(الصفحة 171)
ومثاله على ما في الجواهر ما لو اصابت ثوب إنسان فنفضه حتى اصابت عنق بعير فحرّكه فاصابت.
نعم هنا فرضان آخران:
أحدهما: ما لو أصابت في طريقه انساناً أو غيره ووقعت على المرميّ بعد الإصابة المذكورة من دون أن تكون الإصابة المزبورة مؤثرة في الوصول بل واقعة في طريقه والظاهر أنه لا مانع منه. وأن ذيل الصحيحة المتقدمة آنفاً ناظر إليه فهو مجز.
ثانيهما: ما لو اصابت في طريقه شيئاً صلباً فوقعت باصابته على الجمرة. والظاهر فيه عدم الإجزاء خلافاً لصاحب الجواهر حيث حكم بالجواز معلّلاً بالصدق بعد أن كانت الإصابة على كلّ حال بفعله. والوجه في عدم الإجزاء إنّ الإصابة المتحققة في الخارج قد تأثرت من إصابة الحجر الصلب وإن كان لو لم يصبه لأصاب الجمرة أيضاً إلاَّ أن الواقع في الخارج كان متأثراً من غيره أيضاً. وهذا بخلاف الفرض الأول فإن الحكم فيه وإن كان عدم الإجزاء إلاَّ أن الملاك فيه نقصان السببية في نفسه، فتدبّر. ومما ذكرنا يظهر الاشكال على المتن لو كان مراده خصوص الفرض الأخير أو الاعم منه، ومن الفرض السابق.
(الصفحة 172)فيما يعتبر في الرّمي
السّادس: أن يكون العدد سبعة.
السّابع: أن يتلاحق الحصيات. فلو رمى دفعة لا يحسب إلاَّ واحدة، ولو وصلت على المرمىّ متعاقبة، كما أنه لو رماها متعاقبة صحّ، وأن وصلت دفعة. [1]
[1] أمّا اعتبار كون العدد سبعة فيدل على اعتباره مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه كما في الجواهر، بل عن المنتهى اجماع المسلمين عليه الروايات المتعددة الواردة في بعض خصوصيات المسألة الدالة على أن اصل اعتبار العدد المذكور كان أمراً مسلّماً مفروغاً عنه عند السائلين والرواة، مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال في رجل اخذ أحدى وعشرين حصاة فرمى بها فزادت واحدة فلم يدر أيّهن نقص، قال فليرجع وليرم كلّ واحدة بحصاة، فإن سقطت عن رجل حصاة فلم يدر أيّهن هي فليأخذ من تحت قدميه حصاة ويرمي بها، الحديث.(1) فإن الحكم بلزوم رمي كل واحدة بحصاة مع العلم الاجمالي بنقصان إحديهن، انّما هو للتحفظ على عدد السبع ولزوم رعايته بنحو الجزم واليقين.
ومورد الرواية وإن كان رمى الجمرات الثلاثة ومحل البحث هو رمي جمرة العقبة إلاَّ أن الرواية تدل على اعتبار العدد المذكور فيه ايضاً. إمّا لأجل أنه لا فرق بين رمي الجمرات الثلاثة وبين رمي جمرة العقبة من هذه الجهة قطعاً وإمّا لأجل أن
- (1) وسائل: أبواب العود إلى منى الباب السابع ح2.
(الصفحة 173)
الجمرة العقبة إحدى الجمرات فإذا كان العدد معتبراً فيها مع الإنضمام فيكون معتبراً فيها مع الإستقلال أيضاً لانه لا فرق بين الحالتين قطعاً.
ورواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ذهبت أرمي فاذاً في يدي ست حصيات، فقال: خذ واحدة من تحت رجليك.(1) ومورد الرواية امّا خصوص رمي جمرة العقبة الذي هو من مناسك منى أو أن مقتضى الاطلاق الشمول لرمي جمرة العقبة فيدل على المقام بالدلالة اللفظية.
ورواية عبدالاعلى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له رجل رمى الجمرة بستّ حصيات فوقعت واحدة في الحصى، قال يعيدها أن شاء من ساعته وأن شاء من الغد إذا اراد الرّمي، ولا يأخذ من حصى الجمار، الحديث.(2) والظاهر كون الواحدة الواقعة في الحصى هي السّابعة. فيدل على لزوم العدد المذكور واحتمال كون الواحدة من الست. فلا يكون دالاّ على السبع. كما في الجواهر في غاية البعد.
