(الصفحة 63)
فيه لم يتحقق منه قصد عنوان التقصير وإن فرض تحققه بأوّل جزء من الحلق، فتدبر.
وممّا ذكرنا ظهر ما يرد على صاحب الحدائق من الإشكال. وإنه لا يتحقق عنوان التقصير ولو بحلق بعض الرأس دون تمامه. ويدلّ على تعين التقصير مضافاً إلى ما عرفت صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: وليس في المتعة إلاّ التقصير.(1)
ثم الظاهر إنه لو حلق مكان التقصير يترتب عليه مضافاً إلى استحقاق العقوبة لانه من محرّمات الإحرام، وقد ارتكبه في حال الإحرام قبل أن يحلّ الكفارة التي تقدّم البحث عنها، وهي دم شاة. للأدلة المذكورة هناك ولا حاجة هنا إلى إقامة دليل خاص على ثبوت الكفارة في المقام، ولكنه مع ذلك يدل عليه رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه فإذا كان يوم النّحر أمّر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق.(2)
ولكنها مضافاً إلى ضعف السند لأن في طريق الشيخ (قدس سره) محمد بن سنان وفي طريق الصدوق علي بن أبي حمزة فيها مناقشة من حيث المفاد والدلالة. لأنّ ظاهرها ثبوت الكفارة في صورة الخطأ وقد ادعى ممّن عدى المحقق على عدم وجوب ذلك عليه. ولكنك عرفت انه لا حاجة إلى نص خاص بعد ثبوت كفارة الدم في الحلق في باب محرمات الإحرام، فراجع.
- (1) وسائل: ابواب التقصير، الباب الرّابع، ح2.
- (2) وسائل: ابواب التقصير، الباب الرابع، ح3.
(الصفحة 64)في اعتبار النية في التقصير
مسألة 2 ـ التقصير عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها، فلو اخلّ بها بطل إحرامه الاّ مع الجبران. [1]
[1] لا شبهة في أن التقصير حيث إنه من أجزاء اعمرة يكون عبادة، تجب فيه النية المشتملة على قصد عنوان التقصير وانّه من أجزاء عمرة التمتع مع القربة وتقدم تفصيل البحث في النيّة في باب الطواف وهذا لا إشكال فيه.
إنّما الإشكال في التفريع المذكور في المتن. فإن ظاهره انه مع الإخلال بالنيّة يبطل إحرامه، مع ان لازم الإخلال بالنيّة عدم وقوع التقصير الذي هو جزء من العبادة، فلا يترتب عليه الإحلال. فيتوقف تحققه على الإتيان بتقصير جديد مشتمل على النية ليتحقق به الإحلال والخروج عن الإحرام.
وعليه فيرد على المتن إنّه ما المراد بالإحرام الذي يبطل بالإخلال بالنيّة في التقصير؟ فإن كان المراد هو إحرام عمرة التمتع، فمن المعلوم ان بطلان التقصير المأتي به لا يستلزم بطلان الإحرام المذكور. وإن كان المراد هو إحرام حجّ التمتع الذي يكون مترتباً على عمرته، فيرد عليه مضافاً إلى أنه لم يفرض في المتن وقوع إحرام الحج بعد التقصير الذي أخلّ بينّته. بل المفروض فيه مجرد الإخلال بالنيّة فقط، إنه قد تعرض في المسألة الثالثة بصورة ترك التقصير والإحرام بالحج. وذكر انه في صورة العمد تبطل عمرته. ومعناه عدم بطلان إحرامه للحجّ غاية الأمر صيرورته إفراداً وفي صورة السّهو تصحّ عمرته. ومعناه أيضاً صحة إحرامه للحج وتمامية عمرته بعنوان التمتع وعليه فلا يبقى مجال في هذه المسألة للحكم ببطلان إحرامه للحج بمجرد
(الصفحة 65)فيما لو ترك التقصير وأحرم بالحجّ
مسألة 3 ـ لو ترك التقصير عمداً وأحرم بالحجّ بطلت عمرته والظاهر صيرورة حجّه إفراداً، والأحوط بعد إتمام حجّه أن يأتي بعمرة مفردة وحجّ من قابل، ولو نسي التقصير إلى أن أحرم بالحج صحّت عمرته وتستحبّ الفدية بشاة، بل هي أحوط. [1]
الإخلال بالنية في التقصير الذي لا يؤثر إلا في بطلانه. ثم إنّ استثناء صورة الجبران من الحكم بالبطلان محلّ إشكال أيضاً. فإنه إن كان المراد بالجبران الإعادة، فيرد عليه مضافاً إلى أن التعبير عن الإعادة بالجبران غير مأنوس أن الإعادة لا يوجب خروج الباطل عن كونه باطلا بل هو أمر مستقلّ. وإن كان المراد بالجبران هي الكفارة والفدية. فلم يعلم مورد تكون الكفارة موجبة لخروج الباطل عن وصف البطلان والإتصاف بكونه صحيحاً. وعليه فلم يعلم المراد من هذا التفريع المذكور في المتن ولذا استشكلنا عليه في التعليقة مما يرجع إلى ما ذكرنا، فتدبر جيّداً.
