(الصفحة 402)
ومنها: الزيادة المذكورة في نقل صاحب المدارك، صحيحة حماد والحلبي جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى وجمرة العقبة(1). وهي: «فإن كان قد رمى الجمرة الاُولى أقل من أربع حصيات وأتم الأخيرتين، فليعد على الثلاث جمرات; وإن كان قد رمى من الاُولى أربعاً فليتم ذلك، ولا يعيد على الأخيرتين. وكذلك إن كان قد رمى من الثانية ثلاثاً فليعد عليها وعلى الثالثة، وإن كان قد رماها بأربع ورمى الثالثة بسبع فليتمها ولا يعيد الثالثة».
لكنه استظهر صاحب الجواهر (قدس سره) كون هذه الزيادة من كلام الشيخ ـ الناقل للرواية ـ لا من الرواية، قال: كما يظهر لك بالتأمل فيما في الكافي وما رواه في التهذيب عنه، ولعله لذا لم تذكر في الوافي والوسائل.
وكيف كان فلا يبقى بملاحظة النصوص والروايات الوجه في صحة ما أفاده المشهور وأنه لا مجال لخلافها.
نعم يبقى الكلام في أن الحكم هل يشمل العامد، أو يختص بغيره من الناسي والجاهل؟
استظهر من عبارة شرايع المحقق المتقدمة ومن النافع والمحكي عن المبسوط والخلاف والجامع والتحرير والتلخيص واللمعة الأول. خلافاً للفاضل في جمع من كتبه والشهيدين في الدروس واللمعة حيث قيدوه بالناسي، بل عن الحدائق نسبة التقييد به وبالجاهل إلى الأصحاب، وإن ذكر صاحب الجواهر: وإن كنّا لم نتحققه في الثاني، نعم ألحقه الشهيدان منهم بالناسي.
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح3.
(الصفحة 403)
وقد استدل العلامة للاختصاص بأن الأكثر إنما يقوم مقام الكل مع النسيان، وردّ بأنه مصادرة وإعادة للمدعى. وعن الروضة الاستدلال له بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل الأربع لا مطلقاً، وإن ضعف أيضاً بأنه اجتهاد في مقابل النص.
أقـول: بعد قيام الدليل على أن الواجب في رمي كل جمرة هو السبع، وبعد قيام الدليل أيضاً على اعتبار الترتيب في رمي الجمار، لابد من ملاحظة أن الروايات التي هي الأساس في محل البحث، هل تشمل العالم العامد أيضاً أم لا؟
ودعوى عدم الشمول للعامد لندرته فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه الجواب، مدفوعة، بأنها أيضاً مصادرة. لأن الندرة ممنوعة مع فرض الشمول، لأن العالم العامد لا يتحقق العمل الفاسد نوعاً، وأما العمل الصحيح فلا.
فالحق أن يقال: إن التعبير في قول الراوي وسؤاله بكلمة «رمى» التي ترجع إلى السؤال عن العمل الواقع، والرمي المتحقق في السابق، مع أن الداعي إلى السؤال ومحط نظر السائل هي الصحة، بالإضافة إلى العمل الواقع وعدمها، يقتضي أن يكون مورد السؤال غير صورة العمد الذي تحققت فيها المخالفة للترتيب المأمور به قطعاً.
وبعبارة اُخرى، قد عرفت أن مقتضى القاعدة الأولية في المقام هو الفساد، لأن المأتي به لا يكون موافقاً للمأمور به قطعاً. وحيث إن مورد السؤال هو صحة الرمي الواقع والعمل المتحقق. ومن الواضح أن قيام الأكثر مقام الكل أمر قد تحقق بمثل هذه الروايات. فلا مجال لدعوى الشمول للعالم العامد بعد عدم ثبوت القيام قبلها.
ولذا ذكر الماتن (قدس سره) أن مقتضى الاحتياط الوجوبي في صورة العمد الإعادة والاستيناف رأساً، وإن كان ذيل عبارته لعله يدل على الصحة مع العمد، إلاّ أنه لا
(الصفحة 404)في ما لو نسي رمي الجمار
مسألة 6 ـ لو نسي الرمي من يوم، قضاه في اليوم الآخر، ولو نسي من يومين، قضاهما في اليوم الثالث. وكذا لو ترك عمداً. ويجب تقديم القضاء على الأداء وتقديم الأقدم قضاء، فلو ترك إلى يوم العيد وبعده، أتى يوم الثاني عشر أولا بوظيفة العيد ثم بوظيفة الحادي عشر ثم الثاني عشر.
