(الصفحة 390)
هذا ولكنك عرفت اختصاصها في نفسها بالناسي خصوصاً مع التعبير بالاستيقان في بعضها وعليه فموردهما مختلف ولا ارتباط بينهما حتى بنحو العموم والخصوص.
ومنها صحيحة ابي بصير قال سئلت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت ثمانية ياشواط المفروض قال: يعيد حتى يثبته(1) .
ولابي بصير رواية اخرى يحتمل اتحادها مع الاولى وفي سندها اسماعيل بن مرار الذي يكون فاقداً للتوثيق الخاص بل من اسناد كتاب تفسير على بن ابراهيم القمي مع انّها مضمرة وان كان الظاهر بلحاظ كونه مسبوقاً بسؤال اخر كون مرجع الضمير مشخصّاً قال ـ في حديث ـ قلت له فانّه طاف وهو متطوع ثماني مرّات وهو ناس قال: فليتمّه طوافين ثم يصلي اربع ركعات، فامّا الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة اشواط(2).
ولاخفاء في دلالتهما على وجوب الاعادة والبطلان في المقام خصوصاً مع فرض خصوص النسيان في الرواية الثانية وعليه فالمعارضة متحققة بينهما وبين الروايات المتقدمة وحيث ان الشهرة الفتوائية موافقة للطائفة الاولى فلابد من الاخذ بها والحكم بالصحة وعدم لزوم الاعادة من رأس.
ومن الغريب ما ذكره بعض الاعلام (قدس سره) في مقام الجمع بين الطائفتين من ان الواجب اذا كان امراً واحداً وورد عليه امران مختلفان تقتضي القاعدة التخيير بين الامرين فح ما ذكره الصدوق من التخيير هو الصحيح ثم قال: هذا ما تقتضيه الصناعة ولكن حيث ان الامر يدور بين التعيين والتخيير فالاحتياط يقتضي أن يتم الزائد ويجعله طوافاً كاملاً بقصد القربة المطلقة.
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والثلاثون ح ـ 1 .
- (2) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والثلاثون ح ـ 2 .
(الصفحة 391)
ويرد عليه مضافاً الى ما عرفت من عدم دلالة عبارة الصدوق في المقنع على التخيير والى انه لا معنى للتخيير بين الصحة والبطلان اصلاً ان الاحتياط في الدوران بين التعيين والتخيير في الاخذ بالمعيّن انّما هو لاجل حصول العلم بكونه موافقاً بالمأمور به واتمام الزائد وجعله طوافاً كاملاً لا يتحقق به ذلك بعد احتمال بطلان الطواف رأساً ولزوم اعادته بجميع اشواطه فما افاده في غاية الغرابة والتحقيق ما ذكرنا.
الجهة الثانية في انه بعد الفراغ عن صحّة الطواف الذي زيد عليه شوط واحداً وازيد نسياناً بمقتضي القاعدة والروايات المتقدمة يقع الكلام في لزوم الاكمال والاتمام اربعة عشر اشواطاً واستحبابه وعدم لزوم الاكمال فيجوز الاقتصار على المأتي به فيه وجهان حكي في الجواهر عن الفاضل والشهيدين انهم قد صرّحوا باستحباب الاكمال واستظهره من المحقق في الشرايع وغيره ممّن عدّه في ذكر المندوبات واختاره هو ايضاً مستنداً الى الاتفاق على عدم وجوب طوافين والتصريح في بعض الروايات الصحيحة بان احدهما فريضة والاخر ندب بضميمة ان مقتضي الاصل بقاء الاوّل على وجوبه ومن المستبعد انقلاب ما نواه واجباً للندب بالنيته المتأخرة.
وذكر بعض الاعلام (قدس سره) ما حاصله انه لا ريب في ان الامر بالتكميل ليس امراً تكليفيّاً وجوبيّاً جزماً لان الطواف ليس كالصلوة في وجوب المضي وحرمة القطع كما ادعي عليه الاجماع في الصّلوة ولا كاصل الحج والعمرة في وجوب الاتمام بل الطواف يجوز قطعه اختياراً ورفع اليدعنه ويذهب حيث شاء ثم يأتي به ويستأنفه براسه من دون فرق بين ان يكون قبل الثلاثة او بعدها وعليه فالامر بالاكمال في الروايات لا يكون امراً وجوبيّاً بل هو من الامر في مقام توهم الحظر والمراد انه يصحّ له ويجوز له التتميم باتيان البقية فالمستفاد منها صحة الطوافين خصوصاً مع الامر باتيان اربع
(الصفحة 392)
ركعات لكن لا يستفاد منها ان الاوّل واجب والثاني مستحب او العكس والمرجع هو اصالة عدم اشتراط صحة الطواف الاوّل باتمام الطواف الثاني كما ان الاصل عدم انقلاب الطواف الاول من الوجوب الى الندب بل الاصل يقتضي بقائه على الوجوب.
اقول لا ينبغي الاشكال في انّ ظاهر الروايات المتقدمة وجوب الاتمام اربعة عشر اشواطاً او اضافة الستة الى الثمانية على الاختلاف في العبارة ولابدّ في البين من وجود قرينة يرفع اليد بسببها عن الظهور المذكور والاّ لا مجال لرفعها عنه سواء قلنا بانّ مقتضي ظاهرها الوجوب الشرطي بمعني مدخلية الاكمال في صحة الطواف الاول او الوجوب التكليفي الذي مرجعه الى كون التكميل عقوبة مترتبة على اضافة مثل الشوط ولو سهواً كلزوم سجدتي السهو المترتب على الاتيان بالزيادة السهوية غير المبطلة في باب الصلوة حيث انه عقوبة مترتبة عليها.
