(الصفحة 167)
رمي الجمار إلاَّ أيام التشريق.(1) وفيه سندها محمد بن عمر بن يزيد الذي ذكر صاحب المدارك وغيره إنه لم يرد في توثيق ولا مدح يعتدّ به. فالرواية من حيث هي غير معتبرة، ولكن استناد المشهور إليها يجبر الضعف ـ كما في الجواهر ـ .
الثانية: صحيحة معاوية بن عمار، وقد عرفت انّها واحدة وإن جعلت متعددة ولنقتصر على نقل واحدة منها. قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل نسى رمي الجمار، قال: يرجع فيرميها. قلت: فإنه نسيها حتى أتى مكّة، قال: يرجع فيرمي متفرّقاً يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج. قال: ليس عليه أن يعيد.(2) وفي بعضها التعبير في الجواب عن السؤال الأخير بقوله: ليس عليه شيء.
والإختلاف بين الروايتين بعد اعتبارهما كما مرّ، انمّا هو في أمرين:
الأمر الأوّل: دلالة رواية عمر بن يزيد صدراً وذيلاً وخصوصاً من حيث الذيل الوارد مورد التعليل وهو قوله «فإنّه لا يكون رمي الجمار إلاَّ أيام التشريق» على أنّ مضى الأيام المذكورة يمنع عن صحة الرمي أداء أو قضاء، وأن ظرفه الزماني يختص بتلك الأيام وثبوت الإطلاق في صحيحة معاوية من جهة دلالتها على وجوب الرجوع من مكة للرمّي من دون تقييد بما إذا لم تمض أيّام التشريق وقد مرّ أن صاحب المدارك حمل عبارة الشرايع على الاطلاق وإن مقتضاها وجوب الرجوع من مكّة مطلقاً مع أن مقتضى حمل المطلق على المقيد تخصيص ذلك بصورة
- (1) وسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح4.
- (2) وسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح3 .
(الصفحة 168)
عدم الانقضاء، وقد مرّ أن صاحب الجواهر حمل عبارة الشرايع عليه بقرينة ما بعدها. فلا إشكال في هذا الأمر.
الأمر الثاني: دلالة رواية عمر بن يزيد على أنه بعد مضي أيام التشريق يلزم الرمي من قابل سواء كان بنفسه أو بوليّه أو نائبه. ودلالة الصحيحة على أنه بعده ليس عليه شيء وظاهره عدم وجوب الرمي في العام القابل وعدم وجوب غيره من الكفارة أو مثلها أو أنه ليس عليه أن يعيد. وظاهره عدم الوجوب في القابل.
هذا والمشهور وإن حكموا بالوجوب نظراَ إلى رواية عمر بن يزيد. إلاَّ انّ الظاهر ثبوت الجمع الدلالي بين الروايتين بجعل قوله «ليس عليه أن يعيد» قرينة على أن المراد من قوله «عليه أن يرميها من قابل» على الإستحباب ـ كما في نظائره ـ فإن قوله «ليس عليه أن يعيد» في الدّلالة على عدم الوجوب أظهر من دلالة قوله «عليه أن يرميها...» على الوجوب فيحمل الثاني على الإستحباب. وعليه فمقتضى القاعدة هو الحكم بالإستحباب كما مرّ أن المحقق صرح به في النافع وتحتمله عبارة الشرايع، لكن حيث إن المشهور حكموا بالوجوب فمقتضى الإحتياط الوجوبي كما في المتن هو الرمي من قابل ولو بالإستنابة.
(الصفحة 169)فيما يعتبر في الرمي من الأمور
مسألة 2 ـ يجب في رمي الجمار أمور:
الأوّل: النيّة الخالصة لله تعالى كسائر العبادات.
الثاني: القاءها بما يسمّى رمياً، فلو وضعها بيده على المرمىّ لم يجز.
الثالث: أن يكون الإلقاء بيده. فلا يجز لو كان برجله، والأحوط أن لا يكون الرّمي بآلة كالمقلاع وإن لا يبعد الجواز.
الرّابع: وصول الحصاة إلى المرميّ، فلا يحسب ما لا تصل.
