(الصفحة 392)
أضف إلى ذلك أنه يستفاد من بعض النصوص عدم الوجوب. وهو صحيح معاوية بن عمار، قال: إذا نفرت في النفر الأول ـ إلى أن قال:ـ إذا جاء الليل بعد النفر الأول، فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح.(1) فإنه إذا جاز النفر عند الإصباح ـ أي: بعد طلوع الفجر ـ فلا يتمكن من الرمي، لأن وقته ما بين طلوع الشمس إلى الغروب. فتجويز النفر عند الإصباح يستلزم تجويز ترك الرمي ـ كما لا يخفى ـ .
فالحكم بوجوب الرمي يوم الثالث عشر لمن بات ليلته في منى، مبني على الاحتياط; انتهى.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ثبوت السيرة العملية المذكورة، وإلى أن ضعف الروايتين مجبور بالشهرة وإطلاقهما مقيد ـ ان ـ صحيح معاوية بن عمار; ناظر إلى مسألة المبيت لا إلى أمر آخر.
والحكم بعدم الوجوب وتماميته عند الإصباح لا دلالة له حتى بناءاً على مفهوم الغاية، إلاّ على عدم الوجوب عند الإصباح.
وأمّا استلزام الرمي في النهار، للكون فيه في منى، فهو أمر آخر لا يرتبط بهذا الواجب، مضافاً إلى أن الغاية المذكورة في بعض الروايات هو الإصباح وطلوع الشمس.
ففي رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل ينفر في النفر الأول، قال: له أن ينفر ما بينه وبين أن تسفر الشمس. فإن هو لم ينفر حتى يكون عند
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح 2 .
(الصفحة 393)في ما يعتبر في الرمي
مسألة 2 ـ يجب في كل يوم رمي كل جمرة بسبع حصيات. ويعتبر فيها وفي الرمي ما يعتبر في رمي الجمرة العقبة ـ على ما تقدم ـ بلا افتراق . [1]
غروبها، فلا ينفر، وليبت بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس، فلينفر متى شاء(1).
وكيف كان، فالظاهر هو وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر إذا بات ليلته بمنى.
والدليل العمدة عليه، هي السيرة. ويؤيده التعبير به «كل يوم» في بعض الروايات المتقدمة. والحكم بالفرق بين النفرين، بالإضافة إلى قبل الزوال وبعده، مع أن الداعي إلى الكون في منى قلما يتفق إذا لم يجب الرمي، وإن صارت البيتوتة ليلة الثالث عشر واجبة عليه. مع أنه يبدو في النظر أن البيتوتة إنما هي مقدمة للرمي في النهار، وإن كانت واجباً مستقلا; فتدبر.
[1] قد تقدم البحث في هذه المسألة في شرح المسألة الاُولى، ولا حاجة إلى الإعادة. كما أنه يستفاد من إطلاق وجوب الرمي في يومين أو اليوم الثالث عشر، وعدم التعرض للكمية والكيفية أن الواجب هو السبع.وكذا رعاية الخصوصيات المعتبرة في رمي جمرة العقبة الذي هو أول مناسك منى يوم النحر وأعماله، وأنه لا فرق أصلا.
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح4.
(الصفحة 394)في وقت الرمي
مسألة 3 ـ وقت الرمي من طلوع الشمس إلى الغروب. فلا يجوز الرمي في الليل اختياراً، ولو كان له عذر من خوف أو مرض أو علة أو كان راعياً جاز في ليل يومه أو الليل الآتي . [1]
[1] يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين:
إحديهما: صورة الاختيار وعدم العذر. وقد ذكر في المتن أن وقت رميه من طلوع الشمس إلى الغروب. وفرّع عليه عدم جوازه في الليل اختياراً. وحكي عن الغنية والإصباح وجواهر القاضي: أن وقته بعد الزوال. بل عن الشيخ في الخلاف: إنه لا يجوز الرمي إلاّ بعد الزوال. مدعياً عليه إجماع الفرقة، مع أنه لا قائل به أصلا. بل ذكروا أن كلامه مخالف للإجماع. وعن مقنع الصدوق: إنه كلما قرب إلى الزوال فهو أفضل.
والدليل على ما اُفيد في المتن روايات معتبرة دالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.
منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إرم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(1).
ومنها: صحيحة منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(2).
- (1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح4.
(الصفحة 395)
ومنها: صحيحة زرارة وابن اُذينة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؟ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ياحكم أرأيت لو أنهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه احفظ علينا متاعنا حتى أرجع، أكان يفوته الرمي؟ هو والله ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(1).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك. وعليه فالأمر بالرمي في كل يوم عند زوال الشمس ـ كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ـ محمول على الاستحباب أو على التقية، لذهاب بعض فقهاء العامة بذلك.
ثانيتهما: صورة العذر ـ كالموارد المذكورة في المتن ـ فيجوز لهم الرمي في الليل. وقد وردت فيها روايات صحيحة:
منها: صحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة(2).
ومنها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلا(3).
ومنها: صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار في الليل ويضحي بالليل ويفيض بالليل(4).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على أن المعذور، ومن كان عليه المشقة ـ ولو من كثرة الزحام ـ يجوز له الرمي في الليل. فلا إشكال في أصل الحكم. إنما
- (1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح5.
- (3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح2.
- (4) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح4.
(الصفحة 396)
الكلام في أن المراد بالليل، هل هو خصوص الليل السابق على يومه ـ كما عرفت في النساء بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة ـ أو الأعم من الليل السابق واللاحق؟
فيه وجهان: بل قولان: حكي الثاني عن كاشف اللثام وصاحب الجواهر (قدس سرهما) لإطلاق الليل. وذهب إليه الماتن (قدس سره) لكن المحكي عن صاحب المدارك هو الأول. واختاره بعض الأعلام (قدس سره) نظراً إلى أن الروايات المجوزة للرمي في الليل ناظرة إلى أن تقديمه على وقته إنما هو ممنوع في حق المختار. وأمّا المعذور فيجوز له التقديم. ولا نظر لها إلى مطلق الليل. ويؤكده ما ورد في النساء بالاضافة إلى رمي جمرة العقبة. فليس لكلمة الليل إطلاق يشمل الليل اللاحق.
ويشهد له أيضاً صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة. فإن الإفاضة بالليل والخروج من منى شاهد على أن المراد هو الليل السابق. وعليه فلا يجوز للمريض المعذور التأخير إلى الليل اللاحق.
أقول: ويؤيده أن مثل الخائف الذي يجوز له الرمي في الليل، يكون غرض الشارع الإرفاق والتوسعة له. والتأخير عن الليل السابق مستلزم لبقائه في منى أكثر. مع أن المقصود التوسعة له، وهي لا تحصل إلاّ بالليل السابق، فتدبر; فما اختاره هو الصحيح.
فــرع
لو فرض أنه لا يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق، فهل يجوز له رمي جميع الجمارات في الليلة الاُولى، أو أن رمي كل يوم يقدم في ليلته؟