وامّا اعتبار تلاحق الحصيات الذي عبّر عنه صاحب الجواهر بالتفريق في الرمي والمراد لزوم التعدد في الرمي حسب تعدد الحصيات بنحو التعاقب والتلاحق فقد حكي عن الخلاف والجواهر الاجماع عليه. بل لم يحك الخلاف فيه عن أحد من علماء المسلمين إلاَّ عطا حيث حكم بإجزاء الرّمي بها دفعة.
واستدلّ عليه بالتأسي والسيرة المستمرة العمليّة من المسلمين ويوضحه أنه لو لم يكن الرمي بالكيفية المزبورة متعيّناً لكان مقتضى مراعاة الأسهل الرمي دفعة
- (1) وسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السابع، ح 2 .
- (2) وسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السابع، ح3.
(الصفحة 174)
لسهولته خصوصاً مع ملاحظة الزحام الكثير وحرارة الهواء نوعاً، فعدم التوسل إلى الأسهل قرينة على عدم كفايته وعدم الإجتزاء به.
وأمّا الاستدلال عليه بالروايات الدالة على استحباب التكبير عند رمي كل واحدة من الحصيات نظراً إلى أنه لو جاز الرمى مرة واحدة كفى تكبيرة واحدة، فتعدد التكبيرة يكشف عن تعدد الرمي.
فغريب جدّاً لأن غاية ما يستفاد من ذلك استحباب تعدّد الرمي لتتحقق التكبيرات السبعة. وأمّا الوجوب فلا دلالة له عليه، كما أن الإستدلال عليه باستحباب الرّمي خذفاً، كما في بعض الروايات. وهو أن يضع الحصى على الابهام ويدفعه بظفر السبّابة حيث أنه لا يجتمع ذلك إلاَّ مع تعدد الرّمي كما هو ظاهر، غير تام لأن مقتضاه استحباب التعدد الذي هو الموضوع للكيفية المزبورة ولا دلالة له على الوجوب فالعمدة في الدليل ما ذكرنا.
(الصفحة 175)في موارد الشك في الرمي
مسألة 3 ـ لو شك في أنّها مستعملة أم لا، جاز الرّمي بها، ولو احتمل انّها من غير الحرم وحملت من خارجه لا يعتني به، ولو شك في صدق الحصاة لم يجز الاكتفاء به، ولو شك في عدد الرمي يجب الرّمى حتى يتيقن كونه سبعاً، وكذا لو شك في وصول الحصاة إلى المرّمى يجب الرّمي إلى أن يتيقن به، والظنّ فيما ذكر بحكم الشك، ولو شك بعد الذبح أو الحلق في رمي الجمرة أو عدده لا يعتني به، ولو شك قبلهما بعد الانصرافه في عدد الرّمي فإن كان في النقيصة فالأحوط الرجوع والإتمام ولا يعتني بالشك في الزيادة، ولو شك بعد الفراغ في الصحة بنى عليها بعد حفظ العدد. [1]
[1]
في هذه المسألة فروع كثيرة:
1 ـ الشك في أن الحصاة التي يريد الرمي بها هل تكون مستعملة قبل هذا الرمي في رمي صحيح أم لا؟ والحكم فيه جواز الرّمي بها لجريان استصحاب عدم الاستعمال فيها بعد كون معنى البكارة المعتبرة فيها مجرد عدم الاستعمال في الرّمي الصحيح. فلا يكون الاستصحاب بمثبت اصلاً.
2 ـ الشك في كونها من الحرم أو من خارجه. وقد حملت إليه وفي المتن انّه لا يعتني بهذا الاحتمال. والوجه فيه إن كان هو استصحاب عدم الحمل وعدم الإنتقال، فهو لا يثبت كونها من الحرم وإن كان هو الظاهر فيرد عليه مضافاً إلى منع الصغرى أنه لا دليل عليه حجيّته. فالاحوط الاعتناء ورفع اليد عن الرّمي بها.
3 ـ الشك في صدق عنوان الحصى الذي قد عرفت أنه يعتبر فيه أمران: كونه من