(الصفحة 24)
والمروة، فلا اشكال في الجواز نصّاً وفتوى. وأمّا إذا كان بينهما من جهد وتعب فلا إشكال فيه أيضاً. وأمّا إذا كان لمجرد الإستراحة من دون أن يكون جهد ومشقة فمقتضى جملة من الروايات الجواز، مثل:
صحيحة الحلبي، قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال: نعم، إن شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فليجلس.(1)
وصحيحة معاوية بن عمّار في حديث، انه سأل ابا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة يجلس عليهما، قال: أو ليس هو ذا يسعى على الدواب.(2)
ومقتضى بعض الروايات العدم، مثل: صحيحة عبد الرحمان بن ابي عبد الله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يجلس بين الصفا والمروة إلاّ من جهد.(3)
والظّاهر ان استثناء الجهد قرينة على كون المراد من المستثنى منه هو الحكم التنزيهي لا التحريمي. فلا مجال لدعوى التقييد خصوصاً مع التصريح في الصحيحة الأوى بالجواز بينهما معلّقاً على المشيّة لا مشروطاً بالجهد، ولكن الاحوط مع ذلك في هذه الصورة الترك. وقد قيدنا في التعليقة عن المتن أصل الحكم في الجواز بأن الأحوط أن لا يكون بمقدار يقدح في الموالاة العرفية.
- (1) وسائل: ابواب السعى، الباب العشرون، ح1.
- (2) وسائل: ابواب السعى، الباب العشرون، ح2.
- (3) وسائل: ابواب السعى، الباب العشرون، ح4.
(الصفحة 25)في أن الأحوط عدم تأخير السّعي الى الليل
مسألة 7 ـ يجوز تأخير السعي عن الطواف وصلاته للاستراحة وتخفيف الحرّ، بلا عذر حتى إلى الليل، والأحوط عدم التأخير إلى اللّيل، ولا يجوز التأخير إلى الغد بلا عذر. [1]
[1] أمّا أصل جواز التأخير في الجملة فممّا لا إشكال فيه، بل ولا خلاف، كما في الجواهر نفى وجد انه فيه. وأمّا التأخير إلى الليل فجوازه هو المشهور كما أن عدم جوازه إلى الغد أيضاً كذلك. لكن قال المحقّق في الشرايع في المسألة الخامسة من مسائل الطواف: من طاف كان بالخير في تأخير السّعي إلى الغد ثم لا يجوز مع القدرة. وظاهره جواز الإتيان به في الغد، لظهوره في كون الغاية داخلة في المعنى كدخولها فيه بالإضافة إلى الليل، فإن الظاهر ان المشهور القائلين بجواز التأخير إلى الليل لا يفرقون بين أجزاء الليل أوّلا ووسطاً وآخراً. وعليه فظاهر كلام المحقق أيضاً دخول الغد مع أن الظاهر انه لم يقل به أحد غيره. فلابد من حمل كلامه على خروج الغاية ليخرج من الندرة.
وأعجب من ذلك. انه حكى عن الحدائق انه نقل عن الشهيد انه قال بعد نقل ذلك من المحقق: وهو مروي مع انه لم يصل إلينا رواية دالة على جواز التأخير الى الغد بالنحو المذكور. اللهم الاّ على سبيل الإطلاق، كما في بعض الروايات ـ وكيف كان فالرّوايات الواردة في هذه المسألة عبارة عن:
صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقدم مكّة وقد اشتد عليه الحرّ فيطوف بالكعبة ويؤخّر السعي إلى أن يبرد. فقال: لا بأس به
(الصفحة 26)
وربما فعلته. وقال: وبما رأيته يؤخر السعي إلى اللّيل.(1)
قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ: ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان مثله إلى قوله: وربما فعلته. إلا انه قال: يقدم مكة حاجاً. ورواه الصدوق بإسناده عن عبدالله بن سنان مثل رواية الكليني وزاد: وفي حديث آخر: يؤخره إلى الليل.
والرواية مشتملة على حكايتين، حكاية القول وحكاية الفصل.
أما الاولى فمفادها جواز تأخير السعي إلى أن يبرد. والظاهر أن الجواز لا يختص بصورة الحرج والتعب والجهد لعدم كون اشتداد الحر ملازما للحرج أولا، وظهور الرواية في جواز التأخير إلى البرودة الظارة في جواز الإتيان به عند حدوث البرودة أو في الوسط أو في الآخر ثانياً، وعليه فلا مجال لتوهم كون مفاد الرواية جواز التأخير في خصوص صورة الحرج.
