(الصفحة 451)
حجة الإسلام ويعتمر إنما هو شيء عليه(1).
والبحث في الرواية الصحيحة من جهات:
الاُولى: الظاهر أن المراد من قدوم مكة قبل نحر الهدي أو بعده هو إدراك المناسك وعدمه; لأنه الميزان والمعيار في الإجزاء وعدمه، ولا خصوصية في ذلك للذبح وعدمه.
الثانية: إن قوله (عليه السلام) «فإنّ عليه الحج من قابل والعمرة»، حكي عن الكافي العطف بـ «أو» دون «الواو»، وفي محكي التهذيب العطف بـ «الواو»، وفي محكي الوافي ذكر العطف بالواو، ولكن قيل إنه يظهر من بيانه وتفسيره أن الثابت هو العطف بـ «أو». واستظهر بعض الأعلام (قدس سرهم) أن نسخة التهذيب هي الصحيحة. فإن الكافي وإن كان أضبط، ولكن لا يمكن المصير إليه، لأن العطف بـ «أو» يقتضي التخيير، ولا معنى للتخيير بين الحج والعمرة، سواء كان قوله «من قابل» قيداً للعمرة أيضاً، أم لا.
أقول: لعل التعبير بـ «أو» إنما هو بلحاظ أن المفروض في كلامه مطلق الإحصار الشامل للحج والعمرة، وإن كانت قرائن هناك على أن المراد هو الإحصار في الحج، لكن المفروض فيها المطلق. ويؤيده السؤال في الذيل.
وعليه فالرواية تحكم بلزوم الحج عليه من قابل، لأن الحج أشهر معلومات أو العمرة، ولو فعلا لحصول التحلل بها عملا; بمقتضى قوله تعالى:
(وَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِِ...) (2) فبيّنت الرواية حكم الإحصار في الحج وكذا الإحصار في العمرة،
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الثالث، ح1.
- (2)
سورة البقرة (2): 196 .
(الصفحة 452)في إلحاق غير المتمكن بالمريض
مسألة 15 ـ لا يبعد إلحاق غير المتمكن ـ كالمعلول والضعيف ـ بالمريض في الأحكام المتقدمة. ولكن المسألة مشكلة، فالأحوط بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق. فإن فات الحج منه يأتي بعمرة مفردة ويتحلل، ويجب عليه الحج مع حصول الشرائط في القابل . [1]
وإن كان فيها تشويش; فتدبر.
الثالثة: قد مرّ البحث في أن المحرم إذا مات قبل دخول مكة، هل يجزيه ذلك أم عليه الحج أو العمرة؟ فراجع.
وكيف كان فلم يثبت أن الرواية تدل على أن التحلل في الحصر إنما يتحقق بالعمرة المفردة، فتدبر.
[1] قد مرّ أن المراد بالإحصار هو منع المرض من إتمام عمله، كما في الرواية الحاكية لعمرة الحسين (عليه السلام) وصيرورته مريضاً في السقيا.
فهل مطلق عدم التمكن لأجل المعلولية أو الضعف أو مثلهما ملحق بالمريض، في جريان أحكام الإحصار أم لا؟
ذكر في المتن بعد الحكم بأن المسألة مشكلة، بأن مقتضى الاحتياط الوجوبي بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق. وبعد حصول الإفاقة إن فات الحج منه يأتي بعمرة مفردة وبها يتحلل، وهذا لا يكون مجزياً عن حجه بوجه، بل هو واجب عليه مع الاستقرار أو الاستمرار، ولكنه بناء على ما ذكرنا من اَنّ، الإحصار مطلق المنع الداخلي،
(الصفحة 453)في وقت الميعاد
مسألة 16 ـ الأحوط أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتع قبل خروج الحاج إلى عرفات. وفي إحرام الحج يوم العيد . [1]
تكون هذه الموارد من مصاديق الإحصار، إذ من البعيد وقوعهما غالباً، خصوصاً بعد كون المركب في ذلك الزمان هو البعير نوعاً. والسقوط منه وانكسار العظم ونحوهما كان أمراً شايعاً. ومن البعيد عدم وقوع التعرض لحكمه في الروايات الكثيرة التي بأيدينا وكذا الضعيف. فمثل هذين الأمرين لو لم يكن مصاديق المرض بحيث يشمله عنوان الإحصار حقيقة، يكون ملحقاً به في حكمه.
