(الصفحة 74)
وصلاة الظهرين إذا جمع بينهما.
والعجب إنه ليس في شيء من الأخبار الواردة في هذا المجال ما يظهر منه اعتبار الشروع من الزوال، بحيث كان دخول وقت الظهرين مقارناً لاعتبار الوقوف ودخول وقته. بل ظاهر جملة منها يعطي ما يغاير المشهور، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) المفصلة الطويلة المشتملة على بيان كيفية حج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع، المتضمنة لقوله (عليه السلام) : حتى انتهوا ـ إلى النبي ومن كان معه ـ إلى نمرة وهي بطن عرفة بحيال الاراك فضربت قبته وضرب الناس اخبيتهم عندها، فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثم صلّى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ثم مضى إلى الموقف فوقف به، الحديث.(1)
ودلالتها على عدم وجوب الكون في الموقف من الزوال واضحة ظاهرة، واحتمال كون نمرة موضعاً آخر في عرفة ـ كما في الجواهر ـ خلاف الظاهر جدّاً وخصوصاً مع قوله (عليه السلام) : «ثم مضى إلى الموقف فوقف به» كما هو ظاهر.
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدّعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، ثم تأتي الموقف، الحديث.(2)
ورواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا ينبغي الوقوف تحت الاراك، فأمّا
- (1) وسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني. ح4.
- (2) وسائل: أبوب إحرام الحج والوقوف بعرفة، الباب الرابع عشر، ح1.
(الصفحة 75)
النزول تحته حتى تزول الشمس وينهض إلى الموقف، فلا بأس.(1)
وصحيحة ثالثة لمعاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) (في حديث) قال: فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة، ونمرة هي بطن عرفة دون الموقف ودونن عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين فإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة. وحدّ عرفة من بطن عرفة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وخلف الجبل موقف.(2)
اقول: المهمّ في المقام ان ملاحظة الكلمات والعبارات وخصوصاً الكتب المؤلّفة بيان المسائل الخلافية التي وقع فيها الإختلاف بين فقهاء الشيعة ـ ككتاب مختلف الشيعة للعلامة الحلّي الموضوع لهذه الجهة ـ ترشد إلى أنّ هذه المسألة بهذه الكيفية الراجعة إلى الإختلاف في المبدأ من حيث كونه هو الزوال أو بعده بمقدار ساعة ـ مثلا ـ تكون ظرفاً للغسل والجمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين والذهاب إلى الموقف للوقوف، لم تكن محلّ خلاف بين الفقهاء أصلا بحيث كانت الشهرة على الأوّل وجماعة على الثاني، خصوصاً مع الإتفاق على عدم مشروعية الوقوف قبل الزوال ومشروعيّته بعده. فيقوى في النظر إنّ التعرض لعنوان الزوال في المبدأ مع انك عرفت انه لم ينص عليه في شيء من الروايات الواردة في هذا المجال لا يكون مشابهاً لاعتباره في دخول وقت صلاتي الظهر والعصر. فإنّ اعتباره بالإضافة إليه إنّما
- (1) وسائل: أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، الباب الرابع عشر، ح7.
- (2) وسائل: أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، أورد صدرها في الباب التاسع، ح1، وذيلها في الباب العاشر، ح1.
(الصفحة 76)
يكون مرجعه إلى أن الزوال بمعناه الحقيقي شرط لدخول وقت الصلاتين، فلا يتقدم الدخول عليه ولو بلحظة ولا يتأخّر عنه كذلك، بل إنّما يكون في مقابل أحد أمرين:
الأوّل: ماحكي عن أحمد من أنّ أوّله طلوع الفجر من يوم العرفة فيكون المقصود من اعتبار الزوال نفي هذا القول، وأنه لا يجب قبل الزوال.
الثاني: ماحكي عن جماعة من أعاظم الفقهاء من أنّ الواجب في الوقوف لا يغاير ماهو الركن منه. فكما أن الركن لحظة من الوقوف فيما بين الزوال والغروب، فكذلك الواجب ليس إلاَّ هذا المقدار. ولا اختلاف بين الركن والواجب في الوقوف بعرفة. وعليه فيكون المقصود من إعتبار الزوال نفي هذا القول، وإن دائرة الواجب أوسع من دائرة الركن والاختلاف بينهما من جهة السّعة والضيق محقق لاعتباره من أوّله حقيقة كما في وقت صلاتي الظّهر والعصر.
