(الصفحة 10)
ليس مثل الطواف الذى تتوقف تمامية الشوط فيه على جعل الكعبة بأجمعها داخلة في الطواف. بل من الصفا إلى المروة شوط، و من المروة إلى الصفا شوط آخر. و لذاتتحقق السبعة بالشروع من أحدهما و الختم بالآخر.
و أمّا لزوم كون البدأة بالصفا و الختم بالمروة فالمحكي عن الحلبي أن السنة فيه الإبتداء بالصفا و الختم بالمروة. لكنه ليس خلافاً مع قوة احتمال أن يكون مراده بالسنّة هو الوجوب ـ كما ربما يعبّر بها عنه ـ نعم حكي عن أبي حنيفة جواز الإبتداء بالمروة و لكنّه ذكر في الجواهر أنه مسبوق بالاجماع و ملحوق به.
و الروايات الواردة في هذه الجهة انّما يظهر منها المفروغية و كون لزوم البدأة بالصفا امراً مسلّماً عند السائل. و السؤال إنّما وقع عن بعض الفروع، و كيف كان فقد وقع الإشكال بل الخلاف فيما لو بدأ بالمروة قبل الصّفا واللازم فرض الكلام فيما لو تحقق ذلك نسياناً أو جهلاً، فإن العالم العامد القاصد الإمتثال الأمر بالحج أو العمرة لايكاد يتحقق منه قصد القربة بالسعي الذى ابتدأ به من المروة بعد فرض علمه باعتبار كون البدأة من الصّفا; فاللازم فرض الكلام في غير العالم العامد، فنقول:
تارة يتحقق زوال عذره قبل تمامية الشوط الأوّل و أخرى بعد تماميّته والإتيان ببعض الشوط الثاني أو أزيد. ففي الفرض الأوّل يجب عليه طرح ما أتى به وإلغائه و الإبتداء بالسعي من الصّفا. و يدل عليه مضافاً إلى أنه مقتضى القاعدة، لأن المفروض عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، إطلاق الروايات الآتية.
و في الفرض الثاني وقع الإشكال بل الخلاف في أنه هل يجب عليه طرح جميع ما أتى به من أجزاء السعي و لو كان أشواطاً متعددة، أو يجب عليه طرح خصوص
(الصفحة 11)
الشوط الأوّل و يجتزي بما وقع من الصفا من الشوط الثاني بعنوان الشوط الأوّل و يصح و مابعده؟ و منشأ الإشكال اشتمال بعض الروايات الواردة في المسألة على التشبيه بمسألة الوضوء فيما لو ابتدأ بغسل اليسرى قبل اليمنى، و اللازم ملاحظة جميع روايات المقام، فنقول: هي على طائفتين:
الطّائفة الأولى: ما تكون خالية عن التشبيه المزبور، و يكون مفادها لزوم الطرح و الإعادة. مثل صحاح معاوية بن عمّار و هي: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة.(1)
و ما رواه أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان و فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى وبالصّفا.(2)
و ما رواه الكليني عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار في حديث، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح و يبدأ بالصفا.(3)
و الظاهر اتحاد هذه الرّوايات و أن جعلها في الوسائل روايات متعددة و تبعه صاحب الجواهر و بعض آخر. خصوصاً مع كون الراوي عن معاوية في السندين هو صفوان، فتدبر. كما انّ الظاهر ان مورد هذه الطائفة بعد الاختصاص بصورة الجهل أو النسيان ما ذكرنا أعم من الفرضين المذكورين، لأنه قد يصدق في كليهما إن
- (1) وسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 1.
- (2) وسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 2.
- (3) وسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 3.
(الصفحة 12)
بدأ بالمروة قبل الصفا لامجال لدعوى أن المراد بطرح ما سعى هو طرح ما بعده من الأشواط، و إلاّ فالشوط الأوّل ملغى و مطروح بنفسه; لأنه على خلاف المأمور به، و ذلك لأنه بعد فرض كون المورد غير صورة العلم و العمد يكون الدليل على البطلان نفس هذه الروايات الدالة على الطرح. و إلاّ فمن المحتمل اختصاص اعتبار البدأة بالصفا بخصوص الصورة المذكورة، فهذه الروايات دليل على البطلان في صورة الجهل أو النسيان و لانضايق من كون مقتضى القاعدة أيضاً ذلك. لأن موافقة الرواية للقاعدة لاتقدح في الأخذ بظهورها.
كما أن ظاهر الجواب لزوم طرح جميع ماتحقق من أجزاء السعي، سواء كان في الشوط الأوّل أو فيما بعده من الاشواط. فالروايات تدل بإطلاقها على بطلان جميع أجزاء السعي في كلا الفرضين و لزوم الاستيناف من رأس و الإبتداء من الصفا.
