(الصفحة 15)
يحصل الإستيعاب المزبور الذي عليه المدار في الظاهر. قال: وإلاّ فلا دليل على وجوب السّعي منتهياً إلى خصوص قدم الابتداء، بل لعلّ اطلاق الأدلّة يقضي بخلافه. فإنه ليس فيها إلا السعي بينهما الذي يتحقق بذلك والانتهاء إلى ما يحاذي الابتداء وحكي عن الرياض، قوله: لولا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا والأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة والاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصّفا والمروة عرفاً وعادة، لا يخلو عن قوة. كما ذكره بعض المعاصرين ... واختار في ذيل كلامه هذا الذي ذكره البعض.
ثانياً: لظهور كلام الأصحاب في ذلك بل هو أمر ذكر بعض متأخري المتأخرين. قال: بل للّ اطلاق الفتاوى بخلافه.
أقول: إن هنا أموراً لابد من ملاحظتها ورعاية الجمع بينها:
الأوّل: فاللازم رعاية هذا الواجب لعدم وجود واجب آخر.
الثاني: إن السعي بينهما وإن كان يتحقق بالسّعي الخالي عن الإستيعاب، إلاّ ان الظاهر ـ كما في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) ان المدار على الاستيعاب كما في غسل الوجه واليدين من المرفق في الوضوء فإن اللازم إحاطة الغسل لجميع أجزاء الوجه واليدين وفي مثل هذه الموارد لا يكون تسامح من ناحية العرف بوجه بل العرف يراعي لزوم المقدمة العلمية.
الثالث: إنّه لا إشكال في جواز السّعي راكباً وثبت ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان سعى على ناقته. ومن الواضح انه ليس في الضيق من جهة إلصاق العقب أو الأصابع.
الرّابع: إن الصعود على الجبل لا يكون واجباً وإن حكي احتمال وجوبه عن
(الصفحة 16)
الفقيه والهداية والمقنع والمراسم والمقنعة، وعن الدروس إن الأحوط الترقي إلى الدرج وتكفي الرابعة.
وعن التذكرة والمنتهى: إن من أوجب الصعود أوجبه من باب المقدمة، لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا به كغسل جزء من الرأس في الوضوء وصيام جزء من الليل.
ثم قال: وهذا ليس بصحيح لأن الواجبات هنا لا يتفضل بمفضل حسّي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه فلهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس وصيام جزء من الليل، بخلاف المقام، فإنه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقاً للصفا، واستدل للقائل بالوجوب أيضاً بالأمر بصعوده في بعض النصوص وبما روى من أنه (صلى الله عليه وآله) صعده في حجة الوداع التي قال فيها: خذوا عني مناسككم.
والجواب، انّ الأمر للاستحباب وصعوده (صلى الله عليه وآله) لا دلالة له على وجوبه بعد عدم صعوده في غير حجة الوداع وقيامى الدليل على عدم وجوبه وملاحظة هذه الأمور الأربعة رعاية الاستيعاب العرفي الّذي لا محالة يفترق فيه الركوب عن غيره وانّ في الراكب والراجل كلاّ بحسب حاله. وعليه فاللازم الابتداء من الصفا والختم بالمروة ورعاية الاستيعاب لا تقتضي الإلصاق المزبور بوجه. ولكن الأمر سهل بعدما عرفت من عدم تحقق فرض هذه المسألة بالنسبة إلى هذه الأزمنة.
(الصفحة 17)في عدم اعتبار الطهارة وستر العورة في السعي
مسألة 3 ـ لاتعتبر الطهارة من الحدث ولا الخبث ولا ستر العورة في السعي، و إن كان الأحوط الطهارة من الحدث. [1]
[1] أمّا عدم اعتبار الطهارة من الحدث فكما في الجواهر هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً بل في محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا به مشعر بل هي كذلك إذ لم يحك الخلاف فيه إلاّ من العمّاني.
ومنشأ الخلاف طائفة من الروايات الواردة في هذا المجال. لابد من ملاحظتها لتظهر تمامية دلالتها أوّلاً وصلاحيتها للمعارضة مع الطائفة الدالة على عدم الإعتبار ثانياً. فنقول هي ثلاث روايات:
إحديها: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض. قال: لا. ان الله يقول:
(إنّ الصفا و المروة من شعائرالله) .(1)
واشتمالها على العلة المذكورة يمنع من ظهورها في الوجوب، لأن الوقوفين وأمثالهما من الشعائر ولا تعتبر فيه الطهارة بوجه، وقد وقع التصريح في الكتاب العزيز بأن ابدنة من الشعائر، ولا يعتبر فيها الخلو من الحدث أصلا.
