(الصفحة 399)
وقد عرفت أن صحيحة جميل وصحيحة محمد بن حمران المتقدمتين الواردتين في حجة الوداع الدالتين على الاجتزاء إذا قدم ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم، لا يستفاد منهما الضابطة الكلية; حتى بالاضافة إلى غير مناسك منى يوم النحر من أفعال الحج ومناسكه، فضلا عن مثل رمي الجمار الذي عرفت أنه ليس من أجزاء الحج، بل واجب مستقل بعد أعماله ومناسكه.
وصحيحة مسمع عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني، فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الاُولى، قال: يؤخر ما رمى بما رمى فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة(1).
والظاهر من السؤال وإن كان هو نسيان رمي الجمار رأساً، إلاّ أنه يستفاد من الجواب أن مراد السائل نسيان الترتيب المعتبر بين الجمار، والمقصود من قوله: «يؤخر ما رمى بما رمى» هو ما يظهر من الجملة المتفرعة.
وصحيحة الحلبي وحماد جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى وجمرة العقبة(2). بعد كون مراد السائل هو الرمي كذلك نسياناً، ضرورة عدم تحققه من العامد إلاّ قليلا ـ كما عرفت ـ .
ومن الواضح أن حديث الرفع قابل للتخصيص بالإضافة إلى جميع فقراته. ولذا ذكرنا أن حديث «لاتعاد» الوارد في الصلاة الدال على استثناء الاُمور الخمسة، يدل على البطلان فيها مطلقاً. ولا مجال لإجراء حديث الرفع ومثله أصلا. وقد ذكر بعض
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح3.
(الصفحة 400)في ما لو رمى بأربع حصيات
مسألة 5 ـ لو رمى الجمرة الاُولى بأربع حصيات ثم رمى الوسطى بأربع ثم اشتغل بالعقبة صح، وعليه إتمام الجميع بأي نحو شاء. لكن الأحوط لمن فعل ذلك عمداً الإعادة. وكذا جاز رمي المتقدمة بأربع ثم إتيان المتأخرة، فلا يجب التقديم بجميع الحصيات . [1]
الأعلام أن الجاهل ملحق بالناسي قطعاً.
[1] قال المحقق في الشرائع: ومن حصل له رمي أربع حصيات، ثم رمى على الجمرة الاُخرى حصل له الترتيب، قال في الجواهر بعده: وإلاّ فلا، بلا خلاف أجده فيه ـ كما اعترف به في الرياض ـ إلاّ من ظاهر المحكي عن علي بن بابويه، بل عن صريح الخلاف وظاهر التذكرة والمنتهى الإجماع عليه.
أقول: نسب إلى الحلي الإتمام، ولو رمى أقل من أربع. ونسب إلى والد الصدوق ـ علي بن بابويه القمي ـ أنه إنما يحكم بالصحة للسابقة إذا أكمل اللاحقة ورماها سبعاً. وإلاّ فمن أتى بالسابقة أربعاً وباللاحقة أربعاً أيضاً يحكم عليه بالفساد.
والعبارة المحكية عنه في محكي المختلف هكذا: «فإن جهلت ورميت الاُولى بسبع حصيات والثانية بست والثالثة بثلاث، فارم على الثانية بواحدة وأعد الثالثة، ومتى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله، ومتى جزت النصف فابن على ما رميت، وإذا رميت الجمرة الاُولى دون النصف فعليك أن تعيد الرمي إليها وإلى ما بعدها من أوله».
(الصفحة 401)
والظاهر أن المراد من تجاوز النصف وعدمه، هو بلوغ الأربع وعدمه. وقد مرّ في مسألة الطواف البحث في هذه الجهة، فراجع.
وكيف كان فالدليل على المقام ـ بعد كون مقتضى القاعدة الإعادة; لعدم حصول المأمور به على وجهه واعتبار الترتيب مطلقاً ـ النصوص الواردة في هذا المجال:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: وقال في رجل رمى الجمار، فرمى الاُولى بأربع والأخيرتين بسبع سبع، قال: يعود فيرمى الاُولى بثلاث وقد فرغ، وإن كان رمى الاُولى بثلاث ورمى الأخيرتين بسبع سبع، فليعد وليرمهن جميعاً بسبع سبع، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الاُخرى فليرم الوسطى بسبع، وإن كان رمى الوسطى بأربع، رجع فرمى بثلاث(1).
ومنها: صحيحة اُخرى لمعاوية بن عمار، ويحتمل قوياً أن تكون صدر الصحيحة السابقة لا رواية مستقلة، والتقطيع قد تحقق من صاحب الوسائل، كما أنه يحتمل قوياً أن تكون صحيحة ثالثة لمعاوية بن عمار، مذكورة في الباب السابع من أبواب العود إلى منى، مرتبطة بهذه الرواية، ويكون المجموع رواية واحدة.
