(الصفحة 237)
الذى هوثقة، و بين عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام و هو لم تثبت وثاقته، و في دلالتها باعتبار كون الفقرة الأولى مرتبطة بنفي الكمال لصحة الهدي من غير الابل. وعليه فالظاهر بلحاظ وحدة السياق كون الفقرة الثانية ايضاً ناظرة إلى نفي الكمال، فلا دلالة لها على عدم إجزاء الذبح في غير منى.
و رواية مسمع التى في سندها الحسن اللؤلؤى عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: منى كلّه منحر، و أفضل المنحر كلّه المسجد.(1) و المناقشة في سندها من جهة الحسن بن الحسين اللؤلؤى حيث إن جماعة من الأجلاء قد ضعفوه و إن كان النجاشى وثّقه. و فى دلالتها من جهة عدم ظهورها في اختصاص النّحر بمنى. و يحتمل أن يكون المراد به ثبوت المزية لمنى من جهة ان كلّه منحر، فتدبر. و فى مقابل هذه الروايات، روايتان:
إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبى عبدالله (عليه السلام) إنّ أهل مكّة أنكروا عليك إنّك ذبحت هديك فى منزلك بمكة، فقال: إن مكّة كلّها منحر.(2)
ثانيتهما: صحيحة أخرى لمعاوية و إن جعلها في الجواهر صحيحة عمار عن ابى عبدالله (عليه السلام) في رجل نسى أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكّة ثم ذبح، قال: لابأس قد أجزاء عنه.(3)
و قد حملهما في الجواهر على غير الهدى الواجب. كما انّ الشيخ حمل الأولى على ذلك واستشكال الشهيد على الثانية بأن المراد منها الذبح في غير المحلّ المعدّ للذبح
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع، ح 7 .
- (2) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع، ح 1 .
- (3) وسائل: ابواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح 5 .
(الصفحة 238)
بمنى، مدفوع بصراحتها في الذبح بغير منى.
و إن ابيت عن الحمل المذكور و بنيت على المعارضة، فمقتضى كون اوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية ثبوت الترجيح مع الطائفة الأولى، فانقدح انّ محل الذبح أو النحر هو منى من دون فرق بين أبعاضه.
إذا عرفت ذلك يقع الكلام في المذبح الجديد الذّى عرفت انه بجميعه أو بكثير أبعاضه واقع فى خارج منى، و هو وادي محسّر تارة من جهة اجزاء الذبح فيه و كفايته في مقام إمتثال الأمر به. وأخرى من جهة تعين وقوع الذبح فيه بالإضافة إلى الأمكنة البعيدة عن منى و عدم التعين، و جواز الذبح فى تلك الامكنة، غاية الأمر بسبب الإستنابة و المواعدة على وقوع الذبح في زمان خاص متأخر عن رمى جمرة العقبة و متقدم على الحلق أو التقصير. فنقول:
أمّا من جهة الإجزاء فإن قلنا بأنّ في منى أيضاً يوجد بعض المذابح القديمة التى يمكن الذبح فيها من دون عسر و حرج و خوف و خطر كما ربما يقال، فلا إشكال في لزوم الذبح فيها و عدم جواز الإكتفاء بالذبح في المذبح الجديد اصلاً أو في الأجزاء الخارجة منه عن منى، لما عرفت من قيام الدليل من الكتاب و السنة و اتفاق الفتاوى على كون منى ظرفاً مكانيّاً للذبح بنحو اللزوم.
كما أنه لو قلنا بأن جزء من المذبح الجديد واقعاً في منى و يمكن تشخيصه اوّلاً و الذبح فيه ثانياً من دون ممانعة أو عسر و مشقة، فلاشبهة في لزوم الذبح في خصوص ذلك الجزء و عدم جواز الإكتفاء بالذبح في غيره.
و أمّا لو قلنا بأنه بجميع أجزائه يكون واقعاً فى خارج منى، أو بعدم إمكان
(الصفحة 239)
تشخيص الجزء الواقع أو كون الذبح في ذلك الجزء مقروناً بالمنع الحكومي أو العسر و الحرج، فإن لم يمكن الذبح في منى و لو مع التأخير عن يوم النحر كأيام التشريق فاللازم الإلتزام بإجزاء الذبح في المذبح الجديد، و الإكتفاء به لسقوط الشرطية المكانية بلحاظ عدم التمكن من رعاية الشرط و عدم القدرة عليها. و لامجال لتوهم سقوط أصل التكليف بالذبح بعد كون قيد المكان كالزمان مأخوذاً بنحو تعدّد المطلوب لاوحدته كما مرّ، فمع عدم القدرة على رعاية منى تسقط الشرطية المكانية، فيجوز الذبح في المذبح الجديد.
و إن امكن الذبح في منى مع التأخير عن يوم العيد، فإن قلنا بأن عدم التأخير عن اليوم المذكور يكون إعتباره بنحو الإحتياط الوجوبى ـ كما اختاره الماتن (قدس سره) ـ فاللازم هو التأخير لاالذبح يوم العيد في المذبح الجديد. لان الأمر دائر بين رعاية ظرف الزمان التي يكون إعتبارها بنحو الإحتياط و بين رعاية ظرف المكان التي يكون إعتبارها مسلّماً لدى الأصحاب. و من الواضح ان الترجيح من الثاني.
و إن قلنا بأن عدم التأخير عن اليوم المذكور انما يكون اعتباره بنحو الفتوى ـ كما اخترناه ـ فالأمر يدور بين رعاية أحد الظرفين، ولاترجيح في البين، فيكون مخيّراً بين الأمرين. هذا من جهة الإجزاء.
و أمّا من جهة التعين بالمعنى الذي ذكر، فربما يقال انه بعد سقوط لزوم رعاية شرطيّة الظرف المكاني بسبب عدم التمكن و القدرة ـ كما هو المفروض ـ لامجال لدعوى التعين بالمعنى المذكور، لأنه لاخصوصية للمذبح الجديد و ما يشابهه في الخصوصية، فيكون المكلف مخيراً بين المذبح الجديد و بين ساير الأمكنة و لو كانت
(الصفحة 240)
بعيدة، بل فى غاية البعد. غاية الأمر بنحو الإستنابة و المواعدة المذكورتين لكنه مبنى اوّلاً على دعوى انتفاء إحتمال لزوم رعاية الأقرب فالأقرب إلى منى بعد عدم إمكان الذبح في منى، و ثانياً على عدم دلالة الدليل على لزوم وقوعه بصورة الإجتماع، و كلاهما ممنوعان.
أمّا الأوّل فلوجود هذا الإحتمال و عدم كون منى مثل المسجد الذي إذا نذر أن يصلى فيه فلم يتمكن من الصلاة فيه، لاينتقل الحكم إلى الأقرب إلى المسجد فالأقرب و مع وجوده يدور الأمر بين التعيين و التخيير، و إصالة الإحتياط في مثله تقتضى التعيين.
و أمّا الثاني فيستفاد من قوله تعالى:
(والبدن جعلناها لكم من شعائرالله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها و اطعموا القانع و المعتر...) (1) إنّ البدن قد جعلها الله من شعائرالله. والظاهر إن هذا العنوان ينطبق على الأعمال العبادية الإجتماعية كصلاة الجماعة ـ كما انه يستفاد منه ـ انه بعد ما وجبت جنوبها و تحقق النحر يتحقق التمكن من الأكل و الإطعام و الصدقة، سواء كانت هذه الأمور واجبة أو مستحبة. ـ كما يأتى البحث فيه ان شاءالله تعالى ـ .
و هذا الأمران لايتحققان إلاّ في الذبح في المذبح الجديد أو مثله من الأمكنة المتصلة بمنى الواقع فيها الذبح بنحو العموم والجماعة، و هذه الجهة مما يساعدها الإعتبار الدالّ على أن اجتماع حجاج المسلمين للذبح بمقدار يتجاوز عن الف الف من الأنعام الثلاثة يكشف عن شدة إتصالهم بالمسائل الشرعية و إعتقادهم بالأمور
- (1) سورة الحج، الآية 36 .
(الصفحة 241)
المعنوية. و هذا يدل على كون الإسلام محقّاً في دعويه صادقاً في خبره، بخلاف صورة التشتت في الذبح و التفرق الذي ليس فيه هذه الحكاية بوجه.
نعم يبقى إشكال تضييع اللحوم بالذبح أو النحر و عدم الإستفادة منها إلاّ قليلاً مع في انه في صورة الذبح في محلّ كل مكلف و بلده لاتحقق هذا التضييع بوجه.
و الجواب عن هذا الإشكال مع أنّ الوجه فيه ضعف القوى الحاكمة على الحرمين و إلا كان اللازم خصوصاً في هذه الأزمنة الإستفادة من الإمكانيات و الوسائل الموجودة بنحو لايتحقق التضييع بوجه انّ كون أحكام الحج مع أنه من الفرائض المهمة الإسلامية تعبدية محضة، لاتكاد تنال عقولنا الناقصة و علومنا الضعيفة إلى مغزاها و عللها و حكمها يقتضى عدم الاتكال على مثل هذا الإشكال، فتأمل حتى لايشتبه عليك الحال. و قد انقدح أنه لاتبعد دعوى تعين الذبح في المذبح الجديد بالنحو المذكور.