مع أنّ كون الصفا والمروة من شعائر الله لا يقتضي كون السعي بينهما أيضاً كذلك، والكلام في السعي لافي نفس الجبلين مع أنّ عدم جواز السعي مع الحيض لا يقتضي عدم الجواز مع الحدث الاصغر وكذا الأكبر مثل الجنابة ـ كما في الصّوم ـ فالرّواية في نفسها لا تصلح لاثبات المدّعى.
ثانيتها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن الرجل يصلح أن
- (1) وسائل: أبواب السّعى، الباب الخامس عشر، ح3.
(الصفحة 18)
يقضى شيئاً من المناسك وهو على غير وضوء؟ قال: لا يصلح إلاّ على وضوء.(1)وظهورها في أنه لا يصلح أن يقضي شيئاً من المناسك على غير وضوء مع وضوح عدم اعتباره في غير الطواف والسعي يقتضى أن لا يؤخذ به وأن لا يكون هو المراد. فلا محالة يكون المراد هو الاستحباب.
ثالثتها: موثقة ابن فضّال. قال: قال ابو الحسن (عليه السلام) لا تطوف ولاتسعى إلاّ بضوء.(2) وهي تامة من حيث الدلالة وظاهرة في النهي عن السعي بدون الوضوء كالطواف بدونه والحمل كما عن الشيخ (قدس سره) على النهي عن مجموع الأمرين لا عن كل واحد بانفراده خلاف الظاهر جدّاً.
وأمّا الطائفة الأخرى، فهي كثيرة جدّاً. مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لابأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف. فإنّ فيه صلاة والوضوء أفضل. وفي نقل آخر والوضوء أفضل على كلّ حال.(3) والتعليل يشعر بأن اعتبار الوضوء في الطواف إنّما هو لأجل لزوم الإتيان بالصلاة بعده وكونها مرتبطة ومتصلة به ويحتمل بعيداً أن يكون المراد هو أن الطواف صلاة كما فيما روي من أن الطواف بالبيت صلاة.
وصحيحة رفاعة بن موسى. قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) اشهد شيئاً من المناسك وأنا على غير وضوء؟ قال: نعم، إلا الطواف بالبيت، فإن فيه صلاة.(4)
- (1) وسائل: ابواب السّعى، الباب الخامس عشر، ح8.
- (2) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح7 .
- (3) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح1 .
- (4) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح2.
(الصفحة 19)
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار، إنه سئل ابا عبدالله (عليه السلام) عن امرأه طافت بين الصفا والمروة وحاضت بينهما. قال: تتم سعيها، وسأله عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى. قال: تسعى.(1)
ورواية يحيى الأزرق. قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام) رجل سعى بين الصفا والمروة فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة، ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء. فقال: لابأس، ولو أتم مناسكه بوضوء لكان أحبّ إلي.(2) والظاهر اعتبار سند الرواية وأن يحيى الأزرق هو يحيى بن عبدالرحمن الأزرق وهو ثقة. وغير ذلك من بعض الروايات الظاهرة في عدم اعتبار الطهارة من الحدث في السعي.
وهذه الطائفة قرينة على أن المراد بقوله: ولا تسعى في الموثقة هي الكراهة بدون الطهارة أو استحبابها.
ولو اغمض عن الجمع الدلالي وفرض ثبوت التعارض يكون الترجيح مع الطائفة اثانية لموافقتها للشهرة الفتوائية المحققة، وهي أوّل المرجحات في باب التعارض ـ على ما ذكرنا غير مرة ـ .
هذا وربما يقال كما قيل بأنّ الأحوط مانعية خصوص الجنابة عن السعي، الرواية عبيد بن زرارة. قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت أسبوعاً طواف الفريضة، ثم سعى بين الصفا والمروة أربعة أشواط، ثم غمزه بطنه فخرج فقضى حاجته ثم غشى أهله. قال: يغتسل ثم يعود ويطوف ثلاثة أشواط ويستغفر ربّه
- (1) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح5.
- (2) وسائل: ابواب السعى، الباب الخامس عشر، ح6.