وكيف كان فقد روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل رمى الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع، قال: يعيد فيرميهن جميعاً بسبع سبع قلت فان رمى الاولى باربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع قال: يرمي الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة العقبة بسبع، قلت: فإنه رمى الجمرة الاُولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع، قال: يعيد فيرمي الاُولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة(2).
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السادس، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السادس، ح2.
(الصفحة 402)
ومنها: الزيادة المذكورة في نقل صاحب المدارك، صحيحة حماد والحلبي جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى وجمرة العقبة(1). وهي: «فإن كان قد رمى الجمرة الاُولى أقل من أربع حصيات وأتم الأخيرتين، فليعد على الثلاث جمرات; وإن كان قد رمى من الاُولى أربعاً فليتم ذلك، ولا يعيد على الأخيرتين. وكذلك إن كان قد رمى من الثانية ثلاثاً فليعد عليها وعلى الثالثة، وإن كان قد رماها بأربع ورمى الثالثة بسبع فليتمها ولا يعيد الثالثة».
لكنه استظهر صاحب الجواهر (قدس سره) كون هذه الزيادة من كلام الشيخ ـ الناقل للرواية ـ لا من الرواية، قال: كما يظهر لك بالتأمل فيما في الكافي وما رواه في التهذيب عنه، ولعله لذا لم تذكر في الوافي والوسائل.
وكيف كان فلا يبقى بملاحظة النصوص والروايات الوجه في صحة ما أفاده المشهور وأنه لا مجال لخلافها.
نعم يبقى الكلام في أن الحكم هل يشمل العامد، أو يختص بغيره من الناسي والجاهل؟
استظهر من عبارة شرايع المحقق المتقدمة ومن النافع والمحكي عن المبسوط والخلاف والجامع والتحرير والتلخيص واللمعة الأول. خلافاً للفاضل في جمع من كتبه والشهيدين في الدروس واللمعة حيث قيدوه بالناسي، بل عن الحدائق نسبة التقييد به وبالجاهل إلى الأصحاب، وإن ذكر صاحب الجواهر: وإن كنّا لم نتحققه في الثاني، نعم ألحقه الشهيدان منهم بالناسي.
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح3.
(الصفحة 403)
وقد استدل العلامة للاختصاص بأن الأكثر إنما يقوم مقام الكل مع النسيان، وردّ بأنه مصادرة وإعادة للمدعى. وعن الروضة الاستدلال له بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل الأربع لا مطلقاً، وإن ضعف أيضاً بأنه اجتهاد في مقابل النص.
أقـول: بعد قيام الدليل على أن الواجب في رمي كل جمرة هو السبع، وبعد قيام الدليل أيضاً على اعتبار الترتيب في رمي الجمار، لابد من ملاحظة أن الروايات التي هي الأساس في محل البحث، هل تشمل العالم العامد أيضاً أم لا؟
ودعوى عدم الشمول للعامد لندرته فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه الجواب، مدفوعة، بأنها أيضاً مصادرة. لأن الندرة ممنوعة مع فرض الشمول، لأن العالم العامد لا يتحقق العمل الفاسد نوعاً، وأما العمل الصحيح فلا.
فالحق أن يقال: إن التعبير في قول الراوي وسؤاله بكلمة «رمى» التي ترجع إلى السؤال عن العمل الواقع، والرمي المتحقق في السابق، مع أن الداعي إلى السؤال ومحط نظر السائل هي الصحة، بالإضافة إلى العمل الواقع وعدمها، يقتضي أن يكون مورد السؤال غير صورة العمد الذي تحققت فيها المخالفة للترتيب المأمور به قطعاً.
وبعبارة اُخرى، قد عرفت أن مقتضى القاعدة الأولية في المقام هو الفساد، لأن المأتي به لا يكون موافقاً للمأمور به قطعاً. وحيث إن مورد السؤال هو صحة الرمي الواقع والعمل المتحقق. ومن الواضح أن قيام الأكثر مقام الكل أمر قد تحقق بمثل هذه الروايات. فلا مجال لدعوى الشمول للعالم العامد بعد عدم ثبوت القيام قبلها.
ولذا ذكر الماتن (قدس سره) أن مقتضى الاحتياط الوجوبي في صورة العمد الإعادة والاستيناف رأساً، وإن كان ذيل عبارته لعله يدل على الصحة مع العمد، إلاّ أنه لا