الطائفة الثانية: ماتكون مشتملة على التعليل و التشبيه المزبور. و هما روايتان:
إحديهما: رواية عليّ بن أبي حمزة، قال: سألت اباعبدالله (عليه السلام) عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألاترى أنه لوبدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء.(1) ولكنها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائنى المعروف.
ثانيتهما: رواية عليّ الصائغ، قال: سئل ابوعبدالله (عليه السلام) ـ واناحاضر ـ عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لوبدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله.(2) و في السند اسماعيل بن مراد الذى يكون موثقاً بالتوثيق
- (1) وسائل: ابواب السّعى، الباب العاشر، ح 4.
- (2) وسائل: أبواب السّعى، الباب العاشر، ح 5.
(الصفحة 13)
العام.
وحيث إنه في باب الوضوء لو بدأ بغسل اليد اليسرى قبل اليمنى لايلغى غسل اليمنى لو تحقق منه، بل يكتفى به ويجب غسل اليسرى بعده ثانياً فقد وقع الإشكال في أن مفاد هذه الطائفة بلحاظ التشبيه المذكور هو طرح خصوص الشوط الأوّل الذي ابتدأ به من المروة دون ما بعده من الأشواط. و لذا ذكر صاحب الجواهر بعد نقل الرّوايتين: مقتضى التشبيه المزبور الاجزاء باحتساب من الصّفا اذا كان قد بدأ بالمروة ثم بالصّفا و لايحتاج إلى إعادة السّعي بالصّفا جديداً، كما صرّح به بعض الناس و إن كان هو أحوط، بل ربما أمكن دعوى ظهور النصوص السّابقة فيه.
أقول: بعد ظهور قوله (عليه السلام) يعيد قبل التشبيه في لزوم إعادة جميع الأجزاء والأشواط لاخصوص ما وقع من الشوط الاول، كظهور قوله (عليه السلام) «فليطرح» في صحاح معاوية بن عمار في لزوم طرح الجميع و وجوب الاستيناف المذكور لابد لصرف هذا الظهور من استظهار كون التشبيه في الذيل تنزيلاً وتشبيهاً في جميع الأحكام والخصوصيات. فانه مع احتمال كون التشبيه في خصوص بطلان الجزء الذي ابتدأ به فقط لايكون في مقابل ظهور قوله «يعيد» ما يدل على الخلاف. و أن المراد هو لزوم اعادة ما وقع باطلاً و هو خصوص ما ابتدأ فعدم لزوم اعادة غسل اليمنى في الوضوء لايستلزم عدم لزوم الإعادة في المقام. فالإنصاف دلالة الروايات باجمعها على لزوم استيناف السعي من رأس في كلا الفرضين.
(الصفحة 14)في وجوب البداة بالصفا والختم بالمروة
مسألة 2 ـ يجب على الأحوط أن يكون الإبتداء بالسّعي من أوّل جزء من الصّفا، فلو صعد إلى بعض الدّرج في الجبل وشرع كفى، ويجب الختم باوّل جزء من المروة، وكفى الصعود إلى بعض الدّرج. ويجوز السّعي ماشياً وراكباً، والأفضل المشي. [1]
[1] فرض هذه المسألة إنّما هو بلحاظ الأزمنة السّابقة التي كان الجبلان ـ الصّفا والمروة ـ مشتملين على الدّرج وكان أصلهما الواقع على الارض متميزاً عنها. وأمّا بالإضافة إلى الزمان الحاضر الذي لا تكون الدرج باقية وكان جزء مهمّ منهما واقعاً في المسعى. والدليل عليه ارتفاع الموجود في الجانبين قبل الوصول إلى الجبلين. فلا مجال لفرض هذه المسألة. فإن الشروع من أيّ جزء من ذلك المكان المرتفع يكون شروعاً من وسط الجبل وهكذا الختم بالموضع المرتفع من المروة. ولأجل ما ذكرنا لا مجال للإشكال في السعي من المراكب النقية المتداولة في هذا اليوم، وإن كان بين المبدأ والمنتهى في محلّها وبين الجبلين أزيد من عشرة أذرع. والوجه فيه دخول جزء من المكان المرتفع في مسيرهما بدأ وختماً. وعلى ما ذكرنا فلا يبقى موقع للاحتياط في زماننا بالإضافة إلى أوّل جزء من الجبل المشاهد والختم به وعلى الروحانيين المتصدين لارشاد الحاج والمعتمر إلى مناسكهما التوجه إلى هذه النكتة وعدم ايقاع المسترشدين في الضيق والكلفة متكيّاً على عنوان الاحتياط والأخذ به.
وكيف كان فبالاضافة إلى تلك الأزمنة المتصفة بما ذكرنا، وقع الإشكال في السعي من جهة الإبتداء والختم. وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في صدر كلامه انه يكفي ان يجعل عقبه ملاصقاً للصفا لوجوب استيعاب المسافة التي بينه وبين المروة والأحوط الجمع في ذلك بين القدمين ثم إذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب حتى