(الصفحة 181)
والكفاية. وأمّا لو لم يبق بل ارتفع بحيث يمكن له الرمي بالمباشرة في الوقت، فالظاهر هو الاجزاء وعدم لزوم الاستيناف مباشرة لأجل قاعدة الإجزاء المحققة في الأصول. ولو نوقش فيها لكان مقتضى الروايات الواردة في المقام هو الإجزاء كما هو المتفاهم منها عند العرف فان مفادها لا يكون مجرد بيان المشروعية للنيابة في الرمي في الجملة، بل هو مع صحة الرمي الواقع نيابة في مورد العذر وعدم لزوم الإعادة كما لا يخفى. نعم هنا فرض رابع وهو زوال العذر في أثناء الرمي وامكان الإتيان بالمجموع مباشرة ولاشبهة فيه في عدم جواز اكمال النائب الباقي بعد ارتفاع العذر وزوال الاغماء والمرض ـ مثلاً ـ . إنّما الإشكال في لزوم استيناف المجموع من رأس مباشرة أو كفاية ما رماه النائب وإكمال المنوب عنه الباقي. فيه وجهان، والظاهر هو الوجه الأوّل لعدم وضوح شمول الروايات المتقدمة لهذه الصورة. وقد عرفت انّ النيابة انما تكون على خلاف القاعدة ويحتاج جريانها في مورد إلى قيام الدليل الظاهر فيه. وعليه فاللازم هو الاستيناف من رأس وعدم الاكتفاء بما رماه النائب. نعم مقتضى الإحتياط الراجح هو الجمع بين الامرين.
بقي في هذه المسألة أمران:
أحدهما: انّ الظاهر هو استحباب حمل المريض في صورة الإمكان إلى محلّ الرمي والرمي في حضوره. وإن كان ظاهر الموثقة وبعض الروايات الآتية في مسألة الرمي في الليل هو الوجوب: ولذا جعله في المتن أحوط.
ثانيهما: انّ الظاهر ان جريان النيابة في الموارد الخمسة المذكورة انّما هو بعد تحقق الاستنابة من المنوب عنه وصدور الإذن منه. نعم في الصبي لا يحتاج إلى الإستنابة،
(الصفحة 182)في من كان معذوراً في الرمي يوم العيد
مسألة 6 ـ من كان معذوراً في الرّمي يوم العيد جاز له الرّمي في الليل. [1]
بل يتصدّى الولي لنفسه أو يستنيب هو، ولا حاجة إلى اذن الصبي، كما أنه في المغمى عليه لا مجال للاستنابة لعدم امكانها، بل يتصدّى الولي لذلك، ومع عدمه المؤمنون، بل ربما يستفاد من صحيحة رفاعة المتقدمة الوجوب بنحو الواجب الكفائي بناء على كون قوله: يرمي عنه الجمار دالاًّ على وجوب الرمي عنه لا مجرد مشروعية النيابة بالاضافة إليه.
[1] قال المحقق في الشرايع: ولا يجوز أن يرمي ليلاً إلاّ لعذر كالخائف والمريض والرعاة والعبيد. وقال في الجواهر عقيبه: بلا خلاف أجده فيه.
والمستند الروايات الكثيرة الواردة في هذه المسألة، مثل:
صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليّل.(1)
وموثقة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخّص للعبد والخائف والراعي، في الرمي ليلاً.(2)
وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال في الخائف: لابأس بأن يرمي الجمار بالليل ويضحي بالليّل ويفيض بالليّل.(3)
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 1.
- (2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 2.
- (3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 4.
(الصفحة 183)
ورواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال: الحاطبة والمملوك الذي لا يملك من امره شيئاً، والخائف والمدين والمريض الذي لا يستطيع أن يرمي، يحمل إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي وإلاَّ فارم عنه وهو حاضر.(1)
والمستفاد من الروايات جواز الرّمي في الليل بالإضافة إلى العناوين المذكورة فيها وجامعها عنوان المعذور كما فهمه الفقهاء. وغير خفي انّ هذه العناوين تختلف مع الطوائف الثلاثة الذين رخص لهم النفر من المشعر إلى منى قبل طلوع الفجر حيث انّ الظاهر جواز الرمي لهم بعد الورد إلى منى وإن لم يطلع الفجر من ليلة العيد، فضلاً عن طلوع الشمس يومه. كما وقع التصريح بذلك في بعض الروايات الدالة على الترخيص فان النساء بعنوانهن من جملة ملك الطوائف مع أنه لا يصدق عليهن عنوان المعذور إلاَّ بالإضافة إلى بعضهن كالرجال. والثمرة تظهر في جواز الرمي في الليل في غير ليلة العيد، فإنه لا يجوز على الطوائف المذكورة ذلك إلاَّ مع الدخول في عناوين روايات هذا الباب، كالخائف ـ مثلاً ـ في بعض مصاديقه. وكيف كان ظاهر روايات المقام الدالة على جواز الرّمي في الليل أنه لا فرق في الليل بين المتقدم والمتأخر لعموم النصوص والفتاوى. كما ذهب إليه صاحب الجواهر تبعاً لكاشف اللثام.