[1]
في هذه المسألة فرضان:
الفرض الأوّل: مالو ترك التقصير في عمرة التمتع عمداً وأحرم بحج التمتع الذي يكون مترتّباً على عمرته وقد حكم في المتن ببطلان عمرته، واستظهر صيرورة حجّه إفراداً. ومن الواضح إن هذا على خلاف القاعدة، فإنّ مقتضاها كون الإحرام بالحج باطلا، لأن المفروض صورة العمد وتكون العمرة صحيحة غاية الأمر نقصانها بسبب ترك التقصير، فاللازم إكمالها بالإتيان بالتقصير ثم الإحرام بالحجّ بعده. وعليه فالحكم المذكور في المتن على خلاف القاعدة، لكنّه منسوب إلى المشهور
(الصفحة 66)
ـ كما عن الدروس ـ بل لم ينقل الخلاف من المتقدمين إلاّ من ابن إدريس بناء على أصله وهو عدم حجّية خبر الواحد مطلقاً. ومنشأ فتوى المشهور روايتان واردتان في هذا الفرض:
إحديهما: موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى بالحج قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس عليه متعة.(1) وفي محكي التهذيب وكذا في الجواهر: وليس له متعة، وهو الظاهر.
ثانيتهما: مضمرة العلاء بن الفضيل التي رواها عنه محمد بن سنان، قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن يقصر، قال: بطلت متعته، هي حجة مبتولة.(2)
وقد ناقش سيّد المدارك في سند الأولى بأن الراوي عن أبي بصير هو إسحاق بن عمار وهو مردّد بين الثقة وغيرها. فلا يجوز الأخذ بها ولو بناء على القول بحجية خبر الثقة وفي سند الثانية باشتماله على محمّد بن سنان.
ولكن الظاهر اندفاع المناقشة في الأولى بعدم تردده بين الثقة وغيره. فإن الظاهر أن المراد به هو اسحاق بن عمار الساباطي الصيرفي الفطحي الذي يكون ثقة. ولعل منشأ مناقشته كونه راوياً عن راو آخر وهو أبو بصير، فتدبّر. نعم الإشكال في سند الثانية بحاله.
وامّا من جهة الدلالة، فالرّواية الثانية ظاهرة، بل صريحة في بطلان التمتع وصحة
- (1) وسائل: أبواب الإحرام، الباب الرابع والخمسون، ح5.
- (2) وسائل: أبواب الإحرام، الباب الرابع والخمسون، ح4.
(الصفحة 67)
إحرام الحج وصيرورته حجة مبتولة، أي حج إفراد. والوجه فيه إنه بعد بطلان عمرة التمتع لا يمكن أن يقع حجّه حجّ التمتع، لاشراطه بالعمرة السابقة عليه، الواقعة بعنوان التمتع، كما إنه لا يمكن أن يقع حجّ قران بعد عدم وجود الإشعار والتقليد في إحرامه، فلا محالة يكون حجّ إفراد.
امّا الرّواية الأولى، فليس لها الصراحة بل ولا الظهور، لكن الدقة في مفادها تقتضي كونها متحدة مع الثانية في المراد. لأنّ سلب جواز التقصير ونفي ثبوت المتعة له بناء على كون النتيجة هي «له» لا «عليه» يمكن أن يكون منشأه بطلان العمرة والحج معاً. بمعنى أنه لا طريق له إلى إكمال العمرة بالإتيان بالتقصير ولا إلى الإهلال بالحج والشروع فيه. وهذا خلاف الظاهر جدّاً، خصوصاً مع عدم فهم المشهور منها ذلك. ويمكن أن يكون منشأه صحة الإحرام بالحج وبطلان عمرة التمتع، فلا محالة يصير حجّه إفراداً. وهو الذي تدل عليه الرواية الثانية. ويظهر من ذلك دلالة النص على خلاف القاعدة من جهة أخرى أيضاً وهي ان الحجّ الذي أحرم به قد قصده بعنوان حج التمتع. والنص ظاهر في وقوع غير ما قصد ووقوع الحج بعنوان الإفراد. كما أن ظاهر النص تحقق الإنقلاب قهراً وصيرورته حج إفراد كذلك. فيستمرّ في أعماله ويأتي بأجزائه ومناسكه بهذا العنوان. ويقع الكلام في الإحتياط الوجوبي الذي ذكره في المتن بالاضافة إلى إتيان الحج من قابل وظاهره الإتيان بحج التمتع الذي بطلت عمرته في هذا العام ومقتضى إطلاقه إنه لا فرق بين كون حج التمتع في هذا العام الذي صار باطلا حجّاً واجباً عليه أو كان مستحباً عليه، لأن المستحب أيضاً يجب إتمامه بالشروع فيه بنفس العنوان الذي شرع فيه.