(الصفحة 78)
يأثم بالتأخير، ولم أعرف له مستنداً، ثم قال: وظاهر الأكثر وفاقاً للاخبار الوقوف بعد صلاة الظهرين...
والأوضح من الجميع مافي الرياض، حيث قال: «وهل يجب الإستيعاب حتى إن خلّ به في جز منه أثم وان تمّ حجّه ـ كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس واللمعة وشرحها بل صريح ثانيهما ـ ؟ أم يكفي المسمّى ولو قليلا ـ كما عن السرائر وعن التذكرة ان الواجب أسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازاً مع النيّة ـ ربما يفهم هذا أيضاً من المنتهى؟ إشكال، وينبغي القطع بفساد القول الأوّل لمخالفته لما يحكي عن ظاهر الأكثر والمعتبرة المستفيضة بأن اوقوف بعد الغسل وصلاة الظهرين. ثم حكى النصوص المتقدمة، ثم قال: والأحوط العمل بمقتضاها وإن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب... ».
ويستفاد من هذه العبارة أن القول بوجوب الإستيعاب ظاهر اوّل الشهيدين وصريح ثانيهما فقط، ولم يذهب إليه غيرهما. وظاهر الأكثر خلافه. وعليه فنسبة الإستيعاب إلى المشهور في غير محلّها وانه مما ينبغي القطع بفساده لمخالفته مع ظاهر الأكثر والمعتبرة المستفيضة، كما انه يظهر منها ان المقابل للاستيعاب هو القول بكفاية المسمّى ولو قليلا ـ كما عن السرائر والتذكرة ـ واختاره هو أيضاً.
ومن العجيب بعد ذلك مافي الجواهر، من قوله: لعلّ الأظهر والأحوط وجوب الإستيعاب وقد تأول مثل الكلمات المتقدمة الظاهرة في تحقق الوقوف بعد الزوال والإشتغال بالغسل والجمع بين الصلاتين في غيرها. وقد تقدم نقل بعض التأويلات مع انه يسأل عنه انه ما الموجب للتأويل وما الداعي إلى التوجيه بما يخالف الظاهر؟
(الصفحة 79)
فإنه لو كان في البين ما يدل على اعتبار كون المبدأ هو الزوال كدخول وقت الصلاتيه بالإضافة إليه لكان وجه للتوجيه، وإن كان بخلاف الظاهر. إلاَّ أنه مع عدم وجود دليل دال عليه لا من الروايات لعدم تعرض شيء منها لعنوان الزوال مبدأ للوقوف ولا من العبارات والكلمات لظهور الأكثر في الخلاف. وقد عرفت تصريح صاحب الرياض بأنه ينبغي القطع بفساده وتصريح كشف اللثام بأنه لم يعرف له مستنداً لأيّ مستند يسوغ التويه وللوصول إلى أيّ غرض يجوز التأويل؟
ولا يوجد في كلام صاحب الجواهر بطوله وتفصيله ما يمكن أن يكون شاهداً لهذا التوجيه، إلاَّ بعض الأمور التي لا ينبغي الإتكال عليها بوجه. مثل ان المستحب في باب الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، هو الجمع بعرفة. وحكي عن التذكرة أنه يجوز الجمع لكلّ من بعرفة من مكي وغيره، وقد أجمع علماء الإسلام على أن الامام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة. قال: وحينئذ فيكون المراد من مضيه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الموقف الرواح إلى المكان المخصوص المستحبّ فيه الوقوف، أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء والتمجيد والتهليل والتكبير والدعاء لنفسه ولغيره، ممّا جائت به النصوص في ذلك الموقف.
ومثل انه نسب في المدارك إلى الأصحاب، الوجوب من أوّل الزّوال مع أنه ليس لهم إلاَّ هذه العبادات. إلاَّ من صرح منهم بذلك كالشهيدين والكركي والمقداد.
ومثل انه هو من البديهيات وان عدم ذكر الإتداء في كلامهم إنما هو للإتكال على معلوميته، ومن الواضح بطلان هذه الأمور. فإنه هل يجوز أن ينسب إلى الأصحاب خلاف ماهو معدود من البديهيات. وتعبر صاحب المدارك بأوّل الزوال في مقابل
(الصفحة 80)
كفاية المسمّى في الاتيان بالواجب لا في مقابل التأخير عنه بالمقدار اليسير المذكور. كما أن الحكم باستحباب الجمع في عرفة يكون المراد به هو الإستحباب في عرفة وما يقاربها مثل النمرة في مقابل منى والأمكنة البعيدة عن عرفات. والشاهد عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع على ما عرفت. وقد تحصل مما ذكرنا انه لا مجال لدعوى اعتبار الزوال بمعناه الحقيقي الراجع إلى عدم جواز التأخير عنه. ونسبة صاحب المدارك ذلك إلى الأصحاب ـ إن لم يكن مراده ما ذكرناه ـ يرد عليها وضوح انه لم يكن عنده كلمات أخرى للاصحاب، غير ما نقلنا عنهم ومثله وكيف تصح هذه النسبة مع قول صاحب الرياض انه ينبغي القطع بفساد هذا اقول ولم ينقل إلاَّ عن واحد أو اثنين ـ كما عرفت ـ.
