(الصفحة 440)
قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء تكون حاله؟ وأي شيء عليه؟ قال: هو حلال من كل شيء، قلت: من النساء والثياب والطيب؟ فقال: نعم، من جميع ما يحرم على المحرم، وقال: أما بلغك قول أبي عبدالله (عليه السلام) حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ؟ قلت: أخبرني عن المحصور والمصدود هما سواء؟ فقال لا; ...(1).
واُجيب عن الاستدلال الأول بما حاصله عدم توقف الحلية على طواف النساء مطلقاً; بل الدليل دل على حرمة النساء بالإحرام وحليتهن تختلف باختلاف المورد. فترى في عمرة التمتع عدم ثبوت طواف النساء أصلا، إلاّ بنحو الاستحباب; مع أن الحلية تثبت بالإضافة إليهن بالتقصير بعد الطواف والسعي.
وعن الاستدلال برواية البزنطي تارة بما عن صاحب الجواهر (قدس سره) من انعقاد الإجماع على الإحلال بطواف النساء، واُخرى بالمعارضة مع صحيحة معاوية بن عمار الدالة على أن المحصور لا تحل له النساء. فلابد من حمل رواية البزنطي على التقية.
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) في هذا المقام ما محصله أنه لا معارضة بين الروايتين أصلا; لأن رواية البزنطي تدل على حلية النساء بالحصر مطلقاً، من دون فرق بين العمرة المفردة وبين عمرة التمتع وبين الحج، لأن السؤال فيها عن انكسار الساق في حالة الإحرام، وهو يشمل جميع الأقسام الثلاثة. لكن لابد من رفع اليد عن الإطلاق، لأجل صحيحة معاوية بن عمار الحاكية لعمرة الحسين (عليه السلام) فالعمرة المفردة
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح4.
(الصفحة 441)
خارجة عن إطلاق صحيح البزنطي، إذاً تنقلب النسبة بين صحيحة معاوية بن عمار الدالة على أن المحصور لا تحل له النساء، وبين صحيحة البزنطي إلى العموم والخصوص، بعد ما كانت النسبة التباين; فالنتيجة تكون عمرة التمتع داخلة في إطلاق صحيحة البزنطي.
أقول: ـ مضافاً إلى ما عرفت من الاختلاف في حكاية عمرة الحسين (عليه السلام) وأن الالتزام بتعدد الواقعة مشكل; وأن القدر المتيقن صورة سياق الهدي في إحرام العمرة المفردة. ـ معنى قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار: «المحصور لا يحل له النساء»،، هو مجرد الفرق بين المحصور وبين المصدود الذي ابتلى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة الحديبية; وإلاّ فلا يراد ما هو ظاهره من أن المحصور لا تحل له النساء أبداً; بل المقصود توقف الحلية على شيء آخر غير الذبح أو النحر أو البعث والإرسال والمواعدة. اللهم إلاّ إن يقال: ان الإطلاق إنما هو بالإضافة إلى جميع الأقسام الثلاثة، ولا ينبغي الإنكار من هذه الجهة; إذاً فانقلاب النسبة من التباين إلى العموم والخصوص بحاله.
وكيف كان فلم يثبت انحصار عمرة التمتع بشيء، كما قال به الشهيد في الدروس وبعض من تأخر عنه، لما عرفت.
الخامسة: ظاهر المتن تعين التقصير في حصول الحلية في الإحصار في العمرة المفردة وعمرة التمتع; كما هو الحكم في أصل العمرة. فإن الحلق على تقدير تعينه أو جوازه، إنما يكون مورده الحج لا العمرة مطلقاً. ويدل عليه روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار ـ الطويلة الواردة في الإحصار ـ المشتملة على
(الصفحة 442)
قوله (عليه السلام) : وإن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحلّ...(1).
ومنها: رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين صد بالحديبية قصر وأحل ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير.(2)
ومنها: غير ذلك من الروايات; لكن في كلتا الروايتين لفعل الحسين (عليه السلام) في صورة الإحصار حلق الشعر بدل التقصير.
فهل هذا لأجل تعينه أو لأجل جوازه لكونه أحد طرفي الواجب التخييري؟ الظاهر هو الثاني، خصوصاً بعد ما عرفت من عدم ثبوت الحلق بنحو التعيين في أصل العمرة مطلقاً، ولو كانت مفردة، فالأحوط حينئذ التقصير.
