(الصفحة 229)
فقلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، أله أن يضحي في اليوم الثالث؟ فقال: نعم(1).
وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الأضحى بمنى، فقال: أربعة أيام، وعن الأضحى في سائر البلدان، فقال: ثلاثة أيام(2).
ورواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النحر بمنى ثلاثة أيام. فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام. والنحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد(3). لكن التفريع من جهة الصوم ربما يشعر بل يدل على أن المراد بكون الأضحى بمنى ثلاثة أيام، هي من جهة الصوم لا من جهة زمان الذبح أو النحر. فإن للأضحى خصوصيتين: الظرفية الزمانية للذبح أو النحر، وعدم جواز الصوم فيه.
نعم هنا رواية ربما يكون ظاهرها خلاف الروايات المتقدمة، وهي رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت(4).
واحتمل صاحب الجواهر فيها إرادة يوم النفر من مكة، وقد كان بعد ذي الحجة. ولعله لأن حملها على إرادة يوم النفر من منى إلى مكة الذي هو اليوم الثاني عشر نوعاً لا يجتمع مع مضي الأيام بصيغة الجمع، لأن أقلّها الثلاثة مع أنه حينئذ لم يمض إلاّ يومان لا الثلاثة. وحكي عن الشيخ أنه حملها على من صام ثلاثة أيام فمضى
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح1.
- (2) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح2.
- (3) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح5.
- (4) وسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع والأربعون، ح3.
(الصفحة 230)
أيامه بمعنى مضيّ زمان أسقطه عنه للصوم فيه، وهو في غاية البعد. وحمل صاحب الجواهر أقرب. لأن ظهور الجمع في الثلاثة فما فوق أزيد من ظهور يوم النفر في يوم النفر من منى لا من مكة، كما هو ظاهر.
الأمر الثالث: في كون الذبح أو النحر عبادة. ولأجلها يعتبر فيه ما يعتبر في سائر أجزاء الحج من النية المشتملة على قصد القربة وغيره مما مر البحث عنه مفصلا في الطواف وما يترتب عليه والوقوفين وما بعدهما ولا حاجة إلى الإعادة.
الأمر الرابع: في جريان النيابة في الذبح ونحوه ولو مع عدم الضرورة وفقدان العذر. والكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:
المقام الأول: في أصل جريان النيابة فيه مطلقاً. والدليل عليه وجوه:
أحدها: استمرار السيرة العملية من المتشرعة المتصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) على الإستنابة في الذبح ونحوه مطلقاً. والمعاملة مع الذبح معاملة خاصة مغايرة لسائر أجزاء الحج. حيث إننا نرى وقوع الإستنابة من أكثر الحجاج. بل لا يتصدى له بنحو المباشرة، إلاّ قليل منهم. بخلاف ساير الأجزاء.
ثانيها: كون مسألة الذبح حتى في الغنم فضلا عن البقر وكذا النحر بطريق آكد مسألة فنية لا يعرفه إلاّ القليل من الناس، فإن المتصدين لذلك أفراد خاصة معدودون. وفي مثل هذا الأمر لو فرض توجه التكليف إليه من الشارع لا يكاد يفهم منه، إلاّ أن مقصود الشارع تحقق الفعل من المكلف، لا بنحو المباشرة فقط، بل أعم منها ومن الإستنابة المتعقبة للصدور من النائب. وهذا بخلاف مثل الرمي والطواف والسعي ونحوها من الأفعال التي يمكن صدورها بنحو المباشرة من أغلب
(الصفحة 231)
الناس، لعدم كونها من الأفعال الفنية. ففي مثل المقام لا حاجة إلى اقامة دليل خاص على مشروعية النيابة، ولو في حال الإختيار بل المتفاهم العرفي من نفس التكليف أعم من المباشرة، فتدبر.
ثالثها: دلالة روايات كثيرة، مثل:
صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، وأن يرموا الجمرة بليل. فإذا أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهن (عنهم خل)(1). وظاهرها أن جواز التوكيل في الذبح للنساء معلّق على مجرد إرادة زيارة البيت وطوافه والتعجيل فيه. كما ورد هذا التعبير في النقل الآخر لأبي بصير. لكن في النقل الثالث التعليق على خوف الحيض، كما تقدم.
وصحيحة حريز المتقدمة في الأمر الثاني، نظراً إلى أن عدم لزوم بقائه في مكة للتصدي لأمر الذبح، ظاهر في جواز الاستنابة فيه مطلقاً وغير ذلك من الروايات التي تشعر بل تدل على الجواز مطلقاً، فلا شبهة حينئذ في هذا المقام.
المقام الثاني: في المتصدي للنية المعتبرة في عبادية الذبح أو النحر، وانه هل هو النائب الذابح أو المنوب عنه أو كلاهما؟ قال المحقق في الشرايع: والنية شرط في الذبح ويجوز أن يتولاها عنه الذابح. وقال في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن بعض الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق على توليه لها مع غيبة المنوب عنه، لأنه الفاعل. فعليه نيته. فلا يجزي حينئذ نية
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح6.
(الصفحة 232)
المنوب عنه وحدها. لأن النية إنما تعتبر من المباشر...».
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) في هذا المقام كلاماً محصلّه: «إن باب الوكالة غير باب النيابة، فإن الفعل قد يصدر من المباشر ولكن ينسب إلى الأمر والسبب من دون دخل قصد قربة العامل فيه أصلا. كبناء المساجد وإعطاء الزكاة بالواسطة. حيث إن المعتبر فيه قصد قصد قربة الأمر ومن يجب عليه الزكاة. وقد يصدر من نفس النائب ويكون العمل عمله دون المنوب عنه. ولكن يوجب سقوط ذمة المنوب عنه بالدليل الشرعي، مثل موارد مشروعية النيابة، فإن النائب هو الذي يقصد القربة ويقصد الأمر المتوجه إلى نفسه لأن قصد القربة بالأمر المتوجه إلى الغير أمر غير معقول، فلابد من فرض توجه الأمر إلى شخص النائب، سواء كان الأمر وجوبياً، كالأمر المتوجه إلى الولد الأكبر بالنسبة إلى قضاء ما فات عن أبيه. أو أمراً استحبابياً تبرعياً فيتقرب النائب بالأمر المتوجه إليه وبه يسقط ما في ذمة المنوب عنه. فلو لم ينو يقع العمل باطلا فلا يوجب فراغ ذمة المنوب عنه وبه يظهر أن مورده ما إذا ثبتت مشروعية النيابة وتوجه الأمر إلى النائب. وأما الموارد التي لم تشرع فيها النيابة، فلا معنى لنية العامل كاعطاء الزكاة من الواسطة. والذبح في المقام من هذا القبيل، لأن الذبح المباشر لا أمر له ولم يرد في النصوص أنه يذبح عنه. فالنيابة غير مشروعة فيه. بل الذابح حاله حال العامل في بناء المساجد من توجه الأمر العبادي إلى شخص الآمر لا العامل».
ويرد عليه في أصل النيابة المشروعة في مواردها، انّ الظاهر كون النائب في عمله العبادي النيابي بقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه. وهذا وأن كان على خلاف
(الصفحة 233)
القاعدة، إلاّ أن النيابة كما ذكرنا في فصل الحج النيابي أمر على خلاف القاعدة مطلقاً ولا يكاد يصار إليها إلاّ في مورد ثبوت المشروعية ونهوض الدليل. لكن كون شيء خلاف القاعدة أمر، وكونه أمراً غير معقول أمر آخر. فالنائب يقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه، وهذا هو الذي يساعده الاعتبار أيضاً، حتى فيما لو كان المنوب عنه ميتاً أو مغمى عليه وغير قابل لصدور قصد القربة منه.
وما أفاده من توجه الأمر الوجوبي أو الإستحبابي الشرعي إلى النائب مطلقاً يرد عليه أن العمل الصادر من النائب الأجير لا يكاد يصدر منه إلاّ بعنوان الوفاء بعقد الإجارة الذي هو وجوب توصلي لا يتوقف سقوطه على تحقق قصد القربة. وفي هذه الصورة لا يتحقق العمل من الأجير بقصد الأمر الإستحبابي التبرعي، وإن كان ثابتاً في مورده مع قطع النظر عن الإستيجار. بل ربما يوجد بعض الموارد التي لا يكون التبرع فيه مشروعاً بوجه، كالنيابة التبرعية عن الحي في الحج مع استقرار الحج عليه وكونه غير قادر على الإتيان به لهرم أو مرض لا يرجى زواله على ما تقدم البحث فيه مفصلا. ففي هذا الفرض لا يكون الأمر الإستحبابي التبرعي ثابتاً بوجه، بل اللازم الاستنابة الملازمة لثبوت الاُجرة نوعاً.
ويرد على ما أفاده في خصوص الذبح في المقام، أن دعوى أنه لم يرد في النصوص انه يذبح عنه ممنوعة جداً. فإنك عرفت في الأمر الثاني المتقدم دلالة طائفة من الروايات الواردة في الضعفاء والنساء والخائف والذي يكون واجداً للثمن ولم يجد الهدي على أن الوكيل يذبح عنه بعين التعبير الوارد في سائر أجزاء الحج، مثل الطواف والرمي وغيرهما. فدعوى عدم مشروعية النيابة في الذبح غير مسموعة