ومع ذلك يكون مقتضى الإحتياط الإستحبابي ـ كما في المتن ـ رعاية اوّل الزوال خصوصاً مع وضوح مشروعية الوقوف من حين الزّوال وعدم مشروعيته قبله ـ كما في صلاتي الظهر والعصر ـ وإن كان الأفضل تأسّياً بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع وامتثالا للأمر المحمول على الاستحباب جزماً في بعض الروايات هو التأخير بالكيفية التي فعلها (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وهل يجوز التأخير من دون الكيفية المزبورة الراجعة إلى النزول في نمرة حتى تزول الشمس ثم الغسل والجمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين، كما إذا تأخرت حركته من مكة إلى زمان يعلم بالورود في عرفات بعد ساعة من الزوال، أم كان جواز التأخير مختصّاً بما إذا كان مراعياً للكيفية المزبورة، فلا يجوز التأخير بغير تلك الكيفية الظاهر هو الأوّل ـ كما في المتن ـ حيث نفى البعد عن جواز التأخير بمقدار
(الصفحة 81)
الصلاتين، وظاهره التأخير بهذا المقدار وإن لم يصلّهما وإن كان مقتضى الإحتياط هو الثاني. نعم ينبغي اضافة مقدار الغسل قبل الصلاتين للتصريح به في جملة من الرّوايات.
هذا وأما التأخير إلى وقت العصر فلا يجوز لعدم دلالة شيء من الرّوايات على جوازه، بل ظهور جملة منها في لزوم إتيان الموقف بعد الأعمال المذكورة بلا فصل. نعم بناء على كون الواجب من الوقوف مطابقاً للركن وهو المسمّى يجوز التأخير إليه فاللازم إحالة هذا البحث إلى المسألة الثالثة الآتية الموضوعة لهذا البحث، فانتظر. هذا تمام الكلام بالإضافة إلى المبدأ.
وأمّا المنتهى فلا خلاف في أنه هو الغروب الشرعي. ويدل عليه نصوص مستفيضة مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأفاض بعد غروب الشمس.(1)
ورواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه وإن كان متعمّداً فعليه بدنة.(2)
ورواية ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس. قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام
- (1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، الباب الثاني والعشرون، ح1.
- (2) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الباب الثالث والعشرون ح1.
(الصفحة 82)في المراد بالوقوف
مسألة 2 ـ المراد بالوقوف مطلق الكون في ذلك المكان الشريف من غير فرق بين الركوب وغيره والمشي وعدمه. نعم لو كان في تمام الوقت نائماً أو مغمى عليه، بطل وقوفه. [1]
ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطرى أو في أهله.(1) هذا وقد تقدّم التحقيق في ماهيه الغروب الشرعي وحقيقته في باب اوقات الصلاة، فراجع.
[1] وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين:
أحدهما: إن المراد بالوقوف الواجب في عرفات أعم من الرّكن وغيره، هو مطلق الكون في ذلك المكان الشريف. سواء كان راكباً أم غيره، وسواء كان ماشياً أم لم يكن. والدليل عليه استمرار السيرة القطعية العملية من المسلمين جميعاً على عدم الاستمرار على الحالة التي كانت عليها عند الشروع في الوقوف والذهاب إلى قضاء حوائجهم المختلفة وصرف الوقت في الصلاة المركبة من حالات مختلفة وغيرها من الحالات، فيدل ذلك على أن المراد بالوقوف ماذكرناه في المتن.
وثانيهما: إنه لو كان في تام الوقت نائماً أو مغمى عليه، يكون وقوفه باطلا. والسرّ فيه إنّ الوقوف الواجب لابد وأن يكون مستنداً إلى الفاعل وصادراً عن إرادة واختيار، وهو لا يتحقق مع كونه نائماً في جميع الوقت ومن الزوال إلى الغروب أو مغمى عليه كذلك وإن كان قبله عازماً على الوقوف وناوياً لإتيانه مع جميع الشرائط المعتبرة في عبادته مثل قصد القربة في ظرفه الزماني، إلاَّ أنه مع استيعاب
- (1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الباب الثالث والعشرون ح3.