(الصفحة 51)
الشق الثاني، فكلا الشقّين واردان مع القطع بعدم تمامية السعى وثبوت نقصان شوط واحد فيه يقيناً، وأين هذا من الصورة امفروضة في المقام وهي الشك في عدد الأشواط الحادث بعد التقصير. والفارق جريان قاعدة الفراغ في المقام دون مورد الرواية ـ كما هو واضح ـ وقد حمل صاحب الجواهر (قدس سره) عبارة المحقق في الشرايع على كون الشك في الأثناء، فلا تشمل المقام.
الفرض الثاني: مالو كان الشك حادثاً بعد الفراغ قبل التقصير. واللازم فرضه بناء على إعتبار الموالات في السعي، بخلاف ماهو المشهور وفرض فواتها. وفي هذا الفرض تارة يكون الشك في الزيادة وأخرى يكون في النقيصة. ففي الفرع الأوّل لا إشكال في صحة السعي، لأنه مضافاً إلى جريان إصالة عدم الزيادة، ان الزيادة على تقدير وقوعها حيث تكون زيادة سهوية لا تضرّ بصحة السعي، لما مرّ من عدم كون الزيادة السهوية مبطلة وإن كانت معلومة فضلا عما إذا كانت مشكوكة ـ كما في المقام ـ .
وفي الفرع الثاني وقع الإشكال في جريان قاعدة الفراغ وعدمه ومنشأ الإشكال انه هل يكفي في جريان القاعدة الفراغ ولو كان إعتقاديّاً غير واقعي أو انه يعتبر في جريانها أن يكون الشك متعلقاً بشيء لا يمكن تداركه بالفعل لتعلقه بأمر قد مضى، سواء كان المضي حقيقياً او حكميّاً، كالشك في القرائة بعد الدخول في السّورة فعلى الأوّل تجري القاعدة وتقتضي الصحة وعلى الثاني لا تجرى لعدم تحقق المضيّ بوجه مطلقاً وفوات الموالات بناء على اعتبارها لا يقتضي تحقق عنوان المضيّ. ولذا لو كان بعض الأشواط منسياً يجب إلحاقه بما أتى به وإن فاتت الموالات. وهذا لا
(الصفحة 52)في الشك في عدد الزيادة
مسألة 12 ـ لو شك وهو في المروة بين السّبع والزيادة كالتسع ـ مثلا ـ بنى على الصحّة ، ولو شك في أثناء الشوط انّه السبع أو الست ـ مثلا ـ بطل سعيه، وكذا في أشباهه من احتمال النقيصة، وكذا لو شك في انّ ما بيده سبع أو أكثر قبل تمام الدّور. [1]
يستلزم عدم تحقق الفراغ لو شك بعد التقصير ـ كما لايخفى ـ ، ولذا استشكل في المتن في هذا الفرع في البناء على الصحة وإحتاط وجوباً بإتمام ما نعقل وترتيب الأثر على الشك وهو الظاهر.
الصورة الثانية: الشك في الصحة، وهو مجرى إصالة الصحة الجارية في مورد الشك فيها.
[1]
الشك في عدد الأشواط تارة يكون متمحّضاً في الزيادة فقط، وأخرى في النقيصة كذلك، وثالثة في الزيادة والنقيصة معاً.
أمّا الصورة الأولى كما إذا شك وهو في المروة بين السبع والتسع ـ مثلا ـ فالظاهر ان الحكم فيها هو عدم الإعتناء بالشك والبناء على الصحة ـ كما في المتن ـ والدليل عليه إنّ الزيادة السهوية المعلومة غير قادحة في صحة السعي ـ كما مرّ ـ فالزيادة المشكوكة التي تجري فيها إصالة عدم تحققها وعدم حدوثها بطريق أولى، فلا حاجة في الحكم بالصحة في هذه الصورة إلى إقامة دليل خاص. ولكنّه مع ذلك يدل عليه التعليل الوارد في صحيحة الحلبي، الواردة في الطواف بالبيت، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية؟
(الصفحة 53)
فقال: أمّا السبعة فقد استيقن وإنّما وقع وهمه على الثامن فليصلّ ركعتين.(1) فانّ مقتضى عموم التعليل وشموله للسعي في الشك في الزيادة الصحة، وعدم الإعتناء بما وقع وهمه عليه منها ـ كما لا يخفى ـ فالحكم في هذه الصورة ظاهر.
وأمّا الصورة الثانية التي لم يقع التعرض لها في المتن بالإضافة إلى حال تمامية الشوط وكان ينبغي التعرض لها كما إذا شك وهو على المروة بين السبع والخمس ـ مثلا ـ فالظاهر ان المتسالم عليه بينهم هو الحكم بالبطلان ولزوم إستيناف السعي من رأس. وقد استدل عليه بأمرين:
أحدهما: صحيحة أخرى للحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل لم يدرستّة طاف أو سبعة، قال: يستقبل.(2)
نظراً إلى أن كلمة «الطواف» إذا لم يكن معها عنوان «البيت» أو مثله يشمل السعي بين الصفا والمروة أيضاً لإطلاق الطواف عليه في الآية والروايات الكثيرة التي مرّت جملة منها في المباحث السّابقة.
هذا والظاهر جريان المناقشة في هذا الأمر بأن إطلاق الطواف على السعي في الكتاب والسنّة إنّما كان مقروناً بإضافة «بهما» ـ كا في الآية ـ أو «بين الصفا والمروة» لا بنحو الإطلاق. وهذا بخلاف الطواف بالبيت الذي أطلق عليه الطواف المطلق كثيراً ولأجله لم يحرز ثبوت الإطلاق للطواف في الرواية بنحو يشمل السعي ـ كما لا يخفى ـ .
- (1) وسائل: ابواب الطواف، الباب الخامس والثلاثون، ح1.
- (2) وسائل: ابواب الطواف، الباب الثالث والثلاثون، ح9.
(الصفحة 54)
ثانيهما: ذيل صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، وهو قوله (عليه السلام) وإن لم يكن حفظ انه قد سعى ستّة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة.(1)فإنّ ذكر الستّة وان كان لا خصوصيّة فيه كما مرّ البحث فيه ولذا يستفاد من الرّواية بالنسبة إلى موردها أنه لو سهى عن شوطين ـ مثلا ـ وقد حفظ الخمسة يكون سعيه صحيحاً، ولابد من إتمام ما نقص ولا يكون باطلا من رأسه، إلا أنّ الخصوصية الموجودة اثنتان، ولا يجوز إلغاء شئ منهما بوجه.
احديهما: كون الستّة نقيصة والموجب للإعادة ولزوم الإستيناف ليس هو الشوط المنسى، بل عدم كون المأتي مورداً لحفظه فتدلّ على أنّ النقيصة إذا لم تكن محفوظة يكون السعي باطلا من رأس، بخلاف الزيادة. ولذا حكمنا في الصورة الأولى بالصحة ـ كما عرفت ـ.
ثانيتهما: ان الملاك في الحفظ ليس هو وجود القدر المتيقن في البين، ضرورة تحقق عنوان عدم الحفظ فيما إذا شك بين الخمسة والستّة مثلا مع أن القدر المتيقن وهي الخمسة موجود. ولو نوقش في شمول الرواية لهذا الفرض، فنقول: لا شبهة في شمولها لما إذا كان مردداً بين الشوط الواحد أو الإثنين وهكذا مع أنه في هذه الصورة يكون الشوط الواحد متيقناً، فيظهر انّ وجود القدر المتيقن أمر وثبوت الحفظ أمر آخر. والملاك الموجب للإعادة بحسب الرواية هو عدم الثاني. وعليه فيستفاد منها أنه إذا كان عدم الحفظ بالإضافة إلى النقيصة يوجب ذلك طلان السّعي، فتدل على البطلان في الصورة المفروضة في المقام لفرض الشك في النقيصة.
- (1) وسائل: ابواب السعي، الباب الرابع عشر، ح1.
(الصفحة 55)
وامّا الصورة الثالثة، وهي حدوث الشك في أثناء الشوط قبل تماميّته بالوصول إلى المروة، فتارة تكون مقرونه باحتمال النقيصة وأخرى باحتمال الزيادة. وقد حكم في المتن بالبطلان في كليهما. ويظهر منه ان الملاك في البطلان هو مجرد كون الحدوث أي حدوث الشك في أثناء الشوط ـ من دون دخل لاحتمال النقيصة في ذلك.
وهو يتفرغ على أن يكون المستفاد من صحيحة ابن يسار المتقدمة هو كون الحفظ المعتبر في ناحية النقيصة متعلقاً بالشوط مع وصف الكمال والتمامية. فإذا لم يكن الشوط بهذا الوصف محفوظاً فهو يوجب البطلان. وفي صورة حدوث الشك في الأثناء ولو كان هناك خطوة إلى المروة لم يكن الحفظ من هذه الناحية متعلقاً بالشوط الكامل، من دون فرق بين صورة احتمال النقيصة وبين صورة احتمال الزيادة. أمّا في الصورة الأولى فواضح. وأمّا في الصورة الثانية فلعدم تعلق الحفظ بالشوط الكامل من هذه الجهة لفرض عدم الوصول إلى المروة.
هذا ويمكن منع استفادة ذلك من الصحيحة، نظراً إلى أن المستفاد منها مدخلية العدد. أي عدد الأشواط في الحفظ وعدمه من دون فرق بين فرض تمامية الشوط وعدمها، فالملاك هو تعلق الحفظ بالعدد في ناحية النقيصة. وعليه فاللازم الفرق بين الصورتين بالحكم بالبطلان في صورة احتمال النقيصة والصحة في الصورة الاخيرة التي لا يكون فيها إلاّ احتمال الزيادة في جهة العدد، لفرض عدم تحقق احتمال النقيصة وعدم اعتبار الحفظ بالإضافة إلى الزيادة. وعليه فلا يستفاد من الرواية الحكم بالبطلان فيه، إلاّ أن يستند فيه إلى كونه متسالماً عليه بيه الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم، فتدبر.