(الصفحة 234)
جميعاً فقال: ان كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، وان كان فعله متفرّقاً في مجلسين فعليه دمان(1) . هذا ولكن في نقل الشيخ بدل «عليه مدّ من طعام» قال: عليه في كل ظفر قيمة مدّ من طعام، وعلى ما ذكرنا فالاختلاف انّما هو بين النقلين لا بين النسختين كما هو ظاهر صاحب الجواهر وحيث ان الصدوق اضبط في نقل الرواية عن الشيخ لكثرة اشتغالاته وتأليفاته في الفنون المختلفة الاسلامية بل له تأليفات متعددة في فنّ واحد كالفقه فالظاهر لزوم الأخذ بما رواه الصدوق الذي يؤيّده فتوى المشهور كما انه يؤيده خبر الحلبي وان كان في سنده ضعف انه سأله عن محرم قلّم اظافيره قال: عليه مدّ في كل اصبع فان هو قلّم اظافيره عشرتها فانّ عليه دم شاة(2).
لكن ربما يتوهم انّ في مقابلها روايتين ظاهرتين في خلاف ما ذكر:
احداهما صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن الرجل المحرم تطول اظفاره قال لايقصّ شيئاً منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصها (فليقلمها خ ل) وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام(3). ولعله لأجله حكم صاحب الوسائل بالتخيير بين المدّ والكف للجمع بين الروايات ولكن حيث ان مورد ذيل الرواية صورة الاضطرار المسوغ للقصّ فلا دلالة له على ان الكفارة في محلّ البحث الذي هي صورة الحرمة ومخالفة التكليف التحريمي المتعلق بقصّ الظفر ايضاً ذلك.
ثانيتهما صحيحة زرارة المتقدمة ايضاً عن ابي جعفر (عليه السلام) قال من قلّم اظافيره
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني عشر، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني عشر، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والسبعون، ح1.
(الصفحة 235)
ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شيء عليه ومن فعله متعمّداً فعليه دم(1) بناء على عدم ظهور الجمع المضاف الى الضمير في العموم فانّها ـ ح ـ تدل على ثبوت الدم في قصّ ظفر واحد ايضاً.
ولكن الجواب انّ اطلاقها على فرض ثبوته يقيَّد بالمجموع بسبب صحيحة ابي بصير المتقدمة الّتي هي نص في عدم وجوب الدّم في قصّ ظفر واحد أو مثله.
وقد ظهر مما ذكرنا انه لا محيص عن الالتزام بما عليه المشهور وربما يدفع احتمال ثبوت القيمة بانه يلزم ـ ح ـ التخيير بين الأقل والأكثر في الواجب التخييري وهو مستحيل بخلاف نفس المدّ الذي يرجع الى التخيير بين انواع مختلفة مثل الحنطة والشعير وغيرهما ولكن التحقيق كما قرّر في الاصول انه لا استحالة في التخيير بين الأقل والأكثر بوجه هذا كلّه بالنسبة الى ما دون الخمسة.
وامّا في الخمسة وما زاد عليها الى ان تبلغ العشرة ففي المتن تبعاً للمشهور ان في كل ظفر مدّاً من طعام فلو قصّ تسعة اظفار ففي كل واحد منها المدّ ويبلغ المجموع تسعة امداد لكن عرفت في عبارة الاسكافي انّ في الخمسة فما زاد الدّم وفي عبارة الحلبي ان في الخمسة المطابقة لاظفار احدى يديه صاع مع ان الصاع يعادل أربعة امداد.
أقول امّا ما ذكره الحلبي فلا شاهد له اصلاً إلاّ ما ذكره صاحب الجواهر من انّه يحتمل ان يكون مراده من الصاع هو صاع النبي (صلى الله عليه وآله) الذي كان خمسة امداد ومن الظاهر انه بعيد.
وامّا ما ذكره الاسكافي فيمكن ان يكون مستنده في ذلك صحيحة حريز عن ابي
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب العاشر، ح5.
(الصفحة 236)
عبدالله (عليه السلام) في المحرم ينسي فيقلّم ظفراً من اظافيره قال: يتصدّق بكفّ من طعام قلت فاثنتين قال: كفين قلت فثلاثة قال: ثلث أكفّ كل ظفر كف حتى يصير خمسة فاذا قلّم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان(1) .
ومرسلته عمّن أخبره عن ابي جعفر (عليه السلام) في محرم قلّم ظفراً قال يتصدّق بكفّ من طعام قلت: ظفرين، قال: كفين قلت ثلاثة قال ثلاثة أكفّ، قلت أربعة قال أربعة أكفّ قلت خمسة قال عليه دم يهريقه فان قصّ عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلاّ دم يهريقه(2).
ودلالة الاولى على ثبوت الدم في الخمسة في صورة التوجه والالتفات انّما هي على سبيل الاولوية لأنه اذا كان الدم ثابتاً في الخمسة في صورة النسيان ففي صورة الالتفات لا مجال لاحتمال كون الكفارة أخفّ وأقلّ من الدّم إلاّ ان يكون المراد بالنسيان فيه هو النسيان قبل الاحرام وتقليم الظفر بعده مع الالتفات وعليه تكون دلالتها بالمطابقة كالمرسلة لكن هذا الاحتمال في الصحيحة خلاف الظاهر جدّا.