وما افاده في الجواهر من الاتفاق على عدم وجوب طوافين لا يكون قرينة على الخلاف فان مرجعه الى عدم لزوم طوافين في عمرة واحدة او حجّ واحد بحيث كان كل منهما متّصفاً بعنوان الجزئية لشىء منهما وامّا مدخلية الطواف الثاني في صحة الطواف الذي هو جزء له او وجوبه بعنوان العقوبة الخارجة عن حقيقة الحج او العمرة فلا يقتضي الاجماع المذكور نفيه كما ان استدلال بعض الاعلام بما عرفت لا يكون بتامّ خصوصاً مع جعله مقتضي الاصل عدم اشتراط صحة الطواف الاوّل بالاتمام فان مرجعه الى وجود الاحتمال في هذا المجال ومع هذا الاحتمال اذا كان ظاهر الدليل موافقاً له كيف يجوز رفع اليد عنه وحمله على كون الامر فيه وارداً في مقام توهم الحظر وجواز قطع الطواف في سائر الموارد بخلاف الصلوة لا يستلزم ان يكون الحكم في المقام ايضاً ذلك على انه لا دلالة في الروايات على لزوم وقوع الاتمام والاكمال فوراً وان كان
(الصفحة 393)
اللازم على تقدير كون الاوّل فريضة والثاني نافلة ذلك لئلا يتحقق الفصل الطويل بين الطواف وصلوته.
ويؤيد بل يدل على وجوب الاكمال ما حكي عن الصدوق ووالده وابن الجنيد من ان طواف الفريضة هو الطواف الثاني على ما في بعض الروايات الصحيحة الاتية ايضاً.
نعم في بعض الروايات المتقدمة ان احد الطوافين نافلة والاخر فريضة وهو مع كونه ضعيفاً من حيث السند لا دلالة له على عدم لزوم الاكمال فان كونه نافلة بمعنى كونه زائدة خارجة عما هو الجزء للحج او العمرة ولا ينافي ذلك لزوم الاتيان به خصوصاً اذا كان بعنوان العقوبة لا بعنوان الشرطية بالشرط المتأخر لصحة الطّواف الاوّل.
ثم انّ هنا رواية صحيحة رواها زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال انّ عليّاً (عليه السلام) طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد واضاف اليه ستّاً ثم صلّي ركعتين خلف المقام ثم خرج الى الصفا والمروة فلمّا فزع من السّعي بينهما رجع فصلّي
الركعتين اللتين ترك في المقام الاوّل(1) .
لكنّها مضافاً الى دلالتها على وقوع السهو من الامام المعصوم (عليه السلام) وهو خلاف معتقد الامامية بالنسبة الى ائمتهم (عليهم السلام) انّ ظاهر صدرها باعتبار قوله (عليه السلام) فترك سبعة هو رفع اليد عن السبعة وجعلها كالعدم وعليه فلا يلائم اضافة الركعتين الاخرتين بعد الفراغ عن السعي وحمل الترك على كون المراد به هو رفع اليد عنها بعنوان الجزئية لطواف الفريضة وجعلها طوافاً نافلة خلاف الظاهر جدّاً كما ان دعوى التفكيك في الرواية بين ما هو خلاف معتقد الشيعة بالحمل على التقية وبين الحكم المذكور فيها
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والثلاثون ح ـ 7 .
(الصفحة 394)
برفع اليد عن السبعة واضافة الستّة الظاهرة في كون الثاني هو طواف الفريضة ممّا لا مجال لها اصلاً لانه لا معنى للتفكيك بين الموضوع والحكم وليس المقام مثل مااذا كانت رواية مشتملة على حكمين ـ مثلاً ـ وكان اللازم حمل احدهما على التقيّة حيث انّه يجوز التفكيك بينهما كما لا يخفى.
ثم الظاهر انّ هذه الرواية هي مستند القول المتقدم الذي حكاه صاحب الجواهر عن بعض الناس ممّن قارب عصره من الحكم ببطلان السبعة والاعتداد بالثامن لكنك عرفت ان البطلان وان كان ظاهر رفع اليد عنها الا انه لا يلائم مع الاتيان باربع ركعات كما في الرواية.
وقد انقدح مما ذكرنا ان الظاهر هو وجوب الاكمال والاتمام وعلى تقدير التنزل فاللاّزم اختيار ما في المتن من انّ مقتضي الاحتياط الوجوبي الاتمام بقصد القربة المطلقة المجامعة للوجوب والاستحباب.
كما انه ظهر ممّا ذكرنا انه لم ينهض دليل على تعيين سبعة اشواط الفريضة وانها هي السبعة الاولى او الثانية وان كان يؤيد القول الثاني ان لازم القول الاوّل وقوع الفصل بين الطواف وصلوته بخلاف القول الثاني ولكن الظاهر عدم قدح هذا المقدار من الفصل وعليه فيتم ما في المتن ايضاً من لزوم جعل الركعتين قبل السعي لطواف الفريضة من غير تعيين انه هو الطواف الاول او الثاني وان كان يؤيد الاوّل ان لازم الثاني تحقق الانقلاب بالاضافة الى الاول لان المفروض ان الاتيان به كان بنيّة الطواف الواجب والاصل بقائه على هذا الوصف الاّ مع قيام الدليل على خلافه والمفروض عدمه.
الجهة الثالثة في وجوب الركعتين فقط او لزوم اربع ركعات ظاهر المتن هو الثاني