وأما الثانية فلا يستفاد منها الجواز إلى الليل مطلقاً ولو من دون عذر، لأنها حكايه فعل الإمام (عليه السلام) والفعل لا اطلاق له إلا إذا كان الحاكي له هو إمام آخر، وكان غرضه من حكاية بيان الحكم وفي غير ذلك لا وجه للتمسك بالإطلاق. وعليه فيحتمل أن يكون تأخيره (عليه السلام) في مورد العذر، فلا دلالة للرواية على جواز التأخير إلى الليل مطلقاً، كما ان الزيادة في نقل الصدوق لا تصلح لإثباته، فتدبر.
وصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت فاعيى
- (1) وسائل: أبواب الطواف، الباب الستّون، ح1.
(الصفحة 27)
أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة ؟ قال: نعم(1) .
وصحيحة العلاء بن رزين. قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فاعيى أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد قال: لا(2). وفي الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني: ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب ورواه الصدوق بإسناده عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) .
ويظهر من الجواهر ان الرواية الأخيرة روايتان يكون الراوي في أحدهما هو العلاء وفي الثانية هو محمد بن مسلم. وعليه فما يدل على عدم جواز التأخير إلى الغد روايتان صحيحتان مع أن ظاهر الوسائل كونهما رواية واحدة. ويؤيده ان الراوي عن محمد هو العلاء.
وعليه فيحتمل اتحادهما مع الصحيحة الأولى أيضاً، وإن كان بينهما اختلاف في الجواب من جهة الإثبات والنفي، وكذا في السؤال من جهة اطلاق التأخير وتقييده بالتأخير إلى الغد ، ولكنه مع ذلك لا يكون احتمال الإتحاد منتفياً خصوصاً بعد اتحاد عبارة السؤال ـ لأنه لا مجال لتعدد السؤال، سواء كان السؤال الأول واقعاً قبل الثاني أو بعده. أمّا في الفرض الأوّل فلأنّه بعد السؤال عن تأخير السعي بنحو الإطلاق الشامل للتأخير إلى الغد والجوا بالإثبات كذلك لترك الاستفصال فيه لا مجال للسؤال الثاني أصلا إلا أن يقال بظهور السؤال في التأخير في الجملة وهو لا يشمل التأخير إلى الغد. وأمّا في الفرض الثاني فمقتضى القاعدة تقييد مورد السؤال بغير الغد ـ كما لا يخفى ـ .
- (1) وسائل: ابواب الطواف، الباب الستون، ح2.
- (2) وسائل: ابواب الطواف، الباب الستون، ح3.
(الصفحة 28)في ركنية السّعي
مسألة 8 ـ السّعي عبادة تجب فيه ما يعتبر فيها من القصد وخلوصه، وهو ركن، وحكم تركه عمداً أو سهواً حكم ترك الطواف، كما مرّ. [1]
[1] لا شبهة في كون السعي عبادة عد وقوعه جزء للحج أو العمرة. ولا مجال لأن يكون جزء العباة غير عبادة، وعليه فيعتبر فيه ما يعتبر في العبادة من النيّة والخلوص من الرياء وغيرها فينوى السّعي الذي هو جزء لحجة الاسلام ـ مثلا ـ أو عمرتها امتثالا لأمر الله تعالى. وقد تقدم التحقيق في ذلك في باب الطواف، فراجع. كما أنه قد تقدم معنى الرّكن في باب الحج وأنه مغاير لمعناه في باب الصلاة في أوّل بحث الطواف والذي ينبغي التعرض له هنا أمران:
أحدهما انه بعد وضوح كون الإخلال بالسّعي عالماً عامداً موجباً لبطلان العباده لأنه حدّ اقل آثار الجزئية الثابتة له على ماهو المفروض، اذ لا يجتمع صحة العبادة مع الإخلال بالجزء في صورة العلم والعمد. نعم حكي عن أبي حنيفة ان السّعي واجب غير ركن، فإذا تركه كان عليه دم. وعن أحمد في روايته انه مستحبّ، لكن لا ريب في فسادهما، كما في الجواهر.
وقع الكلام في أنّ الإخلال به عن جهل هل موجب البطلان أم لا؟ سواء كان الجهل عن قصور أو تقصير. والظاهر هو الأوّل، لصحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام) من ترك السّعي متعمّداً فعليه الحج من قابل(1). ومقتضى إطلاق المتعمد الشمول للجاهل، لأن الجاهل أيضاً متعمد وعمله صادر عن قصد وإرادة،
- (1) وسائل: ابواب السّعي، الباب السابع، ح2.