وبالجملة يعتبر الترتيب في القضاء ـ كما في الأداء ـ في تمام الجمار وفي بعضها. فلو ترك بعضها كجمرة الاُولى ـ مثلا ـ وتذكر في اليوم الآخر، أتى بوظيفة اليوم السابق مرتبة، ثم بوظيفة اليوم. بل الأحوط فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات فتذكر في اليوم الآخر، أن يقدم القضاء على الأداء وأقدم قضاءاً على غيره . [1]
يجتمع مع ذلك الاحتياط الوجوبي أصلا. ولذا أوردنا عليه في الحاشية: أن مقتضاه الصحة مع العمد. وهو لا يجتمع مع الاحتياط الوجوبي بالإعادة على العامد، فتدبر.
[1]
يدل على أصل وجوب قضاء الرمي المنسي في اليوم الآخر، وكذا لزوم مراعاة الترتيب في الرمي القضائي أيضاً روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: قلت الرجل ينكس في رمي الجمار، فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة، وإن كان من الغد.(1)
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 4 .
(الصفحة 405)
فإن مورد السؤال إما صورة النسيان أو الجهل وقوله «وإن كان من الغد» ظاهر في وجوب القضاء ولزوم الترتيب في الرمي القضائي. ويستفاد منه حكم صورة نسيان أصل الرمي في يوم، وإطلاق قوله «من الغد» يشمل اليوم الثالث عشر بالإضافة إلى اليوم الذي بعده وإن كان هو اليوم الرابع عشر، ويحتمل قوياً أن تكون الرواية قطعة من رواية معاوية بن عمار المفصلة ـ كما عرفت نظيرها ـ .
ثم إن المشهور قد التزموا بتقديم القضاء على الأداء، بل ادعى الإجماع على ذلك، وحكموا بأن الإتيان بالقضاء بكرة وبالأداء عند الزوال مستحب. واستدلوا عليه بصحيحة ابن سنان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين: مرة لما فاته والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه، وليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة وهي للأمس والاُخرى عند زوال الشمس(1).
وبملاحظة الروايات الدالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى الغروب، يستفاد أن الحكم بالتفريق في الرمي القضائي، وكذا كون القضائي أول النهار والأدائي عند زوال الشمس حكم استحبابي، ولا يلازم استحباب أصل القضاء مع أن التفريق المستحب بالنحو المذكور استحبابي إجماعاً.
نعم يرد على الاستدلال بها: أنها واردة في رمي جمرة العقبة الذي هو من أعمال منى ومناسكه وجزء من أجزاء الحج، بخلاف رمي الجمار الذي عرفت أنه خارج عن أجزاء الحج، والتقديم في جزء الحج على ما ليس جزء له هو مقتضى القاعدة،
- (1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح1.
(الصفحة 406)في مالو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة
مسألة 7 ـ لو رمى على خلاف الترتيب وتذكر في يوم آخر، أعاد حتى يحصل الترتيب، ثم يأتي بوظيفة اليوم الحاضر . [1]
ولا حاجة فيه إلى الرواية، بخلاف المقام. فكيف يمكن التعدي من ذلك إلى رمي الجمار، والحكم بأن قضاء اليوم الحادي عشر مع نسيان الرمي فيه مقدم على الأداء في اليوم الثاني عشر، مع كونهما بنحو واحد في الخروج عن أعمال الحج وعدم كونه جزءاً من أجزائه؟ اللهم إلاّ مع إلغاء الخصوصية من هذه الجهة. ويؤيده اشتراك الرميين في الشرائط والخصوصيات الاُخرى.
نعم فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات وتذكر في اليوم الآخر، يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي ـ كما في المتن ـ تقديم القضاء على الأداء، وتقديم الأقدم قضاءاً على غيره. فالحكم في مثله بل في أصله مبني على الاحتياط، من دون أن يكون عليه دليل واضح; فتدبر.
[1]
قد تقدم البحث عن خلاف الترتيب نسياناً، وكذا الترتيب بين القضاء والأداء في المباحث السابقة، ولا حاجة إلى الإعادة، فراجع.