(الصفحة 55)
وامّا الصورة الثالثة، وهي حدوث الشك في أثناء الشوط قبل تماميّته بالوصول إلى المروة، فتارة تكون مقرونه باحتمال النقيصة وأخرى باحتمال الزيادة. وقد حكم في المتن بالبطلان في كليهما. ويظهر منه ان الملاك في البطلان هو مجرد كون الحدوث أي حدوث الشك في أثناء الشوط ـ من دون دخل لاحتمال النقيصة في ذلك.
وهو يتفرغ على أن يكون المستفاد من صحيحة ابن يسار المتقدمة هو كون الحفظ المعتبر في ناحية النقيصة متعلقاً بالشوط مع وصف الكمال والتمامية. فإذا لم يكن الشوط بهذا الوصف محفوظاً فهو يوجب البطلان. وفي صورة حدوث الشك في الأثناء ولو كان هناك خطوة إلى المروة لم يكن الحفظ من هذه الناحية متعلقاً بالشوط الكامل، من دون فرق بين صورة احتمال النقيصة وبين صورة احتمال الزيادة. أمّا في الصورة الأولى فواضح. وأمّا في الصورة الثانية فلعدم تعلق الحفظ بالشوط الكامل من هذه الجهة لفرض عدم الوصول إلى المروة.
هذا ويمكن منع استفادة ذلك من الصحيحة، نظراً إلى أن المستفاد منها مدخلية العدد. أي عدد الأشواط في الحفظ وعدمه من دون فرق بين فرض تمامية الشوط وعدمها، فالملاك هو تعلق الحفظ بالعدد في ناحية النقيصة. وعليه فاللازم الفرق بين الصورتين بالحكم بالبطلان في صورة احتمال النقيصة والصحة في الصورة الاخيرة التي لا يكون فيها إلاّ احتمال الزيادة في جهة العدد، لفرض عدم تحقق احتمال النقيصة وعدم اعتبار الحفظ بالإضافة إلى الزيادة. وعليه فلا يستفاد من الرواية الحكم بالبطلان فيه، إلاّ أن يستند فيه إلى كونه متسالماً عليه بيه الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم، فتدبر.
(الصفحة 56)في الشك في الإتيان بالسّعي
مسألة 13 ـ لو شك بعد التقصير في إتيان السّعي بنى على الإتيان، ولو شك بعد اليوم الّذي أتى بالطواف في إتيان السّعي، لا يبعد البناء عليه أيضاً. لكن الأحوط الإتيان به إن شك قبل التقصير. [1]
[1]
لو شك في أصل الإتيان بالسّعي وعدمه، فإن كان بعد التقصير المترتب على السعي فلا إعتبار بشكّه، بل يبنى على الإتيان وكون التقصير واقعاً في محلّه وهو بعد السّعي، وهذا كما فيما إذا شك بعد الإتيان بصلاة العصر بعنوان العصر في انه أتى بصلاة الظهر قبلها أم لم يأت بها قبل الإتيان بالعصر، فإنه لا يعتنى بهذا الشك ويبنى على الإتيان بصلاة الظهر. وإن كان في صورة النسيان يأتي بصلاة الظهر بعد العصر. وتسقط شرطية الترتيب بالإضافة إلى العصر. أمّا في صورة الشك فلا يجب عليه الاتيان بالمشكوك أصلا. وإن كان الك قبل التقصير. فإن كان في اليوم الذي أتى بالطواف فمقتضى قاعدة الإشتغال لزوم الإتيان به قبله.
وإن كان بعد اليوم الذي أتى بالطواف وهو الغد، فقد نفى البعد عن البناء على الإتيان بالسّعي واحتاط إستحباباً بالإتيان. ولكن مقتضى ما مرّ في مسألة تأخير السعي إلى الغد وإنه لا يجوز التأخير إليه إذا لم يكن هناك عذر. ويجوز مع العذر التفصيل هنا أيضاً، بأن يقال أنّه إن كان المشكوك هو التأخير لعذر على فرض الترك في اليوم الذي أتى بالطواف، فلا مجال لنفي البعد عن البناء على الإتيان بالسعي. لأنه لم يتحقق في البين شيء يقتضي الإتيان بالسعي لا التقصير ـ كما هو المفروض ـ ولا التأخير إلى الغد لأن الفرض أيضاً كونه مع العذر المجوّز للتأخير فلا وجه للبناء على
(الصفحة 57)
الإتيان.
وهذا بخلاف ما إذا كان التأخير على فرضه لا لعذر، فإنه حينئذ لايبعد البناء عليه، لأنّه مع عدمه لابد من الإلتزام بتحقق عمل غير مشروع، وهو التأخير لا لعذر، وهو خلاف ظاهر حال المسلم. ومع ذلك لا ينبغي ترك الإحتياط بالإتيان به ـ كما لا يخفى ـ هذا تمام الكلام في مباحث السعي.
(الصفحة 58)القول في التقصير
مسألة 1 ـ يجب بعد السّعي التقصير. أي قصّ مقدار من الظفر أو شعر الرأس أو الشارب أو اللّحية، والأولى الأحوط عدم الإكتفاء بقصّ الظفر، ولا يكفي حلق الرأس، فضلا عن اللّحية. [1]
[1]
في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الأولى: في أصل وجوب التقصير في عمرة التمتع وجزئيّته لها. وقد ذكر في الجواهر: هو أحد المناسك فيها ـ أي في عمرة التمتع ـ عندنا على وجه يكون تركه نقصاً فيها، بل في المنتهى: إجماع علمائنا عليه وإن حصل الإحلال له منها، خلافاً للشافي في أحد قوليه، فجعله إطلاق محظور كالطيب واللّباس، قال: ولا ريب في فساده عندنا بعدما سمعت من الإجماع بقسميه عليه.
ويدل على الوجوب والجزئية طوائف من الروايات مثل الأخبار البيانيّة الواردة في كيفية الحج والعمرة، ومثل الروايات التي يأتي جملة منها الواردة في كيفية التقصير الظاهرة في مفروغية وجوبه وجزئيته، وفي بعضها إطلاق الطواف عليه كإطلاقه على الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة. فهذه الجهة بملاحظة الروايات لا شبهة فيها أصلا.
(الصفحة 59)
الجهة الثانية: في كيفية التقصير. وقبل الخوض فيها لابد من إيراد جمله معتد بها من الروايات الواردة في هذا المجال، مثل: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلّ.(1)
وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع، فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلم اظفارك وأبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شئ يحلّ منه المحرم وأحرمت منه فطف بالبيت تطوّعاً ماشئت.(2)
ورواية عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ثم ائت منزلك فقصّر من شعرك وحلّ لك كل شيء.(3)
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من شعره. بمشقص، قال: لا بأس. ليس كل احد يجد جلماً.(4)وفي رواية الصدوق: قرض من أظفره بأسنانه والجلم هو المقراض الذي هي الآلة المتعارفة في قص الشعر بخلاف المشقص.
وصحيحة جميل بن درّاج وحفص بن البختري وغيرهما عن أبي عبدالله (عليه السلام) في محرم يقصّر من بعض ولا يقصر من بعض، قال: يجزيه.(5)
- (1) وسائل: ابواب التقصير، الباب الاول، ح2 .
- (2) وسائل: ابواب التقصير، الباب الاول، ح4.
- (3) وسائل: ابواب التقصير، الباب الاوّل، ح3.
- (4) وسائل ابواب التقصير، الباب الثاني، ح1.
- (5) وسائل: ابواب التقصير، الباب الثالث، ح1.