(الصفحة 45)
والنساء وحلّية الأوّل متوقفة على الطواف والسعي، والثاني من محرمات الحرم، والثالث يرتفع بطواف النساء. وبالجملة فحصول الإحلال بعد السّعي ومواقعة النساء بعد الإحلال إنّما يكون مرتبطاً بالسعي في عمرة التمتع، ولذا فهم المحقق في الشرايع في عبارته المتقدمة من هذه الرّواية عنوان التمتع. فقال: ولو كان متمتعاً بالعمرة....».
مع انّ الإطلاق موجب للإشكال في الرّواية من جهة أنّ وقوع المواقعة وإن كان في حال عدم الإلتفات إلى نقصان السّعي، إلاَّ أن وقوعها قبل طواف النساء إنّما يكون مع الإلتفات واللازم ـ حينئذ ـ ثبوت كفارة البدنة، لما مرّ في بحث الجماع من محرمات الإحرام. إن كفارته إذا وقع قبل الطواف المذكور هي البدنة. مع أنّ ظاهر الرواية عن ثبوت غير كفارة البقرة. ولذا حكي عن المحقق في النكت احتمال أن يكون المراد إنه طاف طواف النّساء ثم واقع لظنّه إتمام السّعي. كما أنه حكي عن المختلف احتمال أن يكون قد قدّم طواف النساء على السّعي لعذر.
ومن الظاهر ان الحمل على عمرة التمتع ـ كما هو الظاهر بقرنية ما ذكرنا ـ يوجب عدم توجه الإشكال وعدم وروده حتى يحتاج إلى دفعه بمثل ما ذكر ممّا يكون خلاف الظاهر جدّاً. هذا من ناحية.
وأمّا من الناحسة الأخرى فربما يقال بعدم كون هذه الرواية مرتبطة بالمقام، نظراً إلى أن الموجب للكفارة فيها إنّما هو الخروج من السعي غير قاطع ولا متيقن لإتمامه، بل خرج منه عن ظنّ منه. ومن المعلوم إنّه لا يجوز أن يخرج منه مع الظن. بل اللاّزم الخروج مع القطع واليقين. فالرواية غير واردة ي الناسي الذي هو
(الصفحة 46)
المبحوث عنه في المسألة.
هذا ولكن الظاهر بطلان هذا القول. لأنّ منشأه استعمال كلمة «الظن» في السؤال مع ان الظاهر ان المراد منه هو الاعتقاد القطعي واستعمال الظنّ في هذا المعنى شايع حتى في الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى: (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) ويدل عليه في خصوص مورد الرواية تفريع التذكر عليه وهو لا يلائم الظنّ المصطلح في قبال اليقين. فإن اتذكر فرع النسيان. فالإشكال في الرواية من هذه الجهة لا وجه له أصلا.
وبعد ذلك يقع الكلام في الجمع بين مفاد الروايتين. حيث إن ظاهر الصحيحة ثبوت الكفارة بعد الإحلال وإن لم يتحقق منه مواقعة النساء. وظاهر الرواية الثانية ثبوت الكفارة بعد الإحلال ومواقعة النساء، فكيف يجمع بينهما؟
فنقول، ذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) ما يرجع إلى أنّ المواقعة والإحلال حيث لا يكونان في رتبة واحدة وفي عرض واحد. لأن الإحلال متقدم على المواقعة وهي متأخرة عنه. وقد دلّت الصحيحة على أنّ الإحلال بسبب التقصير يوجب الكفارة فهي ثابتة بمجرد الإحلال قبل تحقق المواقعة، فلا يبقى أثر للعمل المتأخر عنه أي شيء كان ـ مواقعة كانت ام غيرها ـ وعليه فتمام الملاك هو الإحلال.
أقول: إن قلنا بأن رواية مسكان لأجل الضعف في سندها بمحمد بن سنان لا تكون معتبرة. فاللازم الإتكال على الصحيحة فقط. وليس فيها إشعار بالمواقعة أصلا، بل مقتضاها ترتب الكفارة على التقصير والإحلال.
وإن قلنا باعتبارها، إمّا لأجل المنع عن ضعف محمد بن سنان، وإمّا لأجل انجباره
(الصفحة 47)
بفتوى جماعة من أعاظم الأصحاب على طبقها كما مر. فالظاهر ان مقتضى الجمع بينها وبين الصحيحة هو الحكم باعتبار كلا الأمرين معاً في ترتب الكفارة وثبوت الطولية والترتب لا يمنع عن مدخليّة كليهما. فتكون الرواية بمنزلة المقيد لإطلاق الصحيحة. حيث إن ظاهرها ترتب الكفارة على الأمر الأول. سواء وقع الأمر الثاني عقيبه أم لا. فالجمع بينهما يقضي بلزوم تحقق كلا الأمرين حتى تثبت الكفارة التي في البين. ولعلّه لأجل ذلك عنون المسألة في المتن بهذه الصّورة. نعم الأختياط الوجوبي المجامع لاحتمال عدم الوجوب لا مجال له في هذه الصورة، لأن اللازم الإلتزام بثبوت الكفارة. سواء قلنا باعتبار رواية ابن مسكان أيضاً أم لم نقل به. بل اقتصرنا على خصوص الصحيحة لأنه لا إلكال في ثبوتها في مورد اجتماع الأمرين: الإحلال والمواقعة.