ولكن قال في محكّي المدارك: « والظاهر أن المراد بالرّمي ليلاً رمي جمرات كل يوم في ليلته، ولو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، لأنه
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح1.
(الصفحة 184)في جواز الرّمي ماشياً وراكباً
مسألة 7 ـ يجوز الرّمي ماشياً وراكباً، والأوّل أفضل. [1]
أولى من الترك أو التأخير وربما كان في اطلاق بعض الروايات المتقدمة دلالة عليه».
ومقتضى الإطلاق إنه لا فرق بين صورتي التمكن وعدمه، وعليه فيجوز المعذور في الليلة الثاني عشر رمي الجمار مرتين، مرة لليوم الماضي وأخرى لليوم الآتي.
فرع: هل المريض الذي لا يتمكن من الرمي في اليوم، يجب عليه أن يستنيب للرمي في اليوم، أو يتعين عليه أن يصبر ويرمي بالمباشرة في الليل، أو يتخير بين الأمرين; وجوه ظاهر الماتن (قدس سره) في الجواب عن السؤال عنه هو الوجه الثالث ولعلّ وجهه جريان كلا الدليلين بالإضافة إليه الدليل الدال على أن غير المتمكّن يرمى عنه الجمار. وقد ورد بعض رواياته في خصوص المريض. والدليل الدّال على أن المعذور عن الرّمي في اليوم يرمي في الليل وحيث إنه لا ترجيح لإحدهما على الآخر فهو يتخير بين الأمرين ويحتمل ترجيح الثاني على الأوّل، لأن النيابة أمر على خلاف القاعدة لا يصار إليها إلاَّ مع قيام الدليل الواضح عليها. ومع وجود الدليل على توسعة زمان الرّمي بالإضافة إلى الليل ولو بالنسبة إلى خصوص بعض العناوين لا يصار إلى النيابة. ولعلّ في رواية أبي بصير المتقدمة إشارة لولا دلالة إلى ذلك، فتدبر. فالأحوط الرمي في الليل في الفرض المزبور.
[1] قد وقع التصريح في جملة من الكتب الفقهية بانّ المستحب هو الرمي ماشياً. والظاهر انّ المراد هو الرّمي راجلاً. لانّ الرّمي يغاير الطواف والسعي حيث إن
(الصفحة 185)
الحركة مأخوذة في مفهومهما، بخلاف الرّمي، فإنه لا تعتبر الحركة في معناه ومهيته. فالمراد من عنوان الماشي هو الراجل في مقابل الرّاكب. نعم في الحركة عن الخيمة التي هي مقره إلى محلّ الرمي يتصور عنوان الماشي. وكيف كان فالدليل على الإستحباب وجواز الرّمي راكباً ملاحظة الجمع بين الروّايات المتعددة الواردة في المقام، مثل:
صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرمي الجمار ماشياً.(1)
ورواية أحمد بن محمّد بن عيسى، انّه رأى أبا جعفر (عليه السلام) رمى الجمار راكباً.(2)
ومرسلة محمد بن الحسين عن بعض أصحابنا عن أحدهم (عليه السلام) في رمي الجمار، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رمى الجمار راكباً على راحلته.(3)
ورواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل رمى الجمار وهو راكب فقال لا بأس به.(4)
هذا وعن المبسوط والسرائر: انّ الركوب أفضل لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رماها راكباً وفي محكي المدارك: لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الاصحاب.
قلت: لو كان المراد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) رماها راكباً أحياناً فهو لا يدل على استحبابه خصوصاً بعد دلالة صحيحة علي بن جعفر، على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرمي الجمار ماشياً. ولو كان المراد استمرار عمله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرمي راكباً، فلا يكون في البين ما يدل عليه
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح1.
- (2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 1.
- (3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 2.
- (4) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن، ح 4.