ولابدّ من ملاحظة جملة من الكلمات، مثل:
ماحكي عن الصدوق في الفقيه من قوله: «فإذا أتيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة قريباً من المسجد، فإنّ ثَمّ ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خباره وقبّته فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية واغتسل وصلّ بها الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، وإنما يتعجل في الصلاة ويجمع بينهما ثم يقف بالموقف ليفرغ للدّعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، ثم ائت الموقف وعليك السكينة والوقار وقف بسفح الجبل في ميسرته» واحتمال كون ضمير التأنيث في قوله: «صلّ بها راجعاً إلى عرفة لا إلى نمرة ـ كما في الجواهر ـ خلاف الظاهر جدّاً خصوصاً مع قوله في الذيل: ثم يقف بالموقف ـ كما لا يخفى ـ.
(الصفحة 77)
وما حكي عن مقنعة المفيد من قوله: «ثم ليلب وهو غاد إلى عرفات فإذا أتاها ضرب خباه بنمرة قريباً من المسجد، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب قبته هناك ـ إلى أن قال: ـ فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل ويقطع التبلبية ويكثر من التهليل والتمجيد والتكبير ثم يصلي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ـ إلى أن قال: ـ ثم يأتي الموقف ويكون وقوفه في ميسرة الجبل. فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف هناك ويستقبل القبلة».
وقول سلاّر فيما حكي عنه: «فإذا جائها نزل نمرة قريباً من المسجد إن أمكنه، ونمرة بطن عرفة، فإذا زالت الشمس فليغتسل وليقطع التلبية وليكثر من التهليل والتمجيد والتكبير، وليصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ثم ليأت الموقف، وليختر الوقوف في ميسرة الجبل» ودلالته على الإتيان بالموقف بعد الصلاتين واختيار الميسرة بعد الإتيان بالموقف ظاهرة.
وقول ابن إدريس في السرائر كذلك: «فإذا زالت اغتسل وصلّى الظهر والعصر جميعاً يجمع بينهما بأذان وإقامتين لأجل البقعة، ثم يقف بالموقف، إلى أن قال: ولا يجوز الوقوف تحت الأراك ولا في نمرة ولا في ثوية ولا في عرفة ولا في ذي المجاز فإن هذه المواضع ليست من عرفات، فمن وقف فيها بالحج فلا حجّ له، ولا بأس بالنزول بها غير أنه إذا أراد الوقوف بعد الزوال جاء إلى الموقف فوقف، والوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره، وليس ذلك بواجب...».
وقو كاشف اللثام: «وهل يجب الإستيعاب حتى إن أخلّ به في جزء منه اثم، وإن تمّ؟ ظاهر الفخرية ذلك، وصرّح الشهيد بوجوب مقارنة النية لما بعد الزوال، وانه
(الصفحة 78)
يأثم بالتأخير، ولم أعرف له مستنداً، ثم قال: وظاهر الأكثر وفاقاً للاخبار الوقوف بعد صلاة الظهرين...
والأوضح من الجميع مافي الرياض، حيث قال: «وهل يجب الإستيعاب حتى إن خلّ به في جز منه أثم وان تمّ حجّه ـ كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس واللمعة وشرحها بل صريح ثانيهما ـ ؟ أم يكفي المسمّى ولو قليلا ـ كما عن السرائر وعن التذكرة ان الواجب أسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازاً مع النيّة ـ ربما يفهم هذا أيضاً من المنتهى؟ إشكال، وينبغي القطع بفساد القول الأوّل لمخالفته لما يحكي عن ظاهر الأكثر والمعتبرة المستفيضة بأن اوقوف بعد الغسل وصلاة الظهرين. ثم حكى النصوص المتقدمة، ثم قال: والأحوط العمل بمقتضاها وإن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب... ».
ويستفاد من هذه العبارة أن القول بوجوب الإستيعاب ظاهر اوّل الشهيدين وصريح ثانيهما فقط، ولم يذهب إليه غيرهما. وظاهر الأكثر خلافه. وعليه فنسبة الإستيعاب إلى المشهور في غير محلّها وانه مما ينبغي القطع بفساده لمخالفته مع ظاهر الأكثر والمعتبرة المستفيضة، كما انه يظهر منها ان المقابل للاستيعاب هو القول بكفاية المسمّى ولو قليلا ـ كما عن السرائر والتذكرة ـ واختاره هو أيضاً.
ومن العجيب بعد ذلك مافي الجواهر، من قوله: لعلّ الأظهر والأحوط وجوب الإستيعاب وقد تأول مثل الكلمات المتقدمة الظاهرة في تحقق الوقوف بعد الزوال والإشتغال بالغسل والجمع بين الصلاتين في غيرها. وقد تقدم نقل بعض التأويلات مع انه يسأل عنه انه ما الموجب للتأويل وما الداعي إلى التوجيه بما يخالف الظاهر؟