نعم للاحتياط الوجوبي في الصورة الثانية التي أفاد حكمها مع كلمة «بل» الظاهرة في الترقي مجال، لأنّ الحكم بثبوت الكفارة مع فرض عدم تحقق المواقعة مخالف للرواية الثانية التي يحتمل اعتبارها. ولكنه حيث لم تكن المواقعة مذكورة في الصحيحة على ماذكرنا فمقتضى الإحتياط الوجوبي ترتب الكفارة عليه أيضاً.
نعم في بعض نسخ المتن إضافة قوله: وفعل ذلك عقيب قوله سهواً في هذه الصورة. والظاهر ان المراد من الجملة الإضافية هو وقوع المواقعة المفروضة في الصورة الأولى. ومن الظّاهر انه على هذا التقدير لا يبقى فرق بين الصّورتين. لأن المفروض في كلتيهما الإحلال والمواقعة. بل الظاهر هو مافي هذه النسخة. والمراد من الصورة الثانية خصوص ما إذا تحقق التقصير والإحلال من دون مواقعة، بخلاف
(الصفحة 48)
الصورة الأولى المشتملة على تحقق المجامعة ـ كما لا يخفى ـ.
بقي الكلام في أمرين:
الأمر الاوّل: إنه احتاط في المتن وجوباً في إلحاق السعي في غير عمرة التمتع بالسّعي فيها. والظاهر ان منشأه وهو توهم الإطلاق في رواية ابن مسكان حيث لم يصرّح فيها بالمتمتع أو مثله. ولكنّك عرفت انّ الدقة في مفادها تقتضي اختصاص مورد السؤال منها بعمرة التمتع. ولذا فهم منها المحقق في الشرايع في عبارته المتقدمة ذلك. فإن الإحلال بالتقصير بعد السعي وترتب جواز المواقعة إنما يكون في السعي في خصوص عمرة التمتع، لما عرفت من أن حليّة النساء في غيرها متوقفة على طواف النساء والإحلال أيضاً يقع في الحج قبل السعي بتمامية مناسك يوم النحر. وعليه فلا يتوجه إشكال على الرواية حتى يحتاج إلى دفعه بأحد الوجهين المتقدمين آنفاً. وعلى ماذكرنا فلا يبقى مجال للإحتياط الوجوبي في هذه الجهة. بل غاية الأمر هو الإحتياط الإستحبابي.
الأمر الثاني: ان مقتضى إطلاق المتن تبعاً للشرايع انه لا فرق في النقيصة السهوية بين أن يكون شوطاً واحداً أو أزيد عليه في الكفاره ثابتة في كلا الفرضين. ولكنه ذكر في الجواهر: ينبغي الإقتصار على الستّة بظنّ انها سبعة لا غير ذلك.
ولعل الوجه فيه انه حيث يكون الحكم بالكفارة في هذا المورد الذي هو من موارد الخطاء والنسيان على خلاف القاعدة، فاللازم الإقتصار فيه على مورد الروايتين، وهو من طاف ستة ونقص واحداً، ولا ينافي عمومية الحكم بلزوم الإتمام، وأحكام النقيصة لجميع الموارد على ما عرفت في المسألة السّابقة مستنداً إلى
(الصفحة 49)في الشك في عدد الأشواطمسألة 11 ـ لو شك في عدد الأشواط بعد التقصير يمضي ويبني على الصحة، وكذا لو شك في الزيادة بعد الفراغ عن العمل. ولو شك في النقيصة بعد الفراغ والإنصراف ففي البناء على الصحة إشكال، فالأحوط إتمام ما احتمل من النقص، ولو شك بعد الفراغ أو بعد كل شوط في صحة ما فعل، بنى على الصحة، وكذا لو شك في صحة جزء من الشوط بعد المضي. [1]
الروايتين لأنه لا ملازمة بين الحكمين. فإذا اقتصر في الثاني على خصوص المورد لأجل المخالفة مع القاعدة، فهذا لا يلازم الإقتصار في الأول عليه أيضاً.
ولكن يرد عليه بعد التفكيك بل منعه. فإنه إذا كان الحكم الأول عامّاً، فالظاهر كون الحكم الثاني أيضاً كذلك، وإن شئت قلت ان العرف يرى انه لا خصوصية للمورد بالإضافة إلى كلا الحكمين من دون ثبوت فرق في البين. فلا مجال لما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) .
[1] الشك قد يكون في أصل الوجود وهو العدد، وقد يكون في وصف الموجود وهي اصحة فللشك صورتان:
الصورة الأولى: الشك في أصل الوجود، وهو العدد وحدوثه قد يكون بعد التقصير المترتب على السعي والمتأخر عنه، وقد يكون قبله بعد الفراغ عن السعي والانصراف. ففيها فرضان:
الفرض الأوّل: مالو كان حدوث الشك في العدد بعد التقصير. وقد حكم فيه في
|