(الصفحة 419)
3 ـ تعين مكان ذبح هدي المحصور بمكة في إحرام العمرة وبمنى في إحرام الحج، بخلاف المصدود الذي يذبح حيث وجد المانع.
4 ـ افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي، بخلاف المصدود فإن فيه قولين.
5 ـ تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه، بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف.
6 ـ كون فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعين تعجيل التحلل، بخلاف المصدود الذي فيه الخلاف في أنه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة لا رخصة أو مجرد التعبد؟ انتهى.
أقول: سيظهر الاختلاف في هذه الأحكام في المسائل الآتية، إن شاء الله تعالى.
(الصفحة 420)في حكم المصدود
مسألة 2 ـ من أحرم للعمرة أو الحج يجب عليه الإتمام، ولو لم يتم بقي على إحرامه، فلو أحرم للعمرة فمنعه عدوّ أو نحوه ـ كعمّال الدولة أو غيرهم ـ من الذهاب إلى مكة، ولم يكن طريق غير ما صدّ عنه، أو كان ولم يكن له مؤونة الذهاب منه، يجوز له التحلل من كل ما حرم عليه بأن يذبح في مكانه بقرة أو شاة أو ينحر إبلا، والأحوط قصد التحلل بذلك، وكذا الأحوط التقصير، فيحل له كل شيء حتى النساء . [1]
[1] أما وجوب إتمام العمرة أو الحج إذا شرع فيهما وتلبس بإحرامهما وأنه لو لم يتم بقي على إحرامه، فلتسالم الأصحاب عليه ظاهراً، وإن كانا استحبابيين، ولقوله تعالى:
(وَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله...) (1) وهو بإطلاقه لا يختص بالواجب، مضافاً إلى عدم وجوب العمرة أصلا، إلاّ بالإضافة إلى حجة الإسلام، لمن كان واجبه التمتع أو العمرة المفردة، بالإضافة إلى غيره ـ وقد مر ـ .
وأما المصدود عن إتمام العمرة التي تلبس بها مع عدم إمكان الوصول إلى مكة، إما لأنه لا يكون طريق غير ما صدّ عنه، أو لأنه لا يكون له مؤونة الذهاب إليه. فالمعروف بين أصحابنا، بل المدعى عليه الإجماع أنه يجب عليه الذبح أو النحر في مكانه.
والمحكي عن ابني بابويه وإدريس عدم الوجوب، وأنه يتحلل بمجرد العجز،
- (1) سورة البقرة (2): 196 .
(الصفحة 421)
ولايجب عليه الذبح أو النحر، بل ربما يكون هذا كاشفاً عن بطلان إحرامه; لأنه لا يتمكن من الإتمام بالطواف والسعي والتقصير. وربما يجعل هذا مطابقاً للقاعدة، مع قطع النظر عن الكتاب والرواية. لأن وجوب الذبح أو النحر يدفعه إصالة عدم الوجوب إذا شك فيه.
لكن الكتاب والرواية يخالفان للقاعدة ويحكمان بالوجوب.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى:
(... فَإنْ اُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي...) (1) نظراً إلى أن الحصر لغةً بمعنى المنع، ولا يكون موضوعاً للحصر بالمرض خاصة. بل معناه اللغوي مطلق الحصر والمنع وإن كان بسبب العدو. ومنه قوله تعالى:
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ اُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ...) (2)، أو إلى أن الآية وردت كما في الرواية التي مرت آنفة في صد المشركين لرسول الله في الحديبية، فإنه (صلى الله عليه وآله) نحر في مكانه ورجع. مضافاً إلى أن قوله تعالى في وسط الآية
(... فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ بِهِ أذىً مِنْ رَأسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيام أوْ صَدَقَة أوْ نُسُك...) (3) يدل على أن الحصر المفروض في الفوق وأول الآية لا يكون مختصاً بالمرض، وإلاّ فلا يلتئم مع هذا القول بوجه.
نعم هنا رواية رواها حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: مر رسول الله على كعب بن عجرة الأنصاري، والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم، فقال: أتؤذيك هوامك؟ فقال: نعم. قال: فأنزلت هذه الآية:
(... فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ بِهِ أَذَىً مِنْ رَأسِهِ فَفِدْيَةٌ
- (1) سورة البقرة (2): 196 .
- (2) سورة البقرة (2): 273 .
- (3) سورة البقرة (2): 196 .
(الصفحة 422)
مِنْ صِيام أوْ صَدَقَة أوْ نُسُك...) (1) فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحلق رأسه، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام، والصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان، والنسك شاة. قال: وقال أبو عبدالله (عليه السلام) وكل شيء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار، يختار ما شاء. وكل شيء في القرآن (فمن لم يجد) فعليه كذا، فالأول بالخيار(2).
ويظهر من هذه الرواية عدم كون
(... فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ بِهِ أذىً مِنْ رَأسِهِ...) (3) جزءاً وبعضاً من الآية التي واقعة هي في وسطها، بل آية مستقلة. فلا يصير قرينة على أن المراد بالحصر المفروض في الصدر أعم من المرض. ولكن الرواية ـ مضافاً إلى أنها لا تعلم كونها مسندة أو مرسلة، فلا يجوز الاعتماد عليها من هذه الجهة ـ تكون مخالفة للقرآن الذي يكون الآية شاملة له أيضاً.
وأمّا السنة فروايات:
منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء. والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوماً فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه، قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحلّ فأتى النساء؟ قال: فليعد وليس عليه شيء، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث(4).
ومن المعلوم أن الجملة الفعلية تدل على الوجوب بل بنحو أظهر وآكد، ـ كما قد قرر في الاُصول ـ والتعبير بالذبح لا يكون مقابلا للنحر. كما يؤيده التعبير بالهدي
- (1)
نفس المصدر.
- (2) الوسائل: أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح1.
- (3) سورة البقرة (2): 196 .
- (4) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح5.
(الصفحة 423)
الذي هو أعم ـ كما مر ـ .
ومنها: بعض الروايات الحاكية لفعل النبي (صلى الله عليه وآله) حين صدّه المشركون عن الحج في الحديبية، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يرسل بالهدي تطوعاً، قال: يواعد أصحابه يوماً يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنب المحرم إلى يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه. فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة(1).
ومن المعلوم أن الحاكي لفعل الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا كان هو الإمام المعصوم (عليه السلام) ، وكان الغرض من حكايته بيان الحكم بهذا النحو، لا مجال لحمل الفعل على الاستحباب أو احتمال كونه محمولا عليه، ما لم يقم قرينة على ذلك; وإن كان فعل الرسول في نفسه محتملا لذلك ـ كما لا يخفى ـ إلاّ أن يقال بأن الكلام في الصدّ عن العمرة لا الحج.
ومنها: غير ذلك من الروايات. فلا مجال بملاحظة الكتاب والسنة في الإشكال على الوجوب ولزوم الهدي.
بقي في هذه المسألة اُمور ينبغي التعرض لها:
الأول: محل الذبح ومكانه.
صريح بعض الفتاوى والنصوص وظاهر غيره، إنه محل صدّه، وإن كان خارج الحرم ولا يجب عليه البعث. خلافاً للمحكي عن أبي الصلاح وغيره من بعض آخر من إنفاذه كالمحصور، ويبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ويذبح يوم النحر.
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب التاسع، ح5.