(الصفحة 366)
علي بن جعفر، إلاّ أنه قال: فبدنة في عمرة.
ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله; ثم قال: أقول حمله الشيخ على طواف النساء، لما مضى ويأتي.
وفي حاشية الوسائل ـ المطبوع حديثاً ـ عن البحار الذي يروي الرواية عن الشيخ ذكر البدنة مقام الهدي و إسناد الحميري في قرب الإسناد إلى علي بن جعفر غير صحيح، لأن فيه عبدالله بن الحسن العلوي. ونسخ التهذيب أيضاً مختلفة من جهة «الهدي» أو «هديه» وإن اتفقت من جهة عدم البدنة. وكيف كان فالكلام في المسألة يقع من جهات:
الاُولى: قد عرفت أن ترك طواف النساء ـ ولو كان عمداً ـ لا يوجب بطلان الحج ولا العمرة بوجه لعدم كونه جزءاً و شرطاً. غاية الأمر توقف حلية النساء على الإتيان به. كما إنك عرفت أن ترك الطواف غير النساء في الحج وكذا في العمرة يوجب البطلان، إذا كان عمداً وعن علم واختيار. لأنه مقتضى الجزئية والركنية.
والكلام هنا في ترك الطواف نسياناً، وأنه يوجب البطلان. فالمحكي عن الشيخ (قدس سره) في كتابي الأخبار والحلبي هو البطلان; وعن غيرهما هو العدم. بل عنه في الخلاف وعن الغنية الإجماع عليه.
والدليل عليه مضافاً إلى رواية علي بن جعفر ـ المتقدمة ـ صحيحة هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبدالله عمن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه(1).
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح4 .
(الصفحة 367)
وعن الشيخ حمل الطواف فيها على طواف الوداع، لرواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال: يأمر من يقضي عنه. فإن توفى قبل أن يطاف عنه، فليقض عنه وليه أو غيره(1).
مع أن إطلاق الزيارة على طواف النساء بقرينة اختصاص السؤال به، لا دلالة له على أن إطلاق طواف الزيارة محمول على طواف النساء. ولذا ترى صاحب الوسائل يعقد أبواباً بعد الحلق أو التقصير بعنوان أبواب زيارة البيت. وغرضه المهم طواف الزيارة في مقابل طواف النساء.
الثانية: في وجوب الكفارة ومقداره.
فاعلم أن ظاهر رواية علي بن جعفر التي هي صحيحة على بعض طرقها هو الوجوب، وعليه المشهور; فنفيه في غير محله.
وأمّا مقدار الكفارة، فالظاهر إنه لم يقم دليل على ثبوت البدنة، لاختلاف نسخ الرواية مع أن رجوع الضميرين المذكرين إلى البدنة غير مناسب لشأن الإمام (عليه السلام) لعدم الموجب للإرجاع المذكور بوجه، فلم يثبت خصوصية للهدي الثابت بعنوان الكفارة; مع أن الأمر دائر بين الأقل والأكثر.
والحق فيه جريان البراءة كما إذا دار أمر الرقبة التي يجب عتقها، بين الرقبة المطلقة وبين خصوص الرقبة المؤمنة. لعدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بباب
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثامن والخمسون، ح3. وليعلم أن صاحب الوسائل (قدس سره) أورد في هذا الباب روايات كثيرة لمعاوية بن عمار، مع اختلاف يسير بينها; ويحتمل قوياً اتحادها وعدم التعدد.
(الصفحة 368)
الإجزاء ـ كما قد قرر في محله ـ فليس في المقام كفارة إلاّ الهدي، والاحتياط بنحر الإبل إن كان وجوبياً لا وجه له أصلا.
الثالثة: في مدخلية المواقعة في ترتب الكفارة المزبورة وعدمها.
ظاهر رواية علي بن جعفر ـ المتقدمة ـ مدخلية المواقعة في ثبوت الكفارة المذكورة. حيث إن ظاهرها تحقق المواقعة في حال استمرار النسيان وبقاءه. لاتحققها بعد زواله وارتفاعه. وإن كان يبعّده عدم استمرار النسيان المذكور نوعاً. لكن ظهور لفظ السؤال يأبى من الحمل على ذلك. فإذن المواقعة دخيلة في ثبوت الكفارة.
فلا مجال للجمع بين الكلمات الذي احتمله صاحب الشرايع في متنها مما تقدم; فإنه لا يتجاوز عن مجرد الاحتمال، من دون أن يكون في البين ما يؤيده; فتدبر.