وقد مرّ أن الآية الشريفة مع وقوع التعبير فيها بالإحصار يكون شأن نزولها هو صدّ المشركين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة الحديبية. فإذا كان الصد من مصاديق الإحصار، فكيف لايكون المعلول وكذا الضعيف مثله؟ فالظاهر هو ترتب أحكام الإحصار كالمريض من دون فرق أصلا. وقد عرفت أن في بعض الروايات أيضاً وقع التعبير بانكسار الساق في الإحرام، من دون التعبير بالإحصار; فراجع.
[1]
وجه الاحتياط الوجوبي الأول، أن الظاهر كون الهدي في إحصار عمرة التمتع أو صدها; والتحلل به قائماً مقام أصل الإتيان بالعمرة في حصول التحلل. فإذا كانت عمرة التمتع قبل الحج ووقتها قبل خروج الحاج إلى عرفات للإتيان بمناسك الحج وأعماله المتحققة شروعاً بالإحرام بعد الفراغ عن عمرة التمتع، فالأحوط لزوماً أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتع قبل خروج الحاج إلى عرفات للوقوف
(الصفحة 454)
بها.
ووجه الاحتياط اللزومي في إحرام الحج مطلقاً ـ سواء كان حج التمتع أو القران والإفراد ـ أن يكون يوم العيد، دلالة كثير من الروايات المتقدمة عليه، مضافاً إلى أن الوسائل مستعدة للذبح أو النحر بمنى في يوم العيد فقط، وهذا بخلاف مكة. ومنه يظهر أنه لا وقت خاص من هذه الجهة للعمرة المفردة، بل محل الذبح أو النحر مكة المكرمة، في أي وقت شاء المريض أو المصدود، فتدبر. والحمد لله رب العالمين.
(الصفحة 455)خاتـمـة
هذا تمام الكلام فيما يتعلق بشرح كتاب الحج من (تحرير الوسيلة) للإمام الراحل الخميني (قدس سره) وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق بيد العبد الحقير المفتاق محمد الفاضل اللنكراني عفي عنه وعن والديه بحق من يتعلق به هذا اليوم الذي هو يوم الأربعين من شهر صفر من شهور سنة 1418 من الهجرة القمرية النبوية، على مهاجرها آلاف الثناء والتحية، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمام هذا الشرح وتسويد سائر المجلدات، وإن كانت الموانع كثيرة ـ سيما المرض والكسالة بأنواع مختلفة ـ تمنع عن الوصول إلى ما هو المأمول. لكن القدرة الإلهية الكاملة فوق كل شيء وكل مانع، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
وينبغي في الختام التعرض لأمرين:
أحدهما: أن صاحب الجواهر (قدس سره) مع أنه قد استوفى البحث ظاهراً في مسائل الحج من جواهره، قال في ختام البحث: والحمد لله الذي يسر لنا هذا القدر من مسائل الحج، وله الشكر على ذلك أولا وآخراً وباطناً وظاهراً; وإلاّ فمسائل الحج أجل من أن تستقصى.
قال زرارة في الصحيح للصادق (عليه السلام) : جعلني الله فداك، اني أسألك في الحج منذ أربعين عاماً فتفتيني، فقال: يازرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام، تريد أن تفني مسائله في أربعين عاماً»(1).
ثانيهما: إنه كان في نيتي إلحاق جزء سادس بالأجزاء الخمسة. والمقصود منه التعرض لأمرين، لم يتعرض لهما الماتن (قدس سره)
- (1) الوسائل: أبواب وجوب الحج، الباب الأول، ح 12 .