الخامس: أن يكون وصولها برمية. فلو رمى ناقصاً فأتمّه حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز. نعم لو رمى فأصابت حجراً أو نحوه وارتفعت منه ووصلت المرميّ صحّ. [1]
[1]
قد وقع التعرض في هذه المسألة لما يعتبر في رمي الجمار من الأمور، من دون فرق بين رمي جمرة العقبة فقط الذي هو من اعمال يوم النحر و بين رمي الجمرات الثلاثة الذي يجب في اليومين أو الأيام الثلاثة بعد يوم النحر، فنقول:
الأوّل: النيَّة وقد مر التحقيق فيها في الطواف والسعي والوقوفين ويزيد هنا وجود القضاء فيه دون الأمور المذكورة. فإذا كان عليه القضاء والأداء، فاللازم التعيين في النيّة لعدم تعين شيء من العنوانين بدون التعيين في النيّة.
الثاني: الإلقاء بما يسمى رمياً. فلا يصح الوضع وإن كان باليد. والوجه فيه أن العنوان المأخوذ في متعلق الوجوب نصّاً وفتوى هو الرمي الذي يعتبر فيه الإلقاء بنحو يصدق عليه هذا العنوان، وهو مغاير لعنوان الوضع، فهو لا يجزي وإن كان
(الصفحة 170)
مستلزماً للوصول.
الثالث: أن يكون الإلقاء بسبب اليد في صورة الإمكان فلا يجز لو كان بسبب الرجل. ولو فرض كونه أسهل في بعض الأفراد. والوجه فيه الإنصراف إلى اليد مع استمرار السيرة عليه وإن اختلف المسلمون فيما يرمي من جهة اعتبار كونه حصى أو عدم اعتباره وجواز رمي غيره من الأشياء الآخر، إلاَّ أن العمل استمر على الرّمي باليد. وأمّا الرمي بالآلة كالمقلاع وإن كان بسبب اليد فقد احتاط في المتن أن استحباباً لايتحقق الرمي به مع أن الظاهر إن الاحتياط في ذلك وجوبي ينشأ من الإنصراف المذكور، وأن كان يبعّده في الجملة أن الرمي في الصيد ونحوه يكون بالآلة غالباً. ولا ينافي ذلك صدق الرّمي بوجه.
الرّابع: وصول الحصاة إلى المرمى وعدم كفاية مجرد نية الوصول وقصد الإيصال والسّر فيه عدم تحقق رمي الجمرة، أي الرمي المضاف إليها بدون الوصول والإصابة وإن كان قاصداً له. فالمعتبر مضافاً إلى القصد تحقق المقصود ويدلّ عليه صدر صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، وإن اصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار، أجزأك.(1)
الخامس: أن يكون وصولها بسبب رميه، بمعنى عدم كون رميه ناقصاً في السببية فلو كان كذلك وكان الإتمام مستنداً إلى حركة غيره من حيوان أو إنسان بحيث لو لم تكن حركة الغير لم يكن رميه كافياً في الإصابة والوصول لا يكون ذلك مجزياً
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السادس، ح1.
(الصفحة 171)
ومثاله على ما في الجواهر ما لو اصابت ثوب إنسان فنفضه حتى اصابت عنق بعير فحرّكه فاصابت.
نعم هنا فرضان آخران:
أحدهما: ما لو أصابت في طريقه انساناً أو غيره ووقعت على المرميّ بعد الإصابة المذكورة من دون أن تكون الإصابة المزبورة مؤثرة في الوصول بل واقعة في طريقه والظاهر أنه لا مانع منه. وأن ذيل الصحيحة المتقدمة آنفاً ناظر إليه فهو مجز.
ثانيهما: ما لو اصابت في طريقه شيئاً صلباً فوقعت باصابته على الجمرة. والظاهر فيه عدم الإجزاء خلافاً لصاحب الجواهر حيث حكم بالجواز معلّلاً بالصدق بعد أن كانت الإصابة على كلّ حال بفعله. والوجه في عدم الإجزاء إنّ الإصابة المتحققة في الخارج قد تأثرت من إصابة الحجر الصلب وإن كان لو لم يصبه لأصاب الجمرة أيضاً إلاَّ أن الواقع في الخارج كان متأثراً من غيره أيضاً. وهذا بخلاف الفرض الأول فإن الحكم فيه وإن كان عدم الإجزاء إلاَّ أن الملاك فيه نقصان السببية في نفسه، فتدبّر. ومما ذكرنا يظهر الاشكال على المتن لو كان مراده خصوص الفرض الأخير أو الاعم منه، ومن الفرض السابق.