ثم ان دلالة الروايتين على مدّعى الاسكافي انّما هي بالاضافة الى بعض مدّعاه الذي هو محلّ البحث فعلاً لأنّ بعضه الآخر كان عبارة عن التخيير بين المدّ و قيمته مع ان مقتضى الروايتين ثبوت كفّ من طعام في ظفر واحد وكفين في ظفرين وهكذا الى ان يبلغ الخمسة.
هذا ويرد على الاستناد اليهما انّ الثانية ضعيفة بالارسال ولا مجال للاستناد اليها والاولى وان كانت صحيحة إلاّ انّ ثبوت الكفارة في مورد النسيان في قلم الظفر مضافاً
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني عشر، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني عشر، ح5.
(الصفحة 237)
الى انه خلاف الفتاوى بل الاجماع كما في الجواهر فالرواية تصير معرضاً عنها يكون مخالفاً لحديث الرفع ولما دلّ على ان الناسي أو الجاهل في باب الحج ليس عليه الكفارة إلاّ في مسألة الصيد ولما ورد في خصوص المقام من الرواية الصحيحة الدالة على اختصاص الكفارة بالمتعمد وانه لاشيء على الناسي والساهي والجاهل كصحيحة زرارة المتقدمة في أصل البحث فلا مجال للأخذ بهذه الصحيحة في المقام على انهما موافقتان لمذهب ابي حنيفة في الحكم بالدم في الخمسة.
هذا وامّا المناقشة في الصحيحة بكون أمرها دائراً بين الارسال كالرواية الثانية التي نقلها الكليني وبين كونها مسندة كما في نقل الشيخ كما في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) فمن الغرائب جدّاً فان الدوران انما يكون مورده ما اذا كان الراوي واحداً والامام الذي روى عنه واحداً فانه ـ ح ـ اذا كانت احدى روايتيه بنحو الارسال والاُخرى مسندة يكون أمر الرواية دائراً بين الارسال والاسناد ويخرج بذلك عن الحجية والاعتبار وامّا اذا كان الامام (عليه السلام) متعدداً فأي مانع من ان يكون نقله عن احدهما بنحو الارسال والآخر مسنداً ولا منافاة بين النقلين بوجه والمقام من هذا القبيل فان حريز روى الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة والمرسلة عن الباقر (عليه السلام) مع واسطة مجهولة ولا معنى للحكم بالدوران هنا بل الصحيحة باقية على حجيتها ووجود المرسلة لايقدح فيها بوجه هذا كلّه بالاضافة الى الخمسة وما زاد مالم يبلغ العشرة.
وامّا العشرة فلا شبهة في ان الكفارة فيها نصّاً واجماعاً هو دم شاة وقد وقع التصريح به في صحيحة ابي بصير المتقدمة كما انه لا شبهة في انه اذا كانت العشرة مجموع اليدين أو مجموع الرجلين تكون كفارة الدّم ثابتة وامّا اذا كانت مركبة من اليد والرجل كما اذا قلّم اظافير يد واحدة وكذا رجل واحدة فهل الكفارة الدم أو عشرة امداد
(الصفحة 238)
من الطعام ؟
صريح المتن هو الثاني حيث وقع فيه التصريح بانه لو قص من كل واحدة من اليد والرج لتسعة اظفار فعليه لكل واحد مدّ وقد تبع في ذلك صاحبي المسالك والجواهر (قدس سرهما).
والتحقيق يقتضي خلاف ذلك لأنّ المستند الوحيد في هذا المقام هي صحيحة ابي بصير المتقدمة وان جعل في الوسائل روايته متعددة وتبعه بعض الكتب الفقهية إلاّ ان الظاهر عدم كونها اُخرى كما أشرنا اليه مرارا.
وصحيحة ابي بصير الدالة على ثبوت المدّ لكلّ من ظفر لا مجال للاشكال في ثبوت الاطلاق لها بالاضافة الى ما دون العشرة فاذا قصّ اظفار احدى يديه وأربعة اظفار من رجليه ـ كلتيهما أو احديهما ـ فالحكم فيه هي تسعة امداد من الطعام مع عدم التجانس بين الاظفار لكون جملة منها من اليد وجملة اُخرى من الرجل ومن الواضح انّ مبنى الحكم ومستنده هي هذه الصحيحة وعليه فاللازم الالتزام بثبوت الاطلاق للضابطة الكلية المستفادة منها وهي ثبوت المدّ لكل ظفر فيما دون العشرة والحكم بانه لا فرق فيما دونها بين ان يكون الجميع من اليد أو من الرجل أو من كلتيهما على سبيل الاختلاط والتركيب.
فاذا كان الاطلاق ثابتاً لِلْمُعنيّى فالظاهر ثبوته بالنسبة الى الغاية وهي العشرة لأن الصحيحة مسوقة لبيان حكم كل من الصورتين وعليه فكما انه لا فرق فيما دون العشرة بين الفروض الثلاثة المذكورة كذلك لا فرق في العشرة بين تلك الفروض ولا مجال للتفكيك بين العنوانين فاذا كانت العشرة مركبة من اليد والرجل معاً فاللازم الحكم بثبوت كفارة الدّم فيها.