السادسة: أفاد في المتن أن مقتضى الاحتياط الوجوبي قصد النائب تحلل المنوب عنه عند الذبح أو النحر;وهو مبني على اعتبار نية تحلل المنوب عنه بنفسه أولا ـ وقد تقدم ما فيه ـ واعتبار نية النائب وقصده، مع أن اللازم في مثله أن ينوي النائب، بحيث يتعين عمله بعنوان النيابة وصيرورته للمنوب عنه; وأمّا قصد التحلل بذلك، فلا دليل عليه; وقد مرّ في مسألة اعتبار كون الذابح إمامياً ما ينفع المقام; فراجع.
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الثاني، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب السادس، ح 1 .
(الصفحة 443)في الإحصار في الحج
مسألة 10 ـ لو أحرم بالحج ولم يتمكن بواسطة المرض عن الوصول إلى عرفات والمشعر وأراد التحلل، يجب عليه الهدي; والأحوط بعثه أو بعث ثمنه إلى منى للذبح، وواعد أن يذبح يوم العيد بمنى; فإذا ذبح يتحلل من كل شيء إلاّ النساء . [1]
[1] قد مرّ أن كثيراً من الروايات الواردة في المحصر لا تختص بالعمرة; بل هي إما مطلقة شاملة للحج، وإما بقرينة ذيلها الدال على أنه إن كان في حج يتحقق الذبح أو النحر بمنى، وإن كان في عمرة يتحقق في مكة; يعلم شمولها للحج أيضاً. نعم الروايتان الحاكيتان لفعل الحسين (عليه السلام) قد وردنا في خصوص العمرة المفردة.
وعلى ما ذكرنا فالبحث في أن الهدي الواجب يكون الاحتياط في بعثه أو بعث ثمنه هو البحث المتقدم، إلاّ أن الروايتين الحاكيتين صريحتان في نحر الهدي الذي دعاه علي (عليه السلام) أو ساقه الحسين في العمرة في مكان الإحصار وعدم التمكن بواسطة المرض; وعليه فالاحتياط هنا آكد وأشد; بل قويناه في التعليقة.
والذي ينبغي التعرض له هو ما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) مما حاصله أن المحصور في الحج إن تم إجماع على توقف التحلل فيه من النساء على إتيان العمرة المفردة، فهو، فيخرج الحصر في الحج من صحيح البزنطي ـ المتقدم الظاهر في حصول التحلل من كل شيء بمجرد الإتيان بأعمال الإحصار ـ . وإن لم يتم الإجماع، فيدخل الحج في صحيح البزنطي، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح معاوية بن عمار: «المحصور لا تحل له النساء» العمرة المفردة فقط.
(الصفحة 444)في ما لو كان المحصر عليه حج واجب
مسألة 11 ـ لو كان عليه حج واجب فحصر بمرض، لم يتحلل من النساء، إلاّ أن يأتي بأعمال الحج وطواف النساء في القابل. ولو عجز عن ذلك لا يبعد كفاية الاستنابة، ويتحلل بعد عمل النائب; ولو كان حجه مستحباً لا يبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلل عنها، والأحوط إتيانه بنفسه . [1]
أقول: إذا فرضت تمامية الإجماع ـ كما هو الظاهر ـ كما يظهر من الجواهر، حيث حكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، وقد أيده بقوله: وهو كذلك، والمفروض خروج العمرة المفردة التي لا تكون النساء فيها حلالا بذبح الهدي أو نحره والتقصير أو الحلق، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح البزنطي، هو خصوص عمرة التمتع على مبنى غير الشهيد في الدروس وبعض من تأخر عنه، وهو بعيد. ولذا ذكر صاحب الوسائل (قدس سره) بعد نقله: أقول هذا محمول على من استناب في طواف النساء وطيف عنه. ولا مانع من الالتزام بإعراض الأصحاب عنه; بل في أحد نقليه سهل بن زياد، وإن لم يكن منفرداً في طبقته، فتدبر.
[1] قال المحقق في الشرايع: فإذا بلغ قصّر وأحلّ إلاّ من النساء خاصة، حتى يحج في القابل إن كان واجباً، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعاً. وقال صاحب الجواهر (قدس سره) بعده: بلا خلاف معتد به أجده في شيء من ذلك. بل عن المنتهى نسبته إلى