا فائدة في الإعادة ـ خصوصاً بعد عدم التناسب مع البحث ـ .
والمهم هنا البحث في طواف النساء، وأنه هل يجوز تقديمه على طواف الحج وسعيه أو على السعي فقط، أم لابد من التأخير عنهما؟
ولابد بقرينة المسألة العاشرة الآتية إن شاء الله تعالى من فرض البحث في العالم العامد المختار، فنقول:
الظاهر هو لزوم التأخير وعدم جواز التقديم، لأنه ـ مضافاً إلى دلالة الروايات البعدية، أي: الروايات الدالة على أن طواف النساء بعد الحج. فإن عنوان البعدية، كما أنه يدل على أن طواف النساء لا يكون مرتبطاً بالحج; بمعنى كونه جزءاً أو شرطاً له، كذلك يدل على أن وقت الإتيان به هو بعد الحج; والفراغ من أعماله ومناسكه التي منها السعي بين الصفا والمروة، فيدل على تأخر طواف النساء عن السعي، ـ يدل عليه خصوص صحيحة معاوية بن عمار الطويلة المتقدمة، المشتملة على أن طواف النساء إنما يؤتى به بعد الفراغ عن الأعمال وبعد تمامية السعي.(1)
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.