الرابعة: في أن الحكم لا يكون منحصراً بمسألة الكفارة. بل الواجب على الناسي المذكور إعادة الطواف بنفسه أو بالاستنابة، بعد كون الحج بأجمعه قابلا للنيابة; فضلا عن إجزاءه. ولذا كان سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي (قدس سره) يحكم بحجية الظن في أفعال الصلاة، من طريق قيام الدليل على الحجية في نفس الركعة المركبة من أجزاء مختلفة من الركن وغيره. هذا مع دلالة الروايات على جريان الاستنابة في المقام; فلا إشكال فيها من هذه الجهة.
الخامسة: ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) ـ المتقدمة ـ في حج، هو البعث في زمان الحج، «وفي عمرة هو البعث في زمانه. فالرواية متعرضة للزمان فقط.
وأمّا من جهة المكان، فلا دلالة لها عليه. وظاهرها أن المكان هي مكة، كما صرح به الماتن (قدس سره) لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) : «في حج» هي منى. وبقوله: «في
(الصفحة 369)في ترك الطواف جهلا
مسألة 13 ـ لو ترك طواف العمرة أو الزيارة جهلا بالحكم ورجع، تجب عليه بدنة وإعادة الحج . [1]
عمرة» هي مكة. ويؤيده مضافاً إلى أن الأمر في الكفارات يكون كذلك، أنه لا وقت للعمرة المفردة، وعمرة التمتع لا تكون مستقلة عن الحج.
السادسة: إن البحث في إعادة السعي في غير طواف النساء قد تقدم، ولا حاجة إلى الإعادة.
[1]
قد وقع الخلط في بعض الكلمات بين صورتي الجهل والنسيان، مع أن الظاهر عرفاً واستعمالا مغايرتهما، حتى في مثل حديث الرفع. فترى الشيخ الطوسي (قدس سره) في محكي الاستبصار عنون الباب هكذا: «باب من نسي طواف الحج حتى يرجع إلى أهله» ثم أورد الروايتين الآتيتين الواردتين في الجاهل. وكذا استدل في محكي التهذيب على حكم الناسي بالروايتين المشار إليهما; مع اختلاف المسألتين موضوعاً، وعدم ثبوت الإعادة، أي: إعادة الحج على الناسي إجماعاً. وما في محكي كشف اللثام، من أن الجهالة تعم النسيان، لا يخفى عليك ما فيه. وأمّا الروايتان:
فالاُولى: صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: إن كان على وجه جهالة في الحج، أعاد وعليه
بدنة(1).
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب السادس والخمسون، ح1.
(الصفحة 370)
والثانية: رواية علي بن أبي حمزة، قال: سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله، قال: إذا كان على وجه الجهالة، أعاد الحج وعليه بدنة(1).
قال في الوسائل بعد نقل هذا الخبر: ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) إلاّ أنه قال: سهى أن يطوف. والظاهر أن كاشف اللثام إنما تبع هذا النقل مع عدم كون السند صحيحاً.
وحيث إن الرواية الاُولى صحيحة، فلا محيص إلاّ عن الالتزام بها، والحكم بثبوت الكفارة على تارك الطواف جهلا بالحكم. وإن لم يرجع إلى أهله، فضلا عن تحقق المواقعة وثبوت الجماع، وأشدية حكم الجاهل من العالم التارك للطواف; حيث لا تكون الكفارة ثابتة في حقه، ولا يجب عليه إلاّ إعادة الحج. وإن كانت مستبعدة إلاّ أنه بعد ورود الرواية الصحيحة المزبورة فيه، لا محيص إلاّ عن الالتزام بها ولا مانع منه.
ثم إن إتيان الأهل والرجوع إليه لا يكون مذكوراً في هذه الرواية. فلا مجال لاحتمال المراد به هي المواقعة، بعد عدم وروده أصلا. ومقتضى إطلاق الصحيحة ثبوت الحكمين مطلقاً، وإن لم تتحقق المواقعة أصلا.
ثم إن الحكم بإعادة الحج في الصحيحة يمكن أن يكون قرينة على أن المراد بالعمرة، هي عمرة التمتع التي تكون مرتبطة بحجه. وإلاّ فالعمرة المفردة مستقلة لا ارتباط لها بالحج، ولا وقت لها أصلا، وإن كانت في بعض الأشهر مستحبة بالخصوص.
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب السادس والخمسون، ح2.