(الصفحة 425)
وبالجملة فالظاهر تعين الذبح حين ما صدّ في العمرة التي هي محل البحث فعلا، ولا مجال للبعث بوجه بعد عدم دلالة دليل عليه، بل كما أفاد بعض الأعلام (قدس سره) نقول: بأنه لا دليل على لزوم البعث، بل يذبح حيث شاء ولو في بلاده. لأن عدم وجوب الذبح في مكان الصد لا يقتضي الوجوب في مكان آخر، بل له أن يذبح في أي مكان شاء.
الثاني: زمان الذبح أو النحر.
ظاهر الصحيحة المتقدمة ان زمانه يتحقق بمجرد تحقق عنوان الصد والمصدود، ولا يتحقق ضيق الوقت هنا بالإضافة إلى العمرة المفردة التي عرفت أن لكل شهر عمرة أصلا. نعم يمكن تصويره بالإضافة إلى عمرة التمتع التي يبقى وقتها إلى حصول ضيق وقت الحج ـ كما عرفت أيضاً ـ فبملاحظة ما ذكرنا في كلتا العمرتين يظهر حكم المسألة، فتدبر.
الثالث: ظاهر عبارة الماتن (قدس سره) أن مقتضى الاحتياط الوجوبي قصد تحلل المصدود عن العمرة بذبح ما يذبحه أو نحر ما ينحره. مع أن التحلل ـ على ما عرفت ـ من مواطنه المتعددة كان يحصل قهراً من دون حاجة إلى نية. فبالتقصير في العمرة وبه أو بالحلق في الحج كان يحصل التحلل وإن لم يقصده.
ويظهر من المحقق في الشرائع اعتبار نيته جزماً. حيث قال: ولا يتحلل إلاّ بعد الهدي ونية التحلل. وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) كما صرّح به الشيخ وابن حمزة والحلي ويحيى بن سعيد والفاضل وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، وليس لاعتبارها دليل قوي، واشتراك الذبح أو النحر بين المأمور به وبين غيره. وإن كان يقتضي
(الصفحة 426)
اعتبار قصد كونه مربوطاً بالصد والمصدودية الحاصلة. إلاّ أنه لا يقتضي اعتبار النية في حصول التحلل بعد عدم اعتبارها لا في الحج ولا في العمرة.
فلا دليل على الاعتبار إلاّ الخروج عن مخالفة المذكورين فلا سبيل لاعتبارها إلاّ على نحو الاحتياط ـ كما في المتن ـ .
الرابع: ظاهر الفاضل في محكي القواعد اعتبار التقصير مضافاً إلى ما مرّ، كما أن ظاهر ما حكي عن المراسم والغنية والكافي التخيير بينه وبين الحلق في أحد النقلين عن الأخيرين، وفي آخر تعين الحلق. نعم عن الشهيدين التخيير.
وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنه لا دليل معتبر على التعيين لأحدهما ولا على التخيير عدا رواية عامية بحلقه (صلى الله عليه وآله) يوم الحديبية، ذكرها البيهقي في سننه وهي غير ثابتة. بل في بعض الروايات التقصير مكان الحلق، مثل:
رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين صدّ بالحديبية قصّر وأحلّ ونحر ثم انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك. فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير(1).
والمراد بالجملة الأخيرة هو المصدود. والتعبير بالمحصور إنما هو بتبع الآية الشريفة. وفي سند الرواية سهل بن زياد. ويكون أكثر الروايات الحاكية لعمل النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الحديبية خالية عن الحلق والتقصير معاً. مع أن في بعض الروايات دلالة على العدم. مثل:
رواية الفضل بن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل عرض له
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب السادس، ح1.
(الصفحة 427)
سلطان، فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلّى سبيله. كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق، ولا شيء عليه، قلت: فإن خلي عنه يوم النفر، كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحج، إن كان دخل متمتعاً بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعاً ثم يسعى أسبوعاً ويحلق رأسه ويذبح شاة، فإن كان مفرداً للحج فليس عليه ذبح ولا شيء عليه(1).
لكن الرواية كما ترى. فانقدح انه لا دليل على اعتبار الحلق أو التقصير في المصدود عن العمرة الذي هو محل البحث في المقام فعلا، لكن مقتضى الاحتياط ـ كما في المتن ـ رعاية التقصير. ولا مجال لاجراء الاستصحاب بعد تغير الحال بالمصدودية ـ كما لا يخفى ـ .
الخامس: لا إشكال ولا خلاف في تحقق الصد عن العمرة بالمنع عن دخول المحرم لمكة الطيبة. وهل تتحقق المصدودية بالمنع عن فعل الطواف والسعي بعد الوصول ودخول مكة أم لا؟
فيه وجهان، استظهر صاحب الجواهر (قدس سره) ذلك أيضاً. فليس المصدودية عن العمرة منحصرة بما إذا منع العدوّ أو شبهه من الذهاب إلى مكة، بل يشمله ومن وصل ومنع من فعل الطواف والسعي ـ كما لا يخفى ـ .
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الثالث، ح3.
(الصفحة 428)في المصدود عن العمرة
مسألة 3 ـ لو دخل بإحرام العمرة مكة المعظمة ومنعه العدوّ أو غيره عن أعمال العمرة، فحكمه ما مرّ فيتحلل بما ذكر، بل لا يبعد ذلك لو منعه من الطواف أو السعي، ولو حبسه ظالم أو حبس لأجل الدين الذي لم يتمكن من أدائه كان حكمه ما تقدم . [1]
مسألة 4 ـ لو أحرم وطالبه ظالم لدخول مكة أو لإتيان النسك ما يتمكن من أدائه، يجب إلاّ أن يكون حرجاً. ولو لم يتمكن أو كان حرجاً عليه، فالظاهر أنه بحكم المصدود [2] .
[1] قد تقدم البحث في هذه المسألة في الأمر الخامس من الاُمور الخمسة في المسألة السابقة. نعم لم يقع التعرض لحبس الظالم أو لحبس الدين الذي لا يتمكن من أدائه. والظاهر أنه لا فرق بين حبس السلطان والظالم. كما أنه لا فرق بين أن يكون منشأ المنع الدين أو غيره. وقد مرّ أن المصدود لا ينحصر بما إذا كان المانع هو العدوّ، بل يشمل ما إذا منعه السيل ونحوه.
[2] ظهر مما مر أن جريان حكم المصدود ينحصر بصورة المنع عن دخول مكة رأساً أو عن الأعمال فيها. وأمّا إذا طالب الظالم مالا يتمكن من أدائه ولا يكون حرجاً عليه، لا يكون من مصاديق المصدود، نعم بحكمه فيما إذا لم يتمكن أو كان حرجاً عليه. والسر عدم تحقق عنوان المصدود في الصورة الاُولى دون الثانية.
(الصفحة 429)في ما لو كان له طريق غير ما صدّ عنه
مسألة 5 ـ لو كان له طريق إلى مكة غير ما صدّ عنه، وكانت له مؤونة الذهاب منها بقي على الإحرام ويجب الذهاب إلى الحج. فإن فات منه الحج يأتي بأعمال العمرة المفردة ويتحلل، ولو خاف في المفروض عدم إدراك الحج، لا يتحلل بعمل المصدود، بل لابد من الإدامة، ويتحلل بعد حصول الفوت بعمل العمرة المفردة . [1]
[1] قد وقع في هذه المسألة الخلط بين المصدود عن العمرة والمصدود عن الحج. والكلام الآن في الفرض الأول.
فإن المصدود عن العمرة ممنوع بعد التلبس بالإحرام، إما عن دخول مكة أو عن إتيان مناسك العمرة فيها.
وأمّا المصدود عن الحج فهو ممنوع عنه رأساً أو عن جملة من أركانه، ولا يكون ممنوعاً عن دخول مكة.
وقد عرفت وقوع الخلط بينهما في كثير من الكلمات والعبارات. واللازم التأمل وعدم الاختلاط بين الأمرين.