(الصفحة 57)
الإتيان.
وهذا بخلاف ما إذا كان التأخير على فرضه لا لعذر، فإنه حينئذ لايبعد البناء عليه، لأنّه مع عدمه لابد من الإلتزام بتحقق عمل غير مشروع، وهو التأخير لا لعذر، وهو خلاف ظاهر حال المسلم. ومع ذلك لا ينبغي ترك الإحتياط بالإتيان به ـ كما لا يخفى ـ هذا تمام الكلام في مباحث السعي.
(الصفحة 58)القول في التقصير
مسألة 1 ـ يجب بعد السّعي التقصير. أي قصّ مقدار من الظفر أو شعر الرأس أو الشارب أو اللّحية، والأولى الأحوط عدم الإكتفاء بقصّ الظفر، ولا يكفي حلق الرأس، فضلا عن اللّحية. [1]
[1]
في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الأولى: في أصل وجوب التقصير في عمرة التمتع وجزئيّته لها. وقد ذكر في الجواهر: هو أحد المناسك فيها ـ أي في عمرة التمتع ـ عندنا على وجه يكون تركه نقصاً فيها، بل في المنتهى: إجماع علمائنا عليه وإن حصل الإحلال له منها، خلافاً للشافي في أحد قوليه، فجعله إطلاق محظور كالطيب واللّباس، قال: ولا ريب في فساده عندنا بعدما سمعت من الإجماع بقسميه عليه.
ويدل على الوجوب والجزئية طوائف من الروايات مثل الأخبار البيانيّة الواردة في كيفية الحج والعمرة، ومثل الروايات التي يأتي جملة منها الواردة في كيفية التقصير الظاهرة في مفروغية وجوبه وجزئيته، وفي بعضها إطلاق الطواف عليه كإطلاقه على الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة. فهذه الجهة بملاحظة الروايات لا شبهة فيها أصلا.
(الصفحة 59)
الجهة الثانية: في كيفية التقصير. وقبل الخوض فيها لابد من إيراد جمله معتد بها من الروايات الواردة في هذا المجال، مثل: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلّ.(1)
وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع، فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلم اظفارك وأبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شئ يحلّ منه المحرم وأحرمت منه فطف بالبيت تطوّعاً ماشئت.(2)
ورواية عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ثم ائت منزلك فقصّر من شعرك وحلّ لك كل شيء.(3)
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من شعره. بمشقص، قال: لا بأس. ليس كل احد يجد جلماً.(4)وفي رواية الصدوق: قرض من أظفره بأسنانه والجلم هو المقراض الذي هي الآلة المتعارفة في قص الشعر بخلاف المشقص.
وصحيحة جميل بن درّاج وحفص بن البختري وغيرهما عن أبي عبدالله (عليه السلام) في محرم يقصّر من بعض ولا يقصر من بعض، قال: يجزيه.(5)
- (1) وسائل: ابواب التقصير، الباب الاول، ح2 .
- (2) وسائل: ابواب التقصير، الباب الاول، ح4.
- (3) وسائل: ابواب التقصير، الباب الاوّل، ح3.
- (4) وسائل ابواب التقصير، الباب الثاني، ح1.
- (5) وسائل: ابواب التقصير، الباب الثالث، ح1.
(الصفحة 60)
وصحيحة الحلبي، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك إنّي لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلى ولم اقصّر، قال: عليك بدنة، قال: قلت: إنّي لما أردت ذلك منها ولم يكن قصّرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها الله كانت افقه منك، عليك بدنة وليس عليها شيء.(1)
ومرسلة إبن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة.(2)
والصحيحة الأولى لمعاوية بن عمار وإن كان ظاهرها لزوم الجمع بين قص الشعر وبين تقليم الأظفار، بل وفي الأوّل يجب الجمع بين الأخذ من الرأس ومن الشارب ومن اللحية، بل وفي الأوّل يجب الجمع بين جوانب الرأس والأخذ من كل جانب إلاّ انّ الروايات الأخرى المؤيدة بالفتاوى وإن كان ظاهر بعض الفتاوى غيره قرينة على عدم لزوم الجمع، بل هو مخير بين الأمور الأربعة المذكورة فيها، وفي الأمر الأوّل بن الجوانب المتعددة. نعم ذكر في المتن ان الأولى الأحوط عدم الإقتصاد على قص الظفر، ولعلّه لعدم صدق عنوان «التقصير» المعروف الذي هو أحد مناسك عمرة التمتع عليه، فلا يطلق على قصّ الظفر انّه قصّره، بخلاف الشّعر. نعم يطلق عليه فيما إذا اجتمع مع الشعر بعنوان التغليب.
وأمّا من جهة الآلة، فالظاهر انّه لا خصوصية فيها وإنّها لا تختص بالآلة المتعارفة في قصر الشعر وقصّ الظفر، بل لو كان بغير الآلة المتعارفة حتى مثل
- (1) وسائل: ابواب التقصير، الباب الثالث، ح2.
- (2) وسائل: ابواب التقصير، الباب الثاني، ح3.
(الصفحة 61)
الأسنان في قرض الشعر أو الظفر فلا مانع ـ كما عرفت التصريح به في جملة من الروايات المتقدمة وقد وقع في بعضها التعبير بأنّه ليس يجد كلّ أحد جلماً أي مقراضاً ـ.
وأمّا من جهة العدد، فالظاهر في باب الأظفار جواز الاكتفاء بظفر واحد، بل بعض ظفر واحد، ولعلّ الوجه فيه كونه محسوساً ملموساً. وأمّا الشعر فالمحكي عن جملة من كتب العلاّمة إنّ أدنى التقصير أن يقصّ شيئاً من شعر رأسه وأقلّه ثلاث شعرات، بل عن المنتهى النسبة إلى إختيار علمائنا. لكن المحكيّ عن المبسوط اشتراط كون المقطوع جماعة من الشعر. والظاهر ان مراده من الجماعة هي معناها العرفي الذي يكون زائداً على الثلاث بكثير.
هذا وينبغي إحالة ذلك إلى العرف بعد كون التقصير الذي هو جزء للعمرة ويجب الإتيان به فيها عنواناً عرفيّاً موكولا إلى العرف. ولذا لم يفسّر في الروايات من هذه الجهة أصل بخلاف عنواني الطواف والسعي اللذين لهما حدود شرعية وخصوصيات تعبدية، فالمعيار فيه هو العرف، واللازم هو الصدق بنظرهم. نعم لا خصوصية من ناحية المقدار الذي يقرض ويقصر من كل شعر. وقد وقع التصريح في مسألة إبن أبي عمير المتقدمة بجواز القصّ بمقدار الأنملة.
وامّا النتف، ففي كلام صاحب الجواهر ومحكّي كلام صاحب الحدائق جوازه. لأن المقصود هي الإزالة بأية كيفية تحققت ومن جملتها النتف.
هذا والظاهر إنّ النتف ليس من أفراد ماهيّة التقصير ومصاديقها، واللازم إيجاد تلك الماهية، وعليه فيرد على القائل بجوازه انه إن أراد انّ النتف من مصاديق عنوان