(الصفحة 376)
ومنهم: من لم يتق النساء في إحرامه للحج أو العمرة وطأً، دبراً أو قبلا، أهلا له أو أجنبية، ولا يجب في غير الوطي ـ كالتقبيل واللمس وغيرهما ـ .
ومنهم: من لم يفض من منى يوم الثاني عشر وأدرك غروب الثالث عشر . [1]
فالرواية صحيحة من حيث السند لاخدشة فيها.
وأمّا من حيث الدلالة، فاشتمالها على تذييل الجملة الاُولى بقوله:
(... لِمَنِ اتَّقى...) (1) مع أن الآية تشتمل على تذييل الجملة الثانية به، لا يقدح بعد احتمال الاشتباه في النقل أو في الكتابة أو كون مقصود الإمام (عليه السلام) النقل بالمعنى.
وكيف كان فالصحيحة تدل على أن المراد في قوله تعالى من الإتقاء، هو إتقاء الصيد، فمن لم يتق الصيد لا يكون مخيّراً بين التعجيل والتأخير; بل يجب عليه التأخير معيناً. والقدر المتيقن من عدم إتقاء الصيد هو من أصابه. وأمّا من أخذه ولم يقتله فقد احتاط الإمام في المتن وجوباً بالمبيت ليلة الثالث عشر. ولكن شمول العنوان له محل ترديد. وأمّا أكل اللحم ـ أي: لحم الصيد ـ أو مجرد إراءته والإشارة إليه فلا ينافي الإتقاء بوجه. فالأمر يدور مدار هذا العنوان.
[1]
وأمّا الطائفة الثانية: فقد استشكل في وجوب المبيت الليلة المذكورة، نظراً إلى أن الإجماع لم يعلم تماميته، والدليل اللفظي عليه ضعيف.
وهي رواية محمد بن المستنير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أتى النساء في إحرامه
- (1)
سورة البقرة (2): 203 .
(الصفحة 377)
لم يكن له أن ينفر في النفر الأول.(1)
ومحمد بن المستنير لا يوجد في الرواة، ولا يكون له رواية أصلا،ولا يكون مذكوراً في الكتب الرجالية، حتى مثل رجال الشيخ (قدس سره) المشتمل على عدّ الرواة وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) .
أقول: الرواية وإن كانت ضعيفة، لكن لا شبهة في موافقة فتوى المشهور لها واستنادهم إليها. وهو جابر لضعف سند الرواية، وإن كانت نفس الشهرة غير حجة.
وأمّا الطائفة الثالثة: فيدل على حكمهم النصوص:
منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من تعجل في يومين، فلا ينفر حتى تزول الشمس. فإن أدركه المساء بات ولم ينفر.(2) أي: في النفر الأول، لا مطلقاً.
ومنها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا نفرت في النفر الأول، فإن شئت أن تقيم بمكة وتبيت بها فلا بأس بذلك. قال: وقال: إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح(3).
ثم إن ظاهر المتن عدم وجوب المبيت ليلة الثالث عشر على غير هذه الطوائف، لكنه حكي عن بعض العلماء وجوبه على الضرورة أيضاً. كمن لم يتق الصيد في إحرامه. لكنه لا يعرف له شاهد ولا رواية ضعيفة. وحكى بعض الأعلام (قدس سره) عن شيخه المحقق النائيني أن الأحوط الأولى المبيت الليلة المذكورة أيضاً لكل من اقترف كبيرة من الكبائر. وإن لم تكن من محرمات الإحرام. وقد اعترف بأنه أيضاً
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر ح1.
- (3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح2.
(الصفحة 378)
لا يعرف له وجه ولا قائل به من الفقهاء.
ونسب إلى ابن سعيد: إن من لم يتق مطلق تروك الإحرام، وإن لم يكن فيه كفارة; يجب عليه البيتوتة الليلة المذكورة. وربما يستدل له بما رواه في الوسائل عن الفقيه عن محمد بن المستنير عن أبي جعفر (عليه السلام) انه قال في تفسير الآية المتقدمة
(لمن اتقى) : الرفث والفسوق والجدال، وما حرم الله عليه في إحرامه(1).
وفي الفقيه على ما في حاشية الوسائل المطبوعة، سلام بن المستنير، وهو الحق. لما عرفت من أنه لا يوجد في الرواة محمد بن المستنير. فقد وقع في الوسائل اشتباه. وسلام بن المستنير وإن كان ثقة بالتوثيق العام في محكي تفسير القمي وليس في مقابله قدح خاص، إلاّ أن الظاهر أنه لا يجوز العمل بروايته هذه. لأن صريح روايات الصيد جواز ترك المبيت هذه الليلة إذا اتقى الصيد; فتحمل على الاستحباب. مع أن السيرة العملية قائمة على النفر الأول.
وحملها على خصوص من لم يأت بشيء من محرمات الإحرام، لا في حجه ولا في عمرته، بعيد جداً; وحمل على الفرد النادر. فاللازم الالتزام بعدم الوجوب واستحباب المبيت في هذه الصورة أيضاً; فتدبر.
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح7.
(الصفحة 379)في عدم وجوب المبيت على أشخاص
مسألة 3 ـ لا يجب المبيت في منى في الليالي المذكورة على أشخاص:
الأول: المرضى والممرضين (الممرضون ظ) لهم; بل كل من له عذر يشق معه البيتوتة.
الثاني: من خاف على ماله المعتد به; من الضياع أو السرقة في مكة.
الثالث: الرعاة إذا احتاجوا إلى رعي مواشيهم بالليل.
الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة.
الخامس: من اشتغل في مكة بالعبادة إلى الفجر; ولم يشتغل بغيرها إلاّ الضروريات ـ كالأكل والشرب بقدر الاحتياج وتجديد الوضوء وغيرها ـ . ولا يجوز ترك المبيت بمنى لمن اشتغل بالعبادة في غير مكة; حتى بين طريقها إلى منى على الأحوط . [1]
[1] قد تعرض في هذه المسألة لمن لا يجب عليه المبيت في الليالي المذكورة، وهم أشخاص وطوائف:
الأول: كل من له عذر يشق معه البيتوتة ـ كالمريض والممرض له ـ .
والدليل عليه قاعدة نفي الحرج الحاكمة على أدلة التكاليف الواجبة. خصوصاً مع عدم كون المبيت جزءاً للحج ولا شرطاً له; بل واجب مستقل بعد تمامية أفعال الحج ومناسكه. يسقط مع وجود المشقة والحرج.
الثاني: من خاف على ماله المعتد به بالنحو المذكور في المتن. والدليل عليه قاعدة
(الصفحة 380)
نفي الضرر بالنحو المعروف. لحكومته على الأدلة الأولية، وشمولها للضرر المالي المعتد به.
وأمّا على مبنى شريعة الاصفهاني من كون مفادها النهي عن الضرر. وكذا على مبنى سيدنا الاُستاذ الماتن، الإمام (قدس سره) الذي هو مختارنا أيضاً، من كون النفي فيها مربوطاً بحكومة الإسلام; ولا ارتباط لها بالأحكام الفقهية أصلا.
فالدليل مذاق الشرع الحاكم بعدم حكم الشارع بتحمل الضرر المالي المعتد به، لأجل فعل الواجب كما في الوضوء ونحوه.
الثالث: الرعاة بالشرط المذكور. والدليل على عدم وجوب مبيتهم، أحد الأمرين المتقدمين.
الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة. والدليل أيضاً أحد الأمرين; مضافاً إلى بعض النصوص. مثل:
رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) إن العباس استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبيت بمكة ليالي منى; فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أجل سقاية الحاج(1).
الخامس: من اشتغل بمطلق العبادة، وإن لم تكن من أجزاء الحج في خصوص مكة; وإن لم يكن في مسجد الحرام.
والدليل عليه استثناءه من الروايات الناهية عن البيتوتة في غير منى. وهذه الروايات كثيرة، كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.
لكن الكليني في نقله زاد قوله: «وسألته عن الرجل زار عشاءاً